صوت المرأة في الإعلام الصومالي فرصة لا ينبغي إضاعتها

مقال بقلم الناشطة الصومالية ليلى جامع
في الصومال حيث تعصف الأزمات من النزاعات المسلحة المستمرة إلى موجات الجفاف والنزوح القسري يظل المشهد الإعلامي انعكاساً للواقع المعقد والمتقلب لكنه لا يزال يفتقر بشكل واضح لنصف المجتمع المرأة، فحضورها في الإعلام ليس مجرد إضافة مهنية بل هو فعل مقاومة جريء وإشارة قوية إلى تحول اجتماعي عميق فهو يعني كسر حاجر الصمت المفروض تاريخياً، وإعادة تعريف من يحق له التحدث باسم المجتمع ومن يمثل قصصه وآماله وآلامه.
النساء في الصومال لطالما واجهن تهميشاً في المجال العام وكانت أصواتهن غير مسموعة في كل ما يتعلق بالسياسة، الاقتصاد وحتى القضايا الإنسانية، ولكن دخول المرأة الصومالية في الإعلام ليس مجرد اكتساب فرصة عمل، بل هو وسيلة لإعادة تشكيل الخطاب العام وإعطاء صوت لمن لا صوت لهم، فغيابها يعني غياب نصف المجتمع عن الصورة الكاملة للواقع، والإعلام الذي لا يتيح للنساء مساحة عادلة يضل إعلاماً ناقصاً مهما بلغت قوته.
إعادة التوازن للخطاب العام
واحدة من أهم وظائف الإعلام هي نقل الحقيقة، لكن الحقيقة لا يمكن أن تروى دون مشاركة المرأة، فالصحفيات الصوماليات يسلطن الضوء على القضايا التي غالباً ما تغفل كالعنف الأسري، الزواج المبكر، ختان الإناث والحرمان من التعليم، حضور المرأة في غرف الأخبار يضمن أن القضايا لن تبقى في الظل، وأن المجتمع سيشهد الواقع كما هو مع كل تفاصيله المؤلمة والمهمة.
عندما تكتب الصحفية عن أم فقدت أطفالها بسبب الجفاف أو تغطي معاناة النساء في مخيمات النزوح فإنها تمنح الإنسانية فرصة للتفاعل والتفكير لفهم حجم المعاناة والبحث عن حلول، صوت المرأة في الإعلام ليس مجرد تقرير أو برنامج بل هو نافذة حقيقية على الجانب الذي يغيب غالباً عن الرؤية الإعلامية التقليدية، نافذة تضيء حياة نصف سكان العالم وتمنحهم الاعتراف والتمثيل الذي يستحقونه.
دور الإعلام الرقمي في تمكين المرأة
في السنوات الأخيرة فتح الإعلام الرقمي أمام النساء مساحات جديدة للتعبير، فوسائل التوصل الافتراضي والمنصات الإلكترونية سمحت للصحفيات الشابات بالظهور بحرية أكبر، بعيداً عن قيود المؤسسات التقليدية هذه المنصات ليست مجرد أدوات للنشر، بل منابر لبناء رأي عام متوازن حيث يمكن للنساء نقل قصصهن والتأثير في الجمهور بطريقة مباشرة وفعالة.
الصحفيات الرقميات لم يكتفين بوجودهن بتوسيع الفضاء الإعلامي، بل أصبحن مصدر إلهام للأجيال القادمة، الفتيات اللواتي يرين امرأة صومالية تقدم برنامجاً وتحقق في تقرير صحفي يدركن أن لهن حقاً في المشاركة والمنافسة وأن عمل المرأة في الإعلام ليس ترفاً، بل جزء من حقهن الطبيعي في التأثير وصنع القرار.
التحديات والعقبات
مع كل هذه الفرص المتواجدة لا يمكن تجاهل العقبات الكبيرة التي تواجه المرأة في الإعلام الصومالي، التهديدات الأمنية، العنف المبني على النوع الاجتماعي، والتمييز المؤسساتي والاجتماعي كل ذلك عوامل تحد من قدرة الصحفيات على ممارسة عملهن بحرية، علاوة على ذلك ضعف الحماية القانونية ونقص برامج التدريب والدعم يجعل الطريق نحو التأثير المستدام طويلاً وشاقاً.
إذا لم تعالج هذه التحديات فإن فرص تعزيز حرية التعبير النسائية ستبقى محدودة، وسيضل نصف المجتمع مهمشاً في الإعلام، المجتمع الذي يسكت النساء ويهمل قضاياهن هو مجتمع يختار أن يكون أعمى عن الواقع وعن نصف الحقيقة ويخاطر بفقدان توازن الرأي العام والمساءلة.
صوت المرأة كشرط للحرية
حرية التعبير في أي مجتمع لن تكون كاملة ما لم يكن للمرأة نصيب عادل منها صوت المرأة في الإعلام ليس مجرد حق فردي بل شرط أساسي لبناء مجتمع ديمقراطي ومتكامل، الصحفيات الصوماليات اللاتي شققن طريقهن بشجاعة في بيئة صعبة يقدمن مثالاً حياً على أن التغيير ممكن وأن التأثير لا يحتاج إلى إذن، إن دعمهن ليس ترفاً بل استثماراً في حرية المجتمع كله.
إن حضور المرأة الإعلامي لا يقتصر على نقل الأخبار بل يمتد ليشمل التثقيف والمساءلة والمبادرة في صناعة القرار العام، كل قصة تروى وكل تقرير ينشر هو خطوة نحو مجتمع أكثر عدلاً وإنصافاً حيث لا تغلق أمام نصفه أبواب المشاركة.
في الختام لقد بدأت المرأة الصومالية العمل في الإعلام بالفعل وما تحتاجه الآن هو الدعم المؤسسي والمجتمعي، الحماية القانونية، تدريب مهني وتضامن نسوي داخلي وخارجي وكلها عوامل تجعل من صوت المرأة قوة حقيقية للتغيير.
لا يمكن للمجتمع الصومالي أن يحقق تنميته واستقراره دون أن يسمع أصوات نصف سكانه، صوت المرأة في الإعلام ليس خياراً بل ضرورة وكل ما علينا هو أن نصغي، أن ندعم، وأن نمنح هذه الأصوات مساحة لتغيير الواقع وصنع مستقبل أفضل.
في نهاية المطاف حين تعلو أصوات النساء تعلو الحرية نفسها والصومال بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى هذه الحرية.