جزء من النضال التاريخي للمرأة في المصانع والقطاع الخدمي
شكل كلٌ من العنف والقمع والحرب والعنصرية والعسكرة، والقمع الجنسي القائم على النوع الاجتماعي جميعها مع بعضها البعض مرحلة تاريخية امتدت لآلاف السنين حتى أنها أصبحت أسلوباً للحياة، كما تمت حمايتها والحفاظ عليها حتى يومنا الراهن
زينب أكجول
أنقرة ـ ، فهيمن التحيز الجنسي على الحياة العملية وتقاسم الوظائف. لذا فإن النساء يكافحنَّ ليس فقط للبقاء على قيد الحياة والوقوف على أقدامهن ومواصلة الحياة في سوق العمل، بل أيضاً من أجل الحصول على المساواة. فعندما يتعلق الأمر بالعمل، يميزون بين الجنسين ويقولون هذا عمل الرجل وذاك عمل المرأة. وعلى الرغم من العمل والجهد الكبير الذي تقوم به المرأة إلا أنها تتقاضى أجراً منخفضاً.
بدأت النساء الحياة العملية في مصانع النسيج وتستمر الآن في القطاعات الخدمية. وفي سلسلة الملفات التي أعددناها، سيظهر التطور الثقافي والسياسي للمرأة ومرحلة التغيير في نفس الوقت. في الملف الأول سنشارككم النشاط المنظم للحركة النسائية، والاسم الذي يجب ألا ننساه وهو أوليمب دي غوجOlympe De Gouges ، كما سنشارككم في هذا الجزء مقاومة "فتيات المصانع".
لا يمكننا التعامل مع الرجل كمكون اجتماعي جنساني فقط، بل يمكننا تعريفه على نطاق أوسع على أنه صانع موقف ذاتي ومنهجي. فبسبب الاضطرابات الاجتماعية، يقوم الرجل الذي يعتقد بأنه يفقد هيمنته؛ بممارسة العنف على المرأة ليكسب الشعور الذي يعيد إليه هيمنته وسيطرته مرة أخرى وهذا ليس وضعاً جديداً. ففي جميع المراحل الاجتماعية أظهر الرجال أنهم لم يتخلوا ولن يتوقفوا عن العنف ابداً.
بسبب ذلك العنف الذي ذُكر في وثيقة حقوق المرأة تم الحكم على أوليمب دي غوج بالإعدام في عام 1793. أما في عام 1834 فكانت النساء العاملات في مصنع لويل للغزل والنسيج يلقين حتفهن بسبب تعرضهن للغبار والوبر المتطاير من القطن دون وسائل واقية وهن في ريعان شبابهن. وفي نيويورك في عام 1857 فقدت العاملات في مصنع النسيج حياتهن حرقاً بسبب اندلاع حريق في المصنع. وفي القرن العشرين أيضاً اندلع حريق في مصنع تريانجل في الولايات المتحدة الأمريكية أودى بحياة أكثر من 140 عاملة نسيج بسبب الاختناق بالدخان الناجم عن الحريق. وفي عام 2005 توفيت النساء العاملات خلال المناوبة الليلة في شركة Tekstîla Ozay في بورصة بشكلٍ مأساوي بعد أن حُبسن في حريق اندلع في المصنع حيث كانت الأبواب مقفلة ولم تتمكن من الهرب. لم يعلم أحد أو ينتبه لحرقهن ومقتلهن. فقط كنا نسمع عن تلك النساء اللواتي قُتلن في جرائم العمل من أخبار الصحف. لذا حاولنا تقديم سلسلة من الملفات حول مقاومة المرأة في مواجهة المجازر ونضالها من أجل تحقيق بعض المكاسب.
نضال المرأة لأول مرة
أحدث التغيير الاجتماعي اختلافاً في وضع المرأة. حيث بدأ نضال المرأة من أجل الحرية بالخروج ومغادرة المنزل والدخول إلى السوق. يمكننا القول إن تقدماً كبيراً قد حدث في مقاومة المرأة خلال هذه الأوقات.
كان أول عمل تنظيمي للنساء هو تقديم دعوى (التماس) إلى برلمان المجتمع الدولي ضد البابوية في عام 1642. فخرجت النساء ضد الرجال المتدينين وأرادوا أن يكونوا في نفس الشروط والأحكام مع الرجال في الدين.
أيضاً تم تقديم الدعوى الثانية في عام 1647 من قبل الخادمات. في هذه الدعوى ومن خلال الفعالية التي قمن بها بينت الخادمات أنهن يتعرضن للضغوطات في المنازل التي يعملن بها واعترضن على ساعات العمل الطويلة.
في العام نفسه انطلقت فعالية كتابة دعوى للإفراج عن امرأة سجينة كانت تدعى ليلبورن. حيث قالت النساء هل نظل صامتات ونبقى في المنزل؟ في ذلك الوقت احتل أسلوب هذه الفعالية الذي كان يهدف إلى لفت الانتباه إلى الدعوى مكانة مهمة. لقد لعب ظهور هذا النمط دوراً مهماً في تنظيم النساء.
أوليمب دي غوج اسم يجب ألا ننساه
في العديد من البلدان لا يكفل القانون حقوق المرأة في المساواة في الحياة. أعلنت كومونة باريس (أو الثورة الفرنسية الرابعة) التي لها تاريخ خاص، حكمها بقوانينها المتخلفة على كامل فرنسا الدولة الأكثر تقدماً في العالم. فلم يكن للمرأة المتزوجة أي حق في الممتلكات. وكانت الوصاية على الأطفال تعود للآباء، والإجهاض ممنوع، وكانت النساء العاملات يتقاضين أجوراً أقل من أجور الرجال الذين يقومون بنفس العمل، كما أن توظيف النساء كان مرتبطاً بموافقة الرجال.
مع بدء الثورة وتأسيس المجلس الوطني الفرنسي الذي يشكل أساس حقوق الإنسان، تم الإعلان عن نص بيان حقوق الإنسان العالمي وبيان حقوق الشعوب. ولكن أوليمب دي غوج قالت إن الكلمات التي وردت في النص تخص الرجال فقط. فنشرت في عام 1791 بياناً عن حقوق المرأة تحت عنوان "المرأة وحقوق النساء في المواطنة" لأول مرة في تاريخ البشرية، حيث انتقد البيان الحماية الاجتماعية لعدم المساواة بين الذكور والإناث وتهميش الثورة الفرنسية للنساء. لهذا السبب كانت أوليمب دي غوج أول امرأة تبدأ بالنضال من أجل حقوق المرأة وتدخل صفحات التاريخ كامرأة لن يُنسى اسها أبداً. لكن مع الأسف حُكم عليها بالإعدام في عام 1793 لأنها ذكرت في بيان حقوق المرأة أن الثورة الفرنسية يجب أن تصبح نسوية.
عندما يحقق المرء في تاريخ العالم، يتضح أنه تم تجاهل فكرة وجود المرأة ورغباتها على الدوام، ولم تؤخذ رغباتها بعين الاعتبار. ولكن مع الحركة النسوية ولأول مرة أظهرت النساء وعياً اجتماعياً واحتجاجاً شديداً ضد المخالفات والأخطاء المنهجية.
ناضلت أوليمب دي غوج طوال حياتها من أجل إلغاء عقوبة الإعدام وإنشاء هيئات محلفين عامة في المحاكم وتحرير العبيد من الحكم الفرنسي والاعتراف باليتامى وحضانة الأطفال والمساواة في الدخل ومحاربة الفقر.
نضال فتيات المصانع في لويل صنع التاريخ
في عام 1834 كافحت النساء العاملات في مصنع لويل للقطن في ماسا تشوستس (المعروفات باسم Mill Girls) ضد تخفيض الأجور. واستمر هذا النضال في السنوات التالية أيضاً مؤدياً لموجة من النشاطات والفعاليات. فقد كانت ظروف عمل الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 12 إلى 30 سنة في المصانع مفجعة. ولم يكن يرين أشعة الشمس لأنهن يعملن لساعات طويلة. (كما هو الحال اليوم، فأولئك الذين يعملون لمدة اثنتي عشرة ساعة في اليوم بأجور منخفضة وأولئك الذين يعملون في AVM لا يرون الشمس وحتى أنهم لا يشعرون بالرياح).
كانت فتيات المصانع يعملن في القطن ويتعرضن للغبار المتطاير منه، فيمرضن ويفارقن الحياة في سن مبكرة. كما كانت النساء اللواتي يعملن في المصانع ثلاثاً وسبعين ساعة في الأسبوع يعشن في المساكن الداخلية التي يستأجرنها بالقرب من المصانع. ويُمنع عليهن التجوال والخروج من تلك المساكن بعد الساعة العاشرة مساءً. وبصرف النظر عن هذا كانت هناك شروط معينة تفرض على المرأة باسم الدين والأخلاق.
ذُكر في كُتيب مصنع لويل أن عدم مشاركة المرأة في العبادة هناك، سيعتبر عملاً غير أخلاقياً كما ستعتبر تلك المرأة عديمة أخلاق ولن يتم تشغيلها.
قررت النساء العاملات إقامة فعالية والاحتجاج عندما قام أصحاب العمل بخفض أجورهن بنسبة 15٪ لكن لم ينجح هذا النشاط بسبب افتقارهن إلى الخبرة والتنظيم. واضطرت العديد من تلك العاملات إلى العودة إلى العمل مقابل أجور منخفضة.
المطالبة بالعمل المشترك والمساواة في الأجور في جميع أنحاء البلاد
خارج إطار تجربة هذه الفعالية، وفي عام 1836 تمت المطالبة بزيادة أجور العمال وإقامة فعالية أخرى ضد مصنع لويل، ليصبح بذلك مسرحاً للفعالية تنطلق منه العاملات للاحتجاج واتخاذ الإجراءات. هذه المرة تكللت الفعالية بالنجاح وأسفرت عن زيادة في أجور العمال وتراجع أصحاب العمل. وفي عام 1845 وبعد سلسلة من الاحتجاجات والفعاليات، اجتمع العديد من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية وأنشأت العاملات أول اتحاد نسائي باسم اتحاد نساء لويل لإصلاح العمل (The Lowell Female Labor Reform Association, LFLRA).
أصبح نضال فتيات المصانع والنساء العاملات في أمريكا نقطة تحول ومصدر إلهام لجميع العاملين الذكور والإناث في أمريكا. وانتشرت رغبة النساء العاملات بالعمل المشترك والمساواة في الأجور في جميع البلدان.
غداًـ تاريخ الثامن من آذار: من المجازر إلى البحث عن الحقوق