تونس... حرية التعبير تحت الرقابة الذاتية
أشار التقرير النصف السنوي لجمعيات تونسية إلى التحول في طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني تمثلت بالقمع القانوني مع الرقابة الذاتية والضغوط الاجتماعية، الأمر الذي زاد من تعقيد مشهد حرية التعبير.

زهور المشرقي
تونس ـ انتشرت الرقابة الذاتية خوفاً من الملاحقات القانونية أو ردود الفعل العنيفة على خلفية التعبير عن رأي أو موقف في قضية ما، ويخشى المجتمع المدني من استمرار هذه المخاوف التي قد تعيد البلاد إلى مربع ما قبل 2011.
قدمت جمعيتا "تقاطع من أجل الحقوق والحريات" و"المساءلة الاجتماعية" خلال ندوة اليوم الجمعة 21 شباط/فبراير، التقرير النصف السنوي من تموز/يوليو إلى كانون الأول/ديسمبر 2024، تحت عنوان "حرية التعبير في تونس: أزمة قانون أم أزمة مجتمع" وهو ملخص لسلسلة من الحوارات واللقاءات المباشرة في عدد من الجهات في البلاد استهدفت فئات متنوعة من الشباب، النساء، وممثلي المنظمات غير الحكومية، وامتدت إلى ولايات باجة، سليانة، قفصة، قابس، سوسة، القيروان، نابل، بالإضافة إلى كلية العلوم القانونية بتونس.
وتم تقييم واقع حرية التعبير في تونس الذي وصفوه بالصعب، حيث اتضح من آراء المشاركين والمشاركات أن حرية التعبير في تونس تواجه تحديات متزايدة حيث أن القمع القانوني مع الرقابة الذاتية والضغوط الاجتماعية أدى إلى تراجع الحراك المدني والنقاش العام، هذا التراجع لا يمكن فصله عن التحولات السياسية التي شهدتها البلاد بعد 25 حزيران/يوليو 2021، حين قام قيس سعيد بتجميد البرلمان ثم حله لاحقاً متبعاً بجملة من المراسيم الرئاسية التي عززت سلطته التنفيذية وأضافت الضمانات الدستورية للحريات من بينها المرسوم 54 الذي يُستخدم لملاحقة الصحافيين والصحفيات والناشطين والناشطات وفق التقرير المقدم من قبل الجمعيتين.
وذكر التقرير أنه في هذا إطار أصبح المجتمع المدني في موقف صعب، حيث يرى المشاركون والمشاركات في الاستجوابات التي تضمنها التقرير ضرورة إلغاء القوانين المقيدة للحريات خاصة المرسوم 54 والفصل 226، وإنشاء محكمة دستورية مستقلة لضمان عدم تعارض القوانين مع الدستور، وتعميق دور المجتمع المدني في التربية والحرية والمواطنة مع التركيز على نشر الوعي القانوني والتعريف بحقوق الأفراد وتشريك المجتمع المدني في صياغة القوانين لضمان التوازن بين السلطة والمجتمع.
وفي وقت يواجه فيه الناشطون والناشطات صعوبات بسبب الضغوط القانونية والمجتمعية التي تقلل من قدرتهم على التعبير بحرية، وبينما يطالب البعض الدولة بالكف عن التضييقات على الفضاء العام يرى آخرون أنها تتحمل مسؤولية دعم المجتمع المدني ليقوم بدوره التوعوي والتربوي خاصة في ظل ضعفت الثقافة القانونية في العديد من المناطق الداخلية المهمشة.
وعلقت فاطمة عاشور، عن جمعية المساءلة الاجتماعية، والناشطة النسوية، مسألة تدني مستوى حرية التعبير في تونس، معتبرةً التقرير بمثابة رصد للواقع الصعب للحريات وجرد للانتهاكات في ظل عدم احترام الحق في المحاكمة العادلة والذات البشرية، وتساند هذه الجمعيات كل ضحايا حرية التعبير الذين زج بهم في السجن وأُسكت صوتهم بحسب المرسوم 54 الذي خلق نوعاً من الرقابة الذاتية ولم يعد الصحفي والصحفية قادرين على القيام بعملهم بشكل عادي والنقد في صورة تعيد للذاكرة الوضع قبل الثورة "باتوا أمام رقابة ذاتية مخيفة، يراقب قولهم وأقلامهم خشية الملاحقات والإيقافات".
واعتبرت أن مكسب حرية التعبير لم يكن سهلاً ولم يأت على طبق من الذهب بل كان ثمنه باهضاً من تضحيات التونسيين وثورة أريقت فيها الدماء دفاعاً عن الحرية والكرامة، "ليست ثورة الياسمين، إنها ثورة الدم وفي العشرية التي يصفها البعض بالسوداء بعدها مات فيها شهداء من أجل الوطن كالراحل الشهيد شكري بلعيد الذي كان مؤمناً بأن تونس جديرة بالعيش فوق الأرض وتحت الشمس"، لافتةً إلى أنه رغم الظروف الصعبة يقاوم التونسيون دفاعاً عن حرية التعبير والنشر، "نأمل بدولة نعبر فيها بكل حرية ولا نريد العيش في بيئة مناخها الخوف من قول كلمة قد تكون سبباً في الزج بنا وراء القضبان".
وأفادت فاطمة عاشور بأن الحصول على الحرية يكون باستمرار المقاومة والنضال السلمي "نحب بلادنا ونكرس وقتنا لها وهو واجب، لدينا مسؤولية تجاه تونس"، مضيفةً "هناك من يخشى من الإيقافات والتنكيل من قبل العامة، بتنا نسمع كثيراً كلمة اصمت، أغلق الهاتف، لا تدون، وهي مرحلة مخيفة بلغناها"، معتبرةً أن الإطار القانوني في تونس بيّن أن حرية التعبير نظرية ويضع ذلك الإطار قيوداً كثيرة عليها عملياً مما يعزز مناخ الخوف والرقابة الذاتية في المجتمع".
وأشار التقرير إلى التحول في طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني حيث لم يعد القمع يأتي فقط من المؤسسات الرسمية بل أصبح المجتمع ذاته يمارس هذا الدور مما يزيد من تعقيد مشهد حرية التعبير، ووفق له تشهد تونس منذ2021 تحولاً نحو انفراد بالسلطة وتستخدم القوانين والمراسيم للحد من حرية التعبير واضعاف المجتمع المدني، حيث بات مستقبل الحريات مرتبطاً بمدى قدرة الفاعلين المدنيين والسياسيين على الدفع نحو إصلاحات قانونية واستعادة التوازن بين السلطة والمجتمع.