صوت النساء لا ينقطع... كونفرانس التحالف النسائي مستمر في رسم ملامح سوريا القادمة

اجتمعت أصوات نسائية من مختلف المكونات السورية في كونفرانس التحالف النسائي الذي حمل في طياته رسائل مقاومة، ورؤى استراتيجية، وتأكيداً على أن المرأة ليست مجرد فاعل اجتماعي، بل قوة مؤسسة في بناء سوريا الجديدة.

الحسكة ـ توحدت الكلمات التي ألقيت خلال كونفرانس "التحالف النسائي أساس لبناء العدالة والديمقراطية في سوريا لا مركزية موحدة"، حول قضية واحدة ألا وهي أن حرية المرأة هي حجر الأساس لحرية المجتمع، والديمقراطية لا تبنى دون مشاركة النساء في صنع القرار.

تخلل كونفراس "التحالف النسائي أساس لبناء العدالة والديمقراطية في سوريا لا مركزية موحدة" الذي نظم من قبل مؤتمر ستار وتجمع نساء زنوبيا، سلسلة من الكلمات السياسية والتنظيمية، ووسط تحديات سياسية واجتماعية متصاعدة برزت دعوة جماعية لصياغة عقد اجتماعي جديد، يضمن مشاركة المرأة في صنع القرار، ويؤسس لسوريا تعددية، عادلة لا مركزية، تكون فيها المرأة في قلب المستقبل.

وباسم نساء الطائفة العلوية قالت عبير سليمان تناولت فيها العلاقة المعقدة بين النصوص الدينية وواقع المرأة في المجتمعات السورية، حيث قالت "إن الأديان أنصفت المرأة في جوهرها، ولكن ليس على أرض الواقع، فما بين النص والتطبيق، هناك فجوة عميقة صنعتها السلطة الذكورية والسياسية، التي حرفت المقاصد الإلهية لتخدم مصالحها وتُقصي النساء من مواقع الفعل والتأثير".

وأوضحت أن هذه الفجوة ليست مجرد خلل عابر، بل نتيجة تراكمات تاريخية، حيث عمد السياسيون إلى عزل النصوص الدينية عن الحياة اليومية، وتوظيفها بشكل انتقائي يكرس التبعية ويمنع النساء من ممارسة حقوقهن الطبيعية، مضيفةً أن هذا العزل لم يكن بريئا، بل كان جزءاً من منظومة سلطوية تهدف إلى إبقاء المرأة في موقع التلقي، لا المشاركة.

وأكدت أن هناك نهضة نسوية حقيقية بدأت تتبلور في سوريا، من خلال ظهور مبادرات وحركات نسائية مستقلة، تتحدى التقاليد الجامدة، وتعيد تعريف دور المرأة في المجتمع، واستحضرت في هذا السياق مقولة القائد عبد الله أوجلان قائلةً "لا يمكن بناء مجتمع حقيقي ما دام العنصر الأساسي فيه مغيباً أو في حالة إعدام".

وشددت على أن المرأة هي هذا العنصر الأساسي، وأن تغييبها يعني إعدام إمكانات المجتمع في التقدم والتحرر، متطرقة إلى نموذج الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، معتبرةً إياه تجربة رائدة في إنصاف النساء، ليس فقط عبر التمثيل السياسي، بل من خلال إعادة صياغة العلاقة بين المرأة والسلطة، وبين المرأة والمجتمع. 

 

النساء الأرمنيات من ذاكرة الإبادة إلى شراكة في بناء سوريا الديمقراطية

ألقت أناهيد قصبيان كلمة باسم مجلس المرأة الأرمنية قالت خلالها "هذا اللقاء ليس مجرد مناسبة، بل هو تجسيد حي لإرادة النساء السوريات من مختلف المكونات، اللواتي يجتمعن اليوم ليؤكدن أن المستقبل الديمقراطي لا يمنح، بل يصاغ بتضحياتهن، بإصرارهن، وبإيمانهن العميق بالعدالة".

وتابعت "نحن النساء الأرمنيات نحمل في ذاكرتنا الجماعية آثار الإبادة، وندوب التهجير، ووجع الإقصاء، لكن من قلب هذه المعاناة، ولد فينا العزم على الحياة، وعلى التمسك بالحرية، وعلى أن نكون شريكات فاعلات في بناء السلام والديمقراطية في وطننا".

وأكدت "نؤمن أن الديمقراطية لا تبنى بالقوة ولا بالإلغاء، بل بالاعتراف بالتعدد، وبضمان المساواة الكاملة للمرأة، وبإشراكها في صنع القرار السياسي والاجتماعي كقوة مؤسسة، لا كعنصر هامشي، ومن هذا المنطلق، نؤكد التزامنا بالعمل جنباً إلى جنب مع أخواتنا من جميع المكونات، لبناء سوريا تعددية، ديمقراطية، لا مركزية، تحفظ كرامة النساء وتصون حقوق جميع الشعوب، إن صوتنا اليوم هو امتداد لذاكرة أمهاتنا اللواتي عبرن دروب الألم، وتركن لنا وصية المقاومة، نقولها بوضوح، سنحول الألم إلى قوة، والذاكرة إلى وعي، والصرخة إلى طريق نحو مستقبل مشترك".

 

نحو فضاء نسائي وطني يعيد صياغة سوريا الديمقراطية

وألقت سهيل السنوح كلمة باسم مجلس المرأة السورية قالت فيها "هذا المؤتمر ليس فعالية عابرة، بل لحظة مفصلية تؤكد أن النساء السوريات قادرات على تجاوز الانقسام، وعلى صياغة أسس مجتمع ديمقراطي حر، قائم على العدالة والتنوع والمشاركة الحقيقية".

وأشارت إلى أنه "منذ تأسيس مجلس المرأة السورية، اخترنا أن نبني فضاءً نسوياً وطنياً، عابراً للولاءات الضيقة، يرى في كل امرأة سورية جزءاً من الحل، لا مجرد ضحية، عملنا في مختلف المناطق، أنشأنا مراكز دعم وتمكين، أطلقنا حملات توعية، وواجهنا العنف والتهميش بالفعل السياسي والمجتمعي، لأننا نؤمن أن حرية المرأة هي حجر الأساس لحرية المجتمع".

ولفتت إلى أنهم استندوا إلى فلسفة الأمة الديمقراطية، لا كشعار، بل كمنهج نضال "فلسفة تقوم على التعايش، واحترام التعدد، ورفض السلطة الذكورية المركزية التي اختزلت القرار في يد واحدة، نؤمن أن المجتمع الديمقراطي لا يُبنى دون أن تكون المرأة في قلبه"، مضيفةً "سوريا التي نحلم بها لن تُبنى بالسلاح، بل بالإرادة، لن تصاغ على موائد التفاوض فقط، بل في ساحات العمل المشترك".


         


      

"التمثيل الحقيقي للمرأة ليس منّة بل استحقاق سياسي وأخلاقي"

وفي كلمة لها أكدت ⁠عضو الهيئة الإدارية في حزب الاتحاد الديمقراطي فوزة يوسف أكدت فيه "في الوقت الذي يقال فيه إن نسبة تمثيل النساء في البرلمان ستحدد بـ20%، نرفض بشدة هذه القرارات التي تهمّش إرادة المرأة السورية، تلك التي دفعت أثماناً باهظة، قتلت، هجرت، شردت من أجل أن تبنى سوريا جديدة تنصفها وتعترف بحقوقها".

وأضافت "ما يقدم اليوم من تعيينات شكلية لعدد محدود من النساء في مواقع غير مؤثرة، لا يعكس التزاماً حقيقياً بحقوق المرأة، بل هو محاولة دعائية لإقناع العالم بأنهم مع المرأة، بينما تقصى فعلياً من مواقع القرار، في إقليم شمال وشرق سوريا، المنطقة الوحيدة التي تضع حماية النساء في صلب مشروعها السياسي، نؤكد أننا كنساء سوريا، وبغض النظر عن اختلافاتنا القومية والدينية والمذهبية، نحمل قضية واحدة: قضية حرية النساء".

وأشارت إلى أنهم قاموا بإعداد عقد اجتماعي بأيدي النساء، عقداً يؤمن بأن الديمقراطية لا تبنى دون مشاركة المرأة بنسبة لا تقل عن 50% في البرلمان، هذه ليست مطالبة رمزية، بل استحقاق تاريخي وسياسي وأخلاقي "علينا جميعاً أن نقف في وجه كل ما يؤدي إلى تهميش النساء، وأن نتخذ موقفاً موحداً ضد الإقصاء والتعصب الجنسوي والمذهبي، فالنساء هن القوة الأساسية القادرة على بناء الأخوة بين الشعوب، وهن من سيؤسسن سوريا التي تحتضن كل المكونات، وتمنح كل هوية حقها السياسي والثقافي".


