صحفيو غزة ينددون باغتيال زملائهم ويطالبون بحماية دولية عاجلة
طالب العشرات من الصحفيين والصحفيات وممثلي المؤسسات الإعلامية في وقفة احتجاجية بمدينة غزة، بتوفير الحماية لهم، منددين باغتيال الصحفيين واستهدافهم المباشر، معتبرين أن نقل الحقيقة باتت مخاطرة يومية تهدد حياتهم.

نغم كراجة
غزة ـ اعتبر الصحفيون والصحفيات المشاركون في وقفة احتجاجية، أن ما يجري في غزة إبادة مهنية تهدف إلى طمس الصورة ومحو الذاكرة الفلسطينية، داعين إلى تحقيق دولي ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وإصدار قرارات ملزمة تجرم الاعتداء على الإعلاميين وتضمن حمايتهم وفق القانون الدولي.
في مشهد يختصر قسوة الحرب على الكلمة الحرة، احتشد عشرات الإعلاميين من المؤسسات الصحفية في قطاع غزة، اليوم الثلاثاء 26 آب/أغسطس، في وقفة احتجاجية ضد ما وصفوه بـ "الإبادة المهنية والإنسانية" التي يتعرض لها الصحفيون والصحفيات بفعل استهداف القوات الإسرائيلية المتعمد، مطالبين المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات عاجلة لحمايتهم ووقف الجرائم المرتكبة بحقهم.
وأكد المشاركون والمشاركات في الوقفة، على أن الكاميرا باتت هدفاً مرصوداً والقلم تحول إلى تهمة، فيما أضحت محاولة نقل الحقيقة مخاطرة يومية تهدد حياة أصحاب المهنة، داعين إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة لتوثيق الجرائم المرتكبة بحق الإعلاميين، وإدراج استهداف الصحفيين ضمن جرائم الحرب المعروضة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وعلى هامش الوقفة تحدثت الصحفية منى بكر بمرارة عن حجم المأساة التي يعيشونها قائلة "لقد أصبح المشهد واضحاً بشكل لا يحتمل التأويل، الصحفي الفلسطيني يُقتل على الهواء مباشرة، ويحترق أمام أنظار العالم، وهذا ليس مجرد حادث عرضي بل سياسة مدروسة ومتعمدة تستهدف طمس الصورة وهدم الحقيقة ومنع نقل وقائع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لم يعد نقل الحدث واجباً وطنياً فحسب بل صار اختباراً للبقاء ومواجهة مفتوحة مع آلة القتل التي لا تفرق بين مدني أو إعلامي".
وأكدت أن القوات الإسرائيلية تعتمد استراتيجية ممنهجة لمحو الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني عبر تصفية من يوثقون الجرائم، داعية المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق عاجل في جرائم الحرب المرتكبة بحق الإعلاميين، كما طالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتوفير حماية قانونية كاملة للطواقم الصحفية، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة.
من جهتها، أكدت داليا العفيفي عضو نقابة الاتحاد الدولي للصحفيين، على أن القوات الاسرائيلية تواصل استهداف الإعلاميين أمام مرأى العالم، دون أي رد فعل دولي، ووصفت ما يجري بأنه "عار إنساني"، مطالبة المؤسسات الحقوقية بالتحرك الفوري لتوفير مظلة حماية عاجلة للصحفيين في غزة "يُقتل الصحفيين الفلسطينيين بدم بارد، وتُطفأ الكاميرا وتُخمد الكلمة بينما يلتزم العالم الصمت بشكل مخزٍ وفاضح، نحن لا نطلب المستحيل بل أبسط الحقوق، أن نمارس عملنا كبقية الصحفيين حول العالم دون أن تكون حياتنا معلقة على قرار جندي محتل يطلق النار متى شاء".
وناشدت المؤسسات الحقوقية والاتحاد الدولي للصحفيين "نناشدكم أن تتحركوا فوراً، وتستخدموا أدواتكم القانونية والدبلوماسية، وتضغطوا على الحكومات ومجالس الأمم المتحدة لتوفير مظلة حماية عاجلة للعاملين في الميدان بغزة لأن تركهم يواجهون الموت وحيدين يعد خيانة للقيم الإنسانية والمهنية".
ولم تكن الوقفة مجرد فعل احتجاجي بل محطة لاستذكار زميلتهم مريم أبو دقة التي ارتقت في مجزرة مجمع ناصر الطبي بخان يونس بعدما أصابها القصف المباشر وهي على رأس عملها برفقة عدد من زملائها، قائلين "مريم كانت أيقونة متفردة في تاريخ الصحافة الفلسطينية، بطلة ميدان لم ترهبها نيران الحرب ولا جحيم الاستهداف، واصلت تغطيتها على مدار عامين كاملين دون كلل أو ملل، متقدمة الصفوف، مؤمنة أن واجبها المهني هو شاهد على الحقيقة التي يحاول الاحتلال طمسها".
من جانبها أكدت عضو نقابة الصحفيين صابرين الحرازين، