المرأة العراقية... بصمة وتأثير في مختلف الحضارات والأزمنة (9)
لكل دين أو مذهب قوانين خاصة به، الديانات التوحيدية أفردت جزءاً كبيراً حول المرأة، حقوقها وواجباتها، والعقوبات التي تنتظرها في حال خالفت هذه التشريعات، لكن المجتمع صاحب التأثير الكبير على حياة المرأة كان صاحب الكلمة الفصل من خلال الالتفاف على التشريعات السماوية ومنها هضم حق المرأة في الميراث مثلاً أو تعدد الزوجات لغير هدف والطلاق التعسفي وإلى ما هنالك
حقوق المرأة... قوانين وتشريعات (2)
سناء العلي
مركز الأخبار ـ .
الإسلام وتشعباته/الخلافة الإسلامية
الإسلام وهو الدين الأكثر تأثيراً من بين مختلف الديانات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً العراق، ليس له وجه واحد في طريقة التعاطي مع حقوق المرأة والتشريعات الخاصة بها.
عند دخول الجيوش العربية إلى العراق أواسط القرن السابع الميلادي كان الفرس الساسانيون مسيطرين على البلاد، وأغلبية السكان معتنقين للديانة المسيحية وهم من (النساطرة) إضافة لأعداد قليلة من اليهود والصابئة والمانوية، مع العلم أن غالبية هؤلاء تحولوا للإسلام.
في الخلافتين الراشدية (637ـ 661م) والأموية التي دامت حوالي 80 عاماً فقط تمتعت النساء بذات الحقوق التي منحها الإسلام بشكل عام للمرأة في مختلف المناطق التي توسع فيها، حق الحياة، تقييد الطلاق والزواج، تحديد نصف الميراث وغيرها من التشريعات المعروفة في الشريعة الإسلامية، وبعد سيطرة العباسيين على الحكم وإعلان الخلافة (750ـ 846م) منحت المرأة حق العمل في مختلف المجالات ومنها المجال السياسي.
قليل من يعرف بأن الفضل في تأسيس الدولة العباسية يعود لامرأة وهي أم سلمة بنت يعقوب المخزومية زوجة الخليفة العباس. حاولت كُتب التاريخ طمس هذا الإنجاز النسائي الكبير لكن المؤرخ المسعودي والذي عاش في العصر العباسي أشار في كتابه "مروج الذهب" لهذه الحقيقة، هؤلاء المؤرخين حاولوا اغفال دورها في حقن دماء المسلمين لولا بعض الكتابات التاريخية التي نقلت عنها منع الخليفة ـ وكانت شديدة التأثير عليه ـ من سفك الدماء خلال نزاعه مع الأمويين والعلويين، ووصفت بأنها "من حازمات النساء ومن صانعات الرجال".
من النساء اللواتي لهن مكانة عند بني العباس "زينب بنت سليمان الهاشمية"، شاركت في السياسة عن طريق تقديم المشورة، كما كان لها دور بارز في فترة الصراع بين الأمويين والعباسيين، عرف عنها الدفاع عن المظلومين وإغاثة الملهوف.
تحول المجتمع في العصر العباسي إلى أكبر التجمعات التي تحوي عبيد وجواري، منهن من استطعن تسلق السلم الاجتماعي بعد عتقهن نذكر "الخيزران" أم الخليفة هارون الرشيد كمثال على ذلك.
النساء لم يمنعن من طرق أبواب الشعر والأدب والعلم، من جهة أخرى لم تمنع الدولة العباسية استغلالهن جنسياً وجسدياً فكن يبعن ويستخدمن للعمل في بيوت الدعارة.
وشاركت النساء في السياسة، ففي عهد الخليفة المنصور (714ـ775م) عملت النساء في جمع الأخبار عن الأعداء، ونقلن أحوال الشعب إلى الخليفة.
النساء عملن في القضاء أيضاً ومنهن شغب أم الخليفة المقتدر العباسي التي ترأست محكمة الاستئناف في بغداد فهي تُعد أول امرأة تستلم القضاء في تاريخ الإسلام، إضافة لعملها في تسيير شؤون البلاد كون الخليفة كان صغيراً عند استلامه للحكم.
مارست زبيدة بنت جعفر زوجة الخليفة هارون الرشيد السياسة أيضاً. كما نقلت النساء البريد للخليفة.
تحول العراق إلى حكم الدولة الأموية بعد اغتيال الخليفة علي بن أبي طالب عام 661م وتولي معاوية بن أبي سفيان لمقاليد الحكم. ثم ما لبث أن عاد الحكم للدولة العباسية الثانية عام 847م، ويعرف هذا العصر بتعاظم دور النساء بشكل كبير في مجال السياسة.
خلال عهد الدولة الأموية حافظت النساء على مكانتهن، وكلمتهن في السياسة، فلم توجد تغييرات كبيرة في أوضاعهن، حافظن على نظم الشعر واستمر عمل الجاريات بالغناء، كما حافظن على الدور السياسي من وراء الستار من خلال تقديم المشورة.
خلال عهد عبد الله المأمون سابع خليفة عباسي عادت النساء للعمل في نقل أخبار الشعب، المأمون وكما تنقل لنا كُتب التاريخ اعتمد بشكل كبير على العنصر النسائي في تسيير أعماله، فخلال نزاعه مع شقيقه الأمين وتعرف تلك الحادثة بالفتنة الرابعة أو الحرب الأهلية العباسية الكبرى (809ـ 813م) كان يرسل بريده مع النساء، ووظفهن لنقل أخبار العامة من الشعب والتقصي عن أحوالهم، وكان يعتمد في ذلك على النساء الكبيرات في السن بشكل أساسي.
النساء اللواتي عشن في البادية لم يحصلن على ذات الحقوق ولعل وضع النساء الريفيات اليوم امتداد لما عاشته نساء الريف والبادية قديماً، فرغم كل الحقوق التي امتلكتها نساء المدينة لم تحظى هؤلاء إلا بقدر قليل منها.
في العصر العباسي الثالث ورغم تراجع دور النساء السياسي؛ جراء فقدان الخلفاء لسلطاتهم، إضافة للحروب التي خاضتها الدولة التي حطت من دور المرأة ومكانتها، إلا أن دورهن برز في الاعمال الإنسانية والصحية، فالخيزران والدة الخليفة هارون الرشيد انفقت أموالاً طائلة على الأعمال الخيرية، ولها بيت في مكة يحمل اسمها خُصص لأعمال الخير.
زبيدة وهي زوجة هارون الرشيد قدمت المساعدات للفقراء، وكانت تساند زوجها في ذلك، عندما ذهبت للحج في مكة ورأت بأم العين معاناة الحجاج للحصول على مياه الشُرب أقامت البرك والآبار في الحجاز، وجرّت مياه عين حُنين إلى مكة.
أما في الحياة العامة فقد عملت النساء في المهن التي تخص النساء مثل مزينات وقابلات وغيرها، وكذلك في الغزل والخياطة، والحجامة للنساء طبعاً. النساء اللواتي امتلكن ثقافة أكبر عملن في الخط والكتابة وأغلب هؤلاء كن من الجواري.
لم يتم التشجيع على تعدد الزوجات في ذلك الوقت مع ذلك كانت تنتشر الجواري والإماء، النساء اللواتي يفقد أزواجهن ويتزوجن مرة ثانية يتعرضن للنبذ من المجتمع على عكس الرجل كما يتعرض أبنائهن للسخرية.
خلال عهد المماليك والذي استمر حكمهم في العراق منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى الربع الأول من القرن التاسع عشر لم يختلف وضع المرأة كثيراً.
أما خلال الاحتلال العثماني للبلاد فإن حقوق النساء شهدت تردياً كبيراً، استمرت سيطرة العثمانيين فيما يسمى الخلافة من عام 1532 حتى الحرب العالمية الأولى عام 1918، في تلك الفترة كانت الرجعية تضرب بالبلاد بشدة على مختلف الأصعدة والمجالات وليس فقط أوضاع النساء. في القرن الثامن عشر وصلت الأمية بين الناس لأكثر من 95 بالمئة.
ما بقي من ذكريات تلك الفترة هو ما كتبته ماريا تيريزا أسمر (1804ـ1854م) صاحبة أول مذكرات في منطقة الشرق الأوسط عنونتها بـ "مذكرات أميرة بابلية"، وتعد وثيقة تاريخية لحقبة لم يكتب عنها الكثير ولم توثق فيها أوضاع النساء بشكل وافٍ، وتعد الكاتبة أول امرأة عراقية ومن المنطقة العربية تنشر مذكراتها وتكتب تاريخ بلادها.
في مذكراتها كشفت ماريا أسمر عن التعصب القبلي الذي حكم الشعب العراقي في ذلك الوقت خاصة تلك الموروثات الاجتماعية عند البدو والحضر وأهل الريف أيضاً في زمن الاحتلال العثماني للبلاد. فردت صفحات للحديث عن أوضاع النساء كما أنها تغنت بأسماء نساء كان لهن وزناً في التاريخ أمثال سميراميس. تقول "إن المرأة تعامل كجارية مملوكة" وعلى ذلك طالبت بتغيير هذا الوضع وتأسيس مدرسة خاصة للفتيات. وعالجت مشاكل مجتمعها الذي تقسمه الطائفية، وتحدثت عن ممارسات الاحتلال العثماني بحق عائلتها كونها مسيحية.
قوانين الأحوال الشخصية ما بعد الفترة الملكية
لا تتوقف مطالب النساء لتحقيق المساواة العادلة والشاملة بين الجنسين عند حد، حتى السياسية منها والتي ما تزال إلى اليوم محتكرة من قبل الرجال باعتبار أن النساء غير قادرات على الإدارة وتحمل المسؤولية الوطنية. وقد خصصنا جزءاً عن المشاركة السياسية للمرأة. أما في هذا الجزء سنفند قوانين الأحوال الشخصية في العصر الحديث.