         


        

لا حرية للمرأة دون حماية ذاتية تضمن وجودها وكرامتها

وتحدثت القيادية في وحدات حماية المرأة روهلات عفرين قائلة "الثورة قدمت تضحيات كبيرة في سبيل حماية مكتسباتها، وهذه الثورة استطاعت أن تخلق نظام ديمقراطي بريادة المرأة الحرة وفلسفة القائد عبدالله أوجلان، لن ننسى تضحيات شهدائنا اللذين رسموا خريطة الحرية في إقليم شمال وشرق سوريا".

وأضافت "نحن على إدراك تام بأنه ليس بإمكان أي أمة أن تحافظ على هويتها ووجودها دون مفهوم الحماية لذا ثورة المرأة التي بدأت شعلتها من 19 تموز بفلسفة المرأة الحياة الحرة، تستطيع أن تحمي مكتسبات المرأة السورية من خلال مفهوم وعقلية الحماية الجوهرية".

وأشارت إلى أن المرأة في شنكال استطاعت أن تدحر الانتهاكات التي تعرضت لها من قبل داعش من خلال تأسيس قوات الحماية ، وعن نساء سوريا تقول "بعد سقوط نظام البعث تعرضت النساء السوريات في الساحل والسويداء لممارسات وحشية هدفت إلى إبادة الطائفة العلوية والدرزية، وهو ما أكد مرة أخرى أنه دون الحماية الذاتية والجوهرية لا يستطيع المرء أن يعيش بأمان واستقرار".

وأوضحت "منذ فجر التاريخ، كانت المرأة الضحية الأولى للحروب والانتهاكات، وما نشهده اليوم في عفرين، ورأس العين، وتل أبيض، يؤكد استمرار هذا النمط من العنف الممنهج، حيث تتعرض النساء لأبشع أشكال الانتهاك، من القتل والاغتصاب إلى التهجير والإنكار الكامل لوجودهن، ولا يقتصر هذا العنف على المناطق المحتلة، بل يمتد إلى الساحل السوري والسويداء، حيث تواجه النساء عنفًا متصاعدًا على يد عقليات متطرفة تسعى إلى إخضاعهن وإقصائهن من الحياة العامة، هذا الواقع المؤلم يثبت مرة أخرى أن غياب الحماية الذاتية يفتح الباب أمام القتل والدمار وإنكار الوجود، ويجعل من المرأة هدفًا سهلًا في معادلات السلطة والعنف". 

وأكدت "نحن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى منظومة حماية نسوية حقيقية، تضع أمن المرأة وكرامتها في صلب المشروع السياسي، وتمنحها القدرة على الدفاع عن نفسها ومجتمعها، وتضمن لها حق الحياة بحرية وعدالة.


         


        
"تمكين المرأة جوهر بناء مجتمع عادل ومتعدد"

من جانبها قالت صباح شابو في كلمة لها باسم مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا، أن هذا الكونفرانس يؤكد على أن تمكين المرأة ليس شعاراً بل قضية جوهرية تمس مستقبل المجتمع بأسره.

وشددت على أن المرأة نواة المجتمع، تمكينها يغير سلوكيات المجتمع ويؤسس لحضارة قائمة على العدالة والمساواة، مشيرةً إلى أنه رغم النزاعات والأزمات، استطاعت المرأة السورية كسر القيود والمشاركة الفاعلة في السياسة والاقتصاد والمجتمع.

ولفتت إلى أنه منذ تأسيس الإدارة الذاتية عام 2014، حققت المرأة مكاسب ملموسة أبرزها قانون الأسرة الذي يمنع الزواج القسري ويكرس المساواة في الحضانة والميراث، وأن الرئاسة المشتركة نموذج فريد يعزز المساواة في صنع القرار ويجسد حقوق الإنسان للجميع.

وأشارت إلى أنه في ظل سياسات الحكومة المؤقتة التي همشت المرأة، تزداد المخاوف من التراجع عن المكتسبات، مما يستدعي تصعيد النضال النسوي وتوحيد الصفوف، وأكدت على أن العقد الاجتماعي للمرأة يمثل لحظة تاريخية تكتب فيها المرأة دستورها الخاص، مستندة إلى مبادئ حقوق الإنسان، وتتطلب تضامناً واسعاً لضمان حياة كريمة لكل امرأة.

ونوهت إلى أن تجربة إقليم شمال وشرق سوريا بقيادة المرأة حملت رسالة عالمية ضد الظلم والاضطهاد، تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية"، مطالبة بنظام لا مركزي ديمقراطي يضمن مشاركة جميع المكونات السورية، ويؤسس لمجتمع متماسك قائم على التعايش والتسامح.


         


        

"لا بد من وحدة نسائية سورية عابرة للطوائف"

وتلتها كلمة اتحاد المرأة الإيزيدية ألقتها كولى جعفو قالت فيها "في هذا الكونفرانس نستحضر تاريخ الديانة الإيزيدية، إحدى أقدم الديانات في ميزوبوتاميا، كانت المرأة الإيزيدية الحارسة الأمينة لهذا الإرث، تنقله من جيل إلى جيل، وتؤسس لثقافة آلهة الأم الكبرى، صانعة السلام الأولى، التي أوقفت الحروب ووحدت الشعوب".

ولفتت إلى أن الإيزيديات شاركن في صياغة الدساتير وقوانين حماية البشر "رغم تعرض الإيزيديين لأربعة وسبعين فرماناً من قبل العثمانيين وأحفادهم، حافظت المرأة على لغتها الكردية وعقيدتها وثقافتها، متحدية كل محاولات الإبادة التي كان آخرها ما حدث في شنكال، حين هاجمت داعش الشعب الإيزيدي".

وتابعت "اليوم، نرى أن ما حدث في شنكال يتكرر في سوريا، من الساحل إلى السويداء، ومن عفرين إلى سري كانيه وكري سبي، حيث ترتكب الانتهاكات بحق البشر والشجر والحجر، في ظل غياب هوية وطنية جامعة، وتغليب المحسوبيات على العدالة، لذا لا بد من وحدة نسائية سورية عابرة للطوائف، تقوم على رؤية مشتركة، وتواصل مع القوى الديمقراطية المحبة للسلام، من أجل صياغة دستور ديمقراطي يضمن حقوق المواطنة، ويكرس العدالة والمساواة والحرية، بمشاركة قانونية وثقافية وسياسية وأخلاقية".

وأكدت على الحاجة الضرورية لمناخ سياسي ديمقراطي يحترم التنوع، ويشجع الحوار، ويعزز الانتماء الوطني "الحل يكمن في تطبيق قانون المساواة والحرية، وتطوير العدالة الاجتماعية، استنادًا إلى قانون المرأة الذي يعود لآلاف السنين، ووفق فلسفة الأمة الديمقراطية، التي تتيح لكل فرد المساهمة في بناء مجتمع متحرر".

 
         


        

التعليم والكرامة في مواجهة التهميش السلطوي

وألقيت كلمة نيابة عن الطالبات الدرزيات جاءت فيها "يسعدنا أن نعبر عن بالغ الشكر والتقدير لمؤتمر ستار  ونساء تجمع زنوبيا على جهودهن المتميزة، وعملهن الإنساني في تنظيم هذا الكونفراس في وقت حرج، وفي ظل تحديات جسيمة تواجه المرأة السورية، لقد أثبتن أن القيادة النسائية قادرة على خلق مساحات حرة وآمنة للتعبير، والتفكير، والمطالبة بالحقوق".

ولفتت الطالبات إلى أن "المرأة، ولا سيما طالبة الجامعة، هي رمز للقوة، والإبداع، والحب، والعطاء، ومن واجب المجتمع أن يحترمها ويمنحها الفرصة لتكون شريكة فاعلة في بناء مستقبل أفضل للجميع، لكننا، وبكل ألم، نشهد تهميشاً ممنهجاً لهذه الفئة عبر ممارسات لا إنسانية من اغتصاب، وقتل، وخطف، وتعامل ذكوري مهين ينزع عن المرأة إنسانيتها، ويحولها إلى سلعة في الذهنية السلطوية".

وأضفن "لقد تعرضت الطالبات الدرزيات، إلى جانب طالبات أخريات في الساحل السوري، لانتهاكات جسيمة من قبل الحكومة المؤقتة"، لافتةً إلى أن "المرأة ليست نصف المجتمع فحسب، بل هي عماده، وهي التي تبني الأجيال، وترعى القيم، وتغرس الأخلاق، وحرمانها من التعليم هو حرمان للمجتمع بأسره من التقدم، والتنمية، والنهضة، لذلك نؤكد أن تعليم المرأة ليس حقاً فردياً فحسب، بل هو حق جماعي، ومصلحة وطنية، وأساس في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحضارية".