يستمر التعليم باللغة الكردية تحت الخيام منذ 29 عاماً

في مخيم مخمور، بدأ تعليم اللغة الكردية تحت الخيام ويستمر منذ 29 عاماً. نظام التعليم الذي نشأه الأهالي في المخيم ساهم في الحفاظ على اللغة الكردية والتحدث بها إلى يومنا هذا رغم محاولات الصهر.

برجين كارا

مخمور ـ وفقاً للحقيقة التاريخية للإنسانية، فإن اللغة ليست فقط عنصراً أساسياً للتواصل بين الناس. اللغة هي الثقافة والهوية وحقيقة المجتمع. أي أن اللغة هي تعريف وجود الهوية الاجتماعية. اللغة هي مهد كل الإبداعات البشرية. وكل أمة تنسج ثقافتها وفنها بلغتها الخاصة.

اللغة بين شعب أو أمة هي الجسر بين الماضي والحاضر. ولكل شعب وأمة لغة خاصة يحمي من خلالها خصائصه ووجوده. الشعب الكردي هو أحد تلك الشعوب القادرة على الدفاع عن وجودها بلغتها الخاصة حتى بعد العديد من هجمات الإبادة الجماعية. تعتبر اللغة الكردية من أقدم اللغات في العالم. وتتعرض مثل العديد من اللغات الأخرى، إلى عمليات إبادة وهجمات صهر منذ سنوات، وتخضع لتأثير اللغات المهيمنة حولها. ولكن على الرغم من العديد من هجمات الصهر، فقد قام الشعب الكردي بحماية لغته بطرق مختلفة.

أحد الأماكن التي تم الحفاظ على اللغة الكردية فيها هو مخيم مخمور للاجئين. إن الأشخاص الذين أجبروا على الهجرة من شمال كردستان إلى إقليم كردستان بسبب اضطهاد الدولة التركية عام 1994، حاولوا دائماً تطوير لغتهم وحمايتها. الأشخاص الذين اضطروا لمواصلة هجرتهم بسبب ضغوط وهجمات الحزب الديمقراطي الكردستاني واصلوا وطوروا أنشطتهم التعليمية في كل مخيم ذهبوا إليه. وفي كل مخيم سكنوا فيه، بدأوا دورات القراءة والكتابة للأطفال حتى لا يظلوا بدون تعليم.

لأول مرة، في عام 1995، تم وضع أساس نظام التعليم باللغة الكردية في الخيام في مخيم أتروش. وبعد انتقالهم إلى مخيم مخمور، حصلوا على إقامة اللجوء في عام 1998 وقاموا ببناء مدارسهم الخاصة وطوروا نظاماً تعليمياً جديداً. منذ عام 1998وحتى الآن، هناك 5 رياض أطفال، 4 مدارس ابتدائية، مدرستان إعداديتان ومدرسة ثانوية واحدة. كان التعليم والتنظيم الذاتي هو الأساس لأهل المخيم. وهناك، بدأت النساء والأطفال والشباب وعامة الناس تعليمهم في مرحلة بناء المجتمع.

عن نظام التعليم القائم في المخيم، قالت المعلمة في أكاديمية الشهيد فرحات كورتاي بمخيم مخمور للاجئين خانتور كارا "مما لا شك فيه أننا عندما ننظر إلى تاريخ الإنسانية والتنشئة الاجتماعية في العصر الحالي، فإن اللغة لها معنى وأهمية مختلفة منذ بداية الإنسانية حتى يومنا هذا. لأن كل أمة وثقافة وهوية تأخذ اسمها من لغتها. اليوم، عندما نعتبر أنفسنا أمة كردية وجغرافيتنا كردستان، فإننا بالتأكيد نعتمد في ذلك على هويتنا ولغتنا".

 

"اللغة تحدد بقاء أو فناء الناس أو المجتمع"

وعبرت خانتور كارا عن أهمية اللغة بالقول "لقد واجهنا كشعب كردي العديد من عصور الإبادة. كانت القوى المسيطرة والمهيمنة دائماً تريد إبعادنا عن هويتنا ولغتنا وصهرنا مع باقي الأمم. وعلى الرغم من تعرضنا للقتل والنهب والتدمير، إلا أننا تمكنا من حماية لغتنا عبر التاريخ. هناك أمم كثيرة محيت أسماؤها من التاريخ، لأنها لم تستطع الاستمرار في لغتها. أردت أن أقول إن معنى اللغة وأهميتها خاصة جداً بالنسبة للمجتمعات. أي أنها تحدد بقاء أو فناء الناس أو المجتمع".

 

"أهل المخيم اتخذوا من تعليم اللغة أساساً لهم في كل الظروف"

وأشارت خانتور كارا إلى أنه على الرغم من الصعوبات التي يواجهها مخيم اللاجئين، إلا أن أهالي المخيم حرصوا دائماً على تعلم لغتهم، "إذا قمنا كمجتمع مخمور بتقييم مدى تطور اللغة الكردية في حياتنا، يجب أن نتحدث عن حياة اللاجئين في السنوات الأولى. وعلى الرغم من قلة الامكانات المتوفرة كانت الخطوة الأولى التي تم اتخاذها في بداية فترة اللجوء إنشاء مؤسسات اللغة والمدارس وتعليم أطفال هذا المخيم باللغة الكردية. ربما لم يكونوا في وضع يسمح لهم في ذلك الوقت بالقول إننا سنبني مدارس ثانوية أو جامعات أو مدارس مهنية. ولكن في ظل تلك الظروف الأكثر صعوبة، يمكن للمرء أن يقول إن تعليم اللغة الكردية هو أعظم خيار للوطنية".

 

"كأهالي مخمور نحن محظوظون لأننا اليوم ندرس بلغتنا"

ولفتت إلى أن دراسة اللغة الكردية في المخيم تحققت مقابل تضحيات كبيرة "اليوم، يمكننا القول إن مبدأ التعليم هو أحد مبادئ الأمة الديمقراطية. كيف يمكننا تربية وتنشئة وتعليم أطفالنا اللغة والثقافة والتاريخ والهوية الكردية. وتنتقل هذه التربية وهذا التعليم الذي يُعطى للأطفال من جيل إلى جيل. أي أنه يتم بناء الأساس. وهذا ما يدركه كل طفل يدرس ويثقف نفسه هنا. اليوم، لا يستطيع الطفل الكردي الدراسة أو التحدث بلغته الأم في تركيا أو في الخارج. كأطفال وأهالي مخمور، نحن محظوظون لأننا ندرس اليوم بلغتنا الأم. وبالطبع، تم تحقيق ذلك من خلال جهود وتضحيات كبيرة. ويمكن القول إنه تم تحقيقه بفضل جهود أطفال هذا المخيم الذين ولدوا في مخيم اللاجئين ووصلوا إلى مرتبة الاستشهاد، وبشكل خاص بفضل جهود القائد عبد الله اوجلان".

وذكرت أنه من أجل تطوير اللغة الكردية يجب إنشاء وإعداد كوادر تعليمية "كمخيم مخمور الذي يتحدث لغته ويعلم ويثقف نفسه ويحكم نفسه، كما أن لديه مجالس ومؤسسات ولجان ومجال واسع للتعليم، ولكننا لا نزال نرى ذلك ناقصاً وغير كاف. يجب أن نتمكن من التوسع أكثر وبناء مراكز تعليمية في مخمور كخلية أساسية لكردستان وإعداد كوادر تعليمية. وتطبيق هذا النظام ليس في مخمور فقط، بل يجب أن يطبق هذا النظام خاصة في شمال وجنوب وشرق وغرب كردستان".

 

"علينا أن نتعلم لغتنا أكثر ونقوم بإحيائها"

وأنهت خانتور كارا حديثها بالقول "اقتراحنا ومطلبنا الوحيد هو أن تتحدث وتقرأ بلغتك سواء كان في الشارع أو في منزلك وفي دراستك. نحن بحاجة إلى مواصلة وجود لغتنا حتى نتمكن من نقلها إلى الأجيال القادمة من أسلافنا الذين نقلوها إلينا. سبب التعصب القومي الذي يمارس أكثر في شمال كردستان هو أن الشعب الكردي لا يتحدث لغته ولا يتقبل هويته. وعلى الرغم من الهجمات التي تشن علينا، وخاصة العزلة التي تتم على القائد عبد الله أوجلان والهجمات على مناطق الدفاع المشروع، هناك مقاومة لا مثيل لها. كل مكان يتواجد فيه الكرد واللغة الكردية يواجه هجمات. ومن أجل ذلك يجب أن تكون هناك مقاومة ونضال أينما وجد الكردي. إن رفع مستوى النضال يعني رفع مستوى اللغة الكردية. علينا أن نوسع وننشر لغتنا أكثر، ونعيش بلغتنا ونحييها".