وريشة مرادي: من يحمل الحقيقة لا يتراجع والميدان لا يعرف سوى المقاومة
نشرت الناشطة في مجال حقوق المرأة والمحكوم عليها بالإعدام، رسالة بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لإعدام شيرين علم هولي مع عدد من السجناء الآخرين أمثال فرزاد كمانجار.

مركز الأخبار ـ "لم أرَك بعيني بل بروحي وسط دموع الأطفال الذين لم يعد آباؤهم من الجبال، وفي صراخ الأمهات الصامت الذي اعتُبر كلامهن جريمة" هكذا وصفت الناشطة وريشة مرادي من أعدمتهم السلطات الإيرانية مع شيرين علم هولي في عام 2010.
نشرت الناشطة في مجال حقوق المرأة والسجينة السياسية المسجونة في سجن إيفين وريشة مرادي، أمس الجمعة التاسع من أيار/مايو، رسالة من سجن إيفين بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لإعدام فرزاد كمانجار، وشيرين علم هولي، وفرهاد وكيلي، وعلي حيدريان، أربعة سجناء سياسيين كرد، ومهدي إسلاميان، سجين سياسي من شيراز.
وجاء في نص الرسالة "مرحباً فرزاد، مرحباً بك يا من لم تعد مجرد اسم، أنت طريق الوجود ومصباح في الضباب، وصوت في صمت التاريخ لم أراك بعيني بل بروحي بين صفوف دفاتر المدارس القروية وبين دموع الأطفال الذين لم يعد آباؤهم من الجبال، تعرفت عليك بين صراخ الأم الصامت الذي كانت لغته تعتبر جريمة".
لم أكن أعرفك، لكن الأمر كما لو كنت معي منذ قرون، مثل الحقيقة مثل الألم مثل المثل الأعلى، الذين رفعوا لكم المشنقة، لم يفهموا أن المشنقة لا تحني قامة من يقف في الأفق، ظنوا أنهم قادرون على القضاء عليك، دون أن يعلموا أنك بدأت عند الفجر في لحظة صمت صرخت وفي الموت ولدت.
فرزاد كمانجار، لم تكن ولم تعد مجرد معلم أنت فلسفة العيش في عصر الموتى، فرزاد كمجرى مائي نشأ من نهر صمد بهرنجي التي تدفقت في تربة الأطفال العطشى دون خوف ومن بين الصخور، لقد كنت تجسيداً للصدق في عصر الخداع، وتجسيداً للأمل في أرض تُطلق فيها الكلمات النار، أردت إزالة الحلم من السبورة في الفصل الدراسي وتعليقه على جدار الواقع؛ أحلام جاءت من الفقر، لكن روعتها كانت أعظم من كل القصور.
عندما أرسلوني للاستجواب، قيل لي لقد جلس هنا أيضاً لكنه لم يستطع البقاء، فقلت لقد كان قادراً على تحويل الموت إلى خلود والصمت إلى صرخة، والقيد إلى انتفاضة، أنا امتداد لك يا فرزاد، والاستمرارية لشيرين علم هولي التي أصبح حبها للحياة ولغتها الأم وسعيها للحرية جريمتها، شنقت لكنها حفر اسمها في الجبال وتركت أثرها في الرياح والكلمات.
واستمرار فرهاد وكيلي الذي لم يخف الموت لأنه احتضن الحقيقة امتداد لعلي حيدريان الذي نبض قلبه بنبض زاغروس، مهدي إسلامي الذي لم يصمت ولم يغلق شفتيه عن الحقيقة حتى اللحظة الأخيرة استمرار لكل من أحتضن الموت حتى نستطيع الوقوف، ربما تكون أيدينا مقيدة لكن أصواتنا أعلى من أي وقت مضى، كل يوم يضربون الحقيقة بسوط الإنكار، في كل صباح تتم محاكمة كلماتنا في محكمة الظلم ونحن مع كل جرح نخلق معنى ومع كل إذلال، ننهض ومع كل اختناق نتنفس نفساً جديداً من الحرية.
فرزاد لم تعد مجرد اسم، بل أصبحت شجرة تمتد فروعها لتكون شاعر متمرد، أما أنا؟ أقف اليوم في نفس المكان الذي وقفت فيه، لقد رفعوا المشنقة لي كما رفعت لك، لكن ليس في قلبي أي خوف، فمن يحمل الحقيقة لا يتراجع والميدان لا يعرف سوى المقاومة، إذا كان الموت هو الثمن الذي يُدفع مقابل التمسك بالحقيقة فأنا مستعد لدفعه، نحن لم نخلق للهرب بل للوقوف بثبات، هذا الطريق ليس ممهداً للمشي أنه طريق الصعود حتى الكلمة الأخيرة والطفل الأخير، حتى الجبل الأخير الصامد كشموخ زاغروس، طريقك يا معلمي يمتد في أصواتنا وخطواتنا الراسخة على الأرض وفي القلوب التي لا تزال تنبض بالحب، أؤكد لك أن القيود لن تكسرنا، فهي ليست سوى جذور ترسّخ وجودنا في عمق التربة حيث الحقيقة تزدهر بلا نهاية".