في الثورة الكوبية... روح النساء الطليعيات (1)
كانت تحضيرات الثورة قد أنجزت بانتظار الأول من كانون الثاني/يناير 1959. في تمام الساعة الـ 9 صباحاً أذيع بيان الثورة في إذاعة جيش انتفاضة كوبا. واستهل بيان الثورة بالقول "نعم للثورة، لا للاحتلال" وبعد إذاعة البيان تم دعوة جميع الثوار إلى الالتزام بواجبات الثورة
'نعم للثورة، لا للاحتلال'
مركز الأخبار -.
تمتاز ثورة كوبا من بين ثورات القرن العشرين بأنها ثورة ذات أبعاد متنوعة ولها خصوصيتها المميزة. ومن الثوار الذين قادوا طليعة الثورة ووضعوا بصماتهم المميزة على تاريخ الشعوب عبر نضالهم الدؤوب والمتواصل، كل من هايدي سانتاماريا كوادرادو، سيليا سانشيز، فيلما إسبين، أليدا مارش، لياديا، كلودومريا، تيتا بيبلو، نيرما كارتون، تانيا تامارا بونك بيدر والعديد من الأسماء الأخرى، هؤلاء الأشخاص تحولوا إلى إرث اجتماعي في إطلاق ثورة الشباب عام 1968 وأدوا دوراً مهماً ومؤثراً في الثورة.
وأسفرت جهود الثوار عن انتشار وتمدد الاشتراكية المشيدة، كما أنها أبقت الثورة الكوبية حية وقائمة حتى يومنا الراهن. وبشكل خاص فيما يتعلق بقدرتهم وسعيهم الدؤوب على رؤية القضايا والمشاكل وإبداء القدرة على حلها، مما فتح الأبواب أمام تمدد الثورة في أمريكا اللاتينية وفي سائر أنحاء العالم. روحهم الثورية اتسمت بالروح المعنوية والشجاعة والتفاني. هذه الخصال التي امتازت بها الثورة ألقت بتأثيرها على جميع شرائح المجتمع وبشكل خاص على الشباب. مواقفهم الإنسانية كانت كفيلة بالتأثير حتى على مناهضيهم. الحالة الثورية الكوبية سعت على الدوام لتمثيل وتجسيد مبادئ الاشتراكية والدفاع عنها في مواجهة المواقف السياسية المتزمتة للاشتراكية المشيدة. ومن الجوانب المهمة أيضاً سعيهم الدؤوب من أجل تطوير (الكريلا). وفي هذا المجال فإن مساعيهم وجهودهم تحتل المرتبة الأولى في تطور الحركات الشبابية عام 1968، والسعي وراء الاشتراكية. انتصار الثورة الكوبية، غرس في المجتمع خصال الشجاعة والتفاني التي امتازت بها هذه الشخصيات الثورية، وكذلك فإن سعيهم المتواصل في ترسيخ حياة (الكريلا)، وبشكل خاص سعيهم المبدئي والمتواصل خلف مبادئ الاشتراكية، كانت بمثابة مصدر إلهام لجميع الثوار.
وقبل الحديث عن الثورة الكوبية، يمكننا الحديث عن ريادة المرأة في الثورة. في جميع المقاطع المصورة عن كوبا نجد دائماً صورة النساء في النوادي والمطاعم، أي في أماكن الرقص واللهو. ولا يمكن إيجاد المرأة في أي مكان يعبر عن ريادة وطليعة المجتمع. يتم إظهارها كأداة للرجل. ولكن عندما يتم الحديث عن تنظيم المجتمع الحر والمساواة، فإن النساء تجدن سبيلاً لمناقشة الحرية. قبل الثورة لم يكن هناك تنظيم للمرأة. كانت هناك مشاركات فردية للنساء في صفوف الثورة. منذ انطلاق الثورة وحتى بعد الثورة أخذت نساء كوبا الثوريات مهام كبيرة وعظيمة على عاتقهن، وكان لهن تأثير إيجابي كبير على الثورة الكوبية. السبيل الذي اختارته النساء الثوريات ساهم في تغيير القيم والأعراف الاجتماعية بشكل كبير. انتصرن في نضالهن، وبشكل خاص فيما يتعلق بالنظرة إلى المرأة فإنهن تمكن من إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع. شاركت النساء في ميادين الحماية الاجتماعية، والنشاطات الاجتماعية والسياسية، كما عملن في مختلف المهن والأعمال. نضال المرأة الكوبية لم يؤثر إيجابيا على المجتمع الكوبي فقط، بل أصبحن نموذجاً يحتذى به لنساء العالم.
تسلط الحكومة الموجودة أدى إلى انتفاضة الشعب، فلماذا انتفض الشعب، أي لماذا انطلقت الثورة؟ انتشار البطالة، وقتل 20 ألف شخص، والأزمة الاقتصادية، وتصاعد قمع نظام الرئيس الكوبي فولغينسيو باتيستا، كل هذه الأمور مجتمعة فاقت تحمل المجتمع أدت إلى نهوض الشعب. قبل عام 1958 كان عدد سكان كوبا يبلغ نحو 6.5 مليون نسمة. ربع سكان البلاد كان عاطلاً عن العمل، كان يتم استيراد المواد الغذائية الرئيسية من خارج البلاد بأسعار باهظة، كما تعمقت الخلافات والتناقضات الاجتماعية. تصاعد القمع السياسي والاقتصادي والجسدي على سكان كوبا، وبشكل خاص في مجال قمع الحريات. وتعرض الشعب للقمع والتنكيل كلما حاول التمرد والتصدي لهذا الوضع. في أعوام الخمسينيات، قتل نحو 20 ألف شخص على يد نظام باتيستا، وبسبب مواقفها ضد الشعب تمت إقالة الحكومة عدة مرات، ولكن دون أن يسفر ذلك عن أي نتيجة. لأن الأوضاع كانت تتطلب تغييرات جذرية.
في عام 1958 كانت الحكومة في يد نظام باتيستا. وكانت البلاد تستعد للاحتفال بأعياد رأس السنة. كان قوام الجيش الكوبي يبلغ 150 ألف جندي، وكانت حكومة باتيستا واثقة من جيشها وتعتمد عليه. وكانت جبهتين في مدينة سانتا كلارا تشهد معارك عنيفة. كان يتم حماية العاصمة ومحطات القطار في سانتا كلارا. كان باتيستا يثق بشكل كبير بجيشه والقوات الرديفة له. وفي نفس الوقت كان الثوار أيضاً يكملون استعداداتهم.
في الأول من كانون الثاني/يناير إذاعة نداء الثورة
في صبيحة الأول من شهر كانون الثاني/يناير 1959 كانت الإذاعة الكوبية تتحدث عن اجتماعات جنرالات الجيش الكوبي. كان من المقرر أن يعقد الاجتماع في قاعدة كولومبيا العسكرية. وكانت إحدى الإذاعات الأخرى تتحدث عن تغيير قيادات الجيش الكوبي. وفي نفس اللحظة كان هناك خبر يتحدث عن تغيير رئيس البلاد. من الواضح أن هناك بعض المشاكل داخل الحكومة. في مقر قيادة الانتفاضة الكوبية في أمريكا الوسطى كان فيدل كاسترو يتابع عن كثب الأوضاع في كوبا منذ الـ 19 من شهر كانون الأول/ديسمبر 1958، ورأى أنه الوقت المناسب لبدء الهجوم على الجيش الكوبي، وأصدر على الفور الأوامر ببدء هجوم سانتياغو. كان على القياديين تشي غيفارا وكاميلو سيينفيغوس السير نحو هافانا.
"نعم للثورة، لا للاحتلال"
خلال أقل من عشر دقائق أعد كل من فيدل كاسترو وسيليا سانشيز صياغة بيان الثورة الكوبية. وفي صبيحة يوم الأول من كانون الثاني/يناير 1959، وفي تمام الساعة التاسعة تم إذاعة نبأ انطلاق الثورة الكوبية في إذاعة جيش الانتفاضة الكوبي. واستهل البيان بعبارة "نعم للثورة، لا للاحتلال" وأضاف ما يلي:
"الواضح أن هناك احتلال للعاصمة، جيش الانتفاضة الكوبية لا يعترف بالاحتلال، على جميع قواتنا أن يكونوا يقظين، لا وقف لإطلاق النار. من الواضح أن الباتيست والمجرمين الآخرين يحاولون الفرار من البلاد والذهاب إلى مكان آخر. سنواصل الهجوم إلى حين صدور أوامر أخرى من المقر المركزي، لقد قدمنا تضحيات كبيرة من أجل الثورة، وتم إراقة الكثير من الدماء. الشعب وجيش الانتفاضة لن يسمحا بأن تذهب هذه الجهود الكبيرة سدى. لذلك يجب أن نتحلى بالعزم والتكاتف أكثر من أي وقت مضى".
الدعوى إلى أداء المهام الثورية
بعد قراءة البيان، وعلى أثير نفس الإذاعة تمت الدعوة إلى أداء المهام الثورية، كان عدد عناصر جيش الانتفاضة يبلغ حوالي 3 آلاف شخص. وصدرت الأوامر للجيش بالتقدم والقتال. كما دعا قائد اتحاد الطلبة جوان نويري الشباب للانضمام إلى صفوف الثورة.
وفي نفس الوقت كان راؤول كاسترو ووحدته العسكرية يتقدمون نحو سانتياغو، وكانوا قد شنوا هجوماً على نفس القاعدة، قاعدة مونوكادا، وبنفس الروح الحماسية قبل خمسة أعوام، ولكنهم لم ينجحوا وقتها. ولكن التحضيرات هذه المرة كانت جيدة، وقد كانت المرة الأخيرة.
غداً: انتصارات الثورة وتأسيس فيلق ماريانا غراجاليس للنساء