قانون رقم 188 انتصار للمرأة العراقية
بعد تأسيس المملكة العراقية عام 1921 من قبل بريطانيا والتي استمرت حتى ثورة 14 تموز/يوليو 1958، صدر قانون أحوال شخصية تشرف عليه محاكم شرعية قبل أن يتغير اسمها لمحاكم الأحوال الشخصية، اعتمدت تلك القوانين على التشريعات الإسلامية منقسمة إلى سُنية وجعفرية لأصحاب المذهب الشيعي.
لكن القانون رقم 188 لعام 1959 والذي ساهمت رابطة حقوق المرأة في تشريعه قبل تحول اسمها إلى رابطة المرأة العراقية، يعد من أكثر الدساتير انصافاً للمرأة، تضمن القانون منع كافة أشكال الزواج التي لا تَضمَن حقوق المرأة كاملة منها الزواج خارج المحكمة، وزواج القاصرات حيث سن تشريعاً يقضي بوجوب بلوغ الزوجين 18عاماً، وسَمح بالتفريق حال ثبت عكس ذلك.
وكذلك الزواج بالإكراه ومعاقبة من يقوم عليه، والزواج عن طريق بعض العادات العشائرية ومنها زواج النهوة (زواج خارج العشيرة) وتجريمه أيضاً، وجواز التفريق في حال ارتكاب الخيانة الزوجية من أحد الطرفين، وأولوية حضانة الأطفال للأم في حال الطلاق، كما ويحق لها طلب الطلاق حال تزوج بأخرى دون موافقتها.
على عكس ذلك النساء الريفيات كنَّ ضحية لقانون نظام دعاوى العشائر والذي عُمل به منذ عام 1924 وحتى نهاية العهد الملكي، ويقضي بالسماح لشيوخ العشائر بحل النزاعات على أساس التقاليد السائدة، هذا القانون وإضافة لكونه قسم البلاد فإنه ظَلم النساء الريفيات وشجع على ازدياد جرائم الشرف ومختلف أشكال العنف ضد المرأة.
كذلك لم يمنع قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 الأحكام الخاصة ببيت الطاعة، فالمادة 25 منه تبيح للزوج عدم دفع النفقة إذا تركت الزوجة بيت الزوجية دون أذنه.
في تعديلات القانون السابق والقوانين اللاحقة لم يتغير وضع النساء كثيراً.
المرأة ضحية الطائفية
تعاني المرأة العراقية اليوم من تشريعات ذات طابع طائفي مذهبي يخدم مصالح الطائفية التي تنهش في البلاد منذ سنوات، وزادت حدتها بعد انهيار البلاد عقب الاحتلال الأمريكي مطلع القرن الواحد والعشرين.
بلغت ذروته في المادة 41 التي تنص على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون".
في عام 2017 حاولت بعض الأوساط السياسية تمرير قانون أحوال شخصية يسمح بتزويج القاصرات بعمر 9 سنوات، ومجلس النواب صوت من حيث المبدأ على مشروع التعديل، لكنه واجه معارضة كبيرة من الأوساط الاجتماعية.
يحظر الدستور العراقي كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة لكنه يعطي الحق للزوج في "تأديب" الزوجة والأبناء من خلال المادة 41، كما وينص قانون العقوبات على عقوبات مخففة للجرائم المرتكبة تحت مسمى الشرف.
قانون العنف الأسري في إقليم كردستان نقلة نوعية في حقوق المرأة
يقيد القانون تعدد الزوجات حيث ينص على أنه "لا يجوز الزواج بأكثر من واحدة إلا بإذن القاضي"، ويشترط لإعطاء الإذن موافقة الزوجة الأولى، والمرض المزمن الذي لا يرجى منه شفاء أو عقم الزوجة، مع التأكيد على القدرة المالية لإعالة أسرتين والتعهد بتحقيق العدل بين الزوجتين. للالتفاف على القانون يلجأ الرجال إلى إبرام عقود الزواج في مناطق خارج إقليم كردستان.
قانون العنف الأسري يمنح الحق للمُعَنَف أو من يقوم مقامه قانونياً أو العاملين في مجال الصحة ومختلف المجالات الرسمية بالتقدم بشكوى، لكن عندما يكون العنف ممارس من قبل أحد أفراد العائلة فإن المُعنَفة لا تجرؤ على تقديم الشكوى.
ويجرم قانون العنف الأسري العنف بكافة أشكاله حيث نص على حظر ارتكاب أي شخص يرتبط بعلاقة أسرية لأي شكل من أشكال العنف داخل الأسرة منها الضرب والإكراه على الزواج وتزويج القاصرات، ومختلف أنواع الزواج المنتشر في البلاد مثل زواج الدية والختان، وإجبار الزوجة على ممارسة البغاء، إجبار المرأة أو أحد أفراد الأسرة على ترك العمل، الإجهاض، الإهانة.