المرأة العراقية... بصمة وتأثير في مختلف الحضارات والأزمنة (6)

ارتبط الحراك النسوي الكردي بالحراك النسوي العراقي بشكل كبير حيث اشتركت العديد من النساء الكرديات في حركة تحرير المرأة العراقية

الحراك النسوي في إقليم كردستان

مركز الأخبار ـ ، فالحقوق السياسية وحقوق العمل والتعليم اعطيت للنساء بشكل عام حتى إنشاء الإقليم عام 1970 وهنا بدأ بصياغة قوانين خاصة به.
تعاني المرأة الكردية والعربية على حد سواء من تعدد الزوجات وجرائم الشرف التي ما تزال منتشرة إلى اليوم في الإقليم وكذلك عمليات تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات وغيرها الكثير من الممارسات التي تستهدف المرأة. 
في المجتمع الكردي لا يوجد تاريخ لارتداء النقاب بين النساء لا قديماً ولا حديثاً على عكس المجتمع العربي الذي فرض على المرأة ارتداء النقاب وعدم مخالطة الرجال.
 
بدايات الحراك النسوي الكردي 
في عام 1930 تأسست "جمعية نساء الكورد" كأول جمعية تدافع عن النساء في بدايات القرن الماضي، وأشرف على تأسيسها حفصة خان النقيب (1891ـ1953) التي ساهمت في نشر التعليم بين النساء الكُرديات.
كما ارتبط الحراك النسوي الكردي والعربي في العراق قبل حصول الإقليم على الحكم الذاتي، حيث ساهمت آسيا توفيق وهبي وهي كاتبة ومؤلفة وإحدى رائدات الحراك النسوي العراقي في تأسيس الاتحاد النسائي العراقي، وترأست تحرير مجلة الاتحاد النسائي في عام 1949.
في عام 1953 أسست أول مجلة خاصة بالنساء في المنطقة الكردية وعدت أول مظاهر النشاط النسوي في إقليم كردستان، حملت المجلة اسم "دنكي جينان" وتعني صوت المرأة بالعربية. 
شاركت النساء الكرديات في الجمعيات النسوية التي انتشرت في العراق منها رابطة المرأة العراقية التي تأسست عام 1942 باسم "عصبة مكافحة النازية والفاشية"، وشاركت الرابطة بانتفاضة فلاحي "ره زهكي" في إقليم كردستان.
وقفت المرأة الكردية إلى جانب المرأة العربية في ثورة تموز/يوليو 1958 وشاركن في العملية السياسية التي أعقبت انتصار الثورة كما شاركن في مختلف المجالات الرياضية والاقتصادية والفنية وغيرها.
عمل اتحاد النساء الكردي مع المؤسسات النسوية الموجودة في العراق ومنها رابطة المرأة العراقية على إصلاح القانون المدني وصياغة قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 والذي عُد الأفضل في تاريخ العراق، هذا القانون حمل الرقم 188 وأبرز بنوده تجريم زواج القاصرات والزواج بالإكراه، وما يعرف بزواج النهوة الذي يمنع الفتاة من الزواج برجل خارج العشيرة ويبيح قتلها في حال رفضت، واعتباره جريمة يعاقب عليها القانون.
تم تعيين عدة نساء كرديات في مناصب هامة حيث تم تعيين زكية اسماعيل في عام 1959 كأول قاضية في البلاد، كما أنها أصبحت أول رئيسة لاتحاد نساء كردستان العراق عام 1975. كما مثلت الدكتورة سميرة بابان العراق من خلال مشاركتها في مؤتمر الاتحاد النسائي العالمي لنزع السلاح في السويد والذي عقد في مدينة كوتنيرك عام 1960.
 
حكومة الإقليم تدعم قضايا المرأة
بعد إنشاء حكومة إقليم كردستان تمكنت النساء من تشكيل منظمات خاصة بهن. من بين الحقوقيات اللواتي دعمن قضية المساواة بين الجنسين الحقوقية وداد عقراوي التي شاركت في تأسيس فريق عمل نسائي إقليمي ونظمت برامج لتعزيز مشاركة المرأة في بناء السلام.
كذلك تقلدت العديد من النساء مناصب مرموقة في مجلس الوزراء والحكومة، ففي عام 1999 شغلت نسرين برواري منصب وزير التطوير والإعمار في إقليم كردستان، كما تم تعيينها في مجلس الوزراء المؤقت عام 2003 كوزيرة للبلديات والأشغال العامة. وفي عام 2004 تم تعيين ست نساء من بين 30 عضواً في الحكومة الانتقالية.
منذ عام 1991 بدأ تشكيل المنظمات النسوية التي استطاعت إدخال قوانين داعمة للمرأة، وتطبيق العديد من التشريعات لمكافحة ظاهرة تعنيف المرأة المتمثلة في الزواج القسري وزواج القاصرات وجرائم الشرف وغيرها من الممارسات المنتشرة في المنطقة، ففي عام 2003 أدخلت قوانين لمكافحة جرائم الشرف وتعدد الزوجات. 
وكذلك تشجعت النساء للانخراط في مجالات العمل المختلفة ومن بينها المجال السياسي الذي يحتكره الرجال وكذلك المجال العسكري، ففي عام 2004 تم تشكيل الكوتا النسائية بنسبة 25 بالمئة ثم أصبحت 30 بالمئة عام 2009، وفي عام 2015 تم إنشاء وحدة خاصة للنساء في البيشمركة تقاتل في الصفوف الأمامية. 
 
نشاطات نسوية مناهضة للعنف ضد المرأة 
منذ عام 2004 تجاوز عدد المؤسسات النسائية في العراق 2400 منظمة ومؤسسة كان نسبتها في إقليم كردستان 24 بالمئة. 
من بين المنظمات الفاعلة "منظمة حرية المرأة" أنشأتها الناشطة النسوية ينار محمد مع مجموعة من الناشطين والناشطات عام 2003 وطالبت منذ إنشائها بالمساواة الكاملة بين الجنسين، وتنحدر هذه المنظمة من المنظمة المستقلة لنساء كردستان العراق التي كانت قد تأسست عام 1992. 
حاربت المنظمات النسوية العديد من الظواهر المنتشرة في الإقليم وعلى رأسها العنف بكافة أشكاله، فحتى اليوم ما تزال أعداد النساء اللواتي يتعرضن للعنف مرتفعة جداً، تجبر الفتيات على أجراء عملية الختان، ففي عام 2014 تعرضت 58.5 بالمئة من الفتيات في الإقليم لعمليات الختان، وفي عام 2019 انخفضت النسبة إلى 37.5 بالمئة، فظاهرة الختان التي كانت قد انحسرت في سبعينات القرن الماضي عادت وبقوة في السنوات الأخيرة، في البداية حاولت حكومة إقليم كردستان نفي وجود حالات ختان للفتيات لكن تقارير وشهادات نساء أثبتت وجود هذه الظاهرة في المجتمع الكردي وخاصة في الأرياف.
مختلف التنظيمات النسوية صبت اهتمامها على هذه الظاهرة وحاربتها من خلال التوعية بمخاطرها والمطالبة بسن قوانين تجرمها، وهو ما تحقق عام 2011 عندما أقر برلمان كردستان تجريم الممارسة في المادة 6 من قانون العنف الأسري بعد سجال أستمر ستة سنوات، نظراً لحساسية الموضوع كونه مرتبط بتقاليد يصعب القضاء عليها.
في الآونة الأخيرة ازدادت حالات العنف بشكل كبير في ظل الحجر المنزلي بسبب فيروس كورونا "كوفيدـ 19" الذي ظهر أواخر العام 2019 واجتاح دول العالم، لكنه لا يعدو إلا امتداداً لحالات العنف المنتشرة في الإقليم منذ سنوات.
العنف الممارس ضد المرأة لا يتوقف عند ظاهرة الختان بل إن حالات العنف في الإقليم مرتفعة جداً حتى أن أرقام صادمة تصدر في كل عام عن حالات قتل أو انتحار للنساء. قانون العقوبات العراقي الذي يسري على الإقليم أيضاً يجرم الاعتداء الجسدي لكنه لا يحدد العنف الأسري ضمنه إضافة إلى أن المادة 41 تمنح الزوج حق "تأديب" الزوجة وكذلك الوالدين لأبنائهم. كما أنه ينص على عقوبات مخففة في جرائم القتل "بداعي الشرف".
بينت الاحصائية الصادرة عن المديرية العامة لمناهضة العنف الأسري والعنف ضد المرأة في وزارة الداخلية بحكومة إقليم كردستان لعام 2017 تعرض 38 امرأة للقتل، وانتحار 58 امرأة أخرى، من النساء من تعرضن للحرق بلغ عددهن 166 امرأة، ومنهن حرقن أنفسهن وعددهن 95 امرأة، أما الشكاوى التي قُدمت من قبل النساء عن تعرضهن للعنف بلغت 6987 حالة بينما تعرضت 101 امرأة للتحرش الجنسي.
شهد العام 2018 انخفاض طفيفاً في نسبة تعرض النساء للعنف فكانت النتائج كالتالي:
قتلت 37 امرأة، وانتحرت 54 امرأة، واللواتي تعرضن للحرق بلغ عددهن 113 امرأة، واللواتي حرقن أنفسهن 90 امرأة، بينما ارتفعت أرقام الشكاوى لـ 7192، وتعرضت 87 امرأة للتحرش الجنسي.
المديرية العامة نشرت تقريراً عن حالات العنف ضد النساء لعام 2019 وجاء فيه أن 30 امرأة تعرضت للقتل و46 للانتحار، وتم تسجيل أكثر من 8500 دعوى قضائية تتعلق بحوادث تعنيف، إضافة لـ 125 حالة حرق، و81 حالة إحراق للنفس، و93 حالة اعتداء جنسي وتحرش.
المنظمات النسوية ردت على هذه الانتهاكات بأن اشتركت مع حكومة الإقليم لإطلاق حملة لمناهضة العنف ضد المرأة تزامناً مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة والذي يوافق الـ 25 من تشرين الثاني/نوفمبر وهي جزء من حملة 16 يوم العالمية، وطالبت المنظمات النسوية بسن قوانين تحمي المرأة من العنف الأسري.
كما تسعى النسويات والمنظمات النسوية لإنهاء ظاهرة زواج القاصرات المستفحلة في الإقليم رغم أنها غير قانونية، في عام 2015 حدد سن الزواج بعمر 18 عاماً مما أثار ردود فعل مختلفة حول القانون إلا أنه موجود رغم التزام العشائر بعادتها التي تسمح بزواج القاصرات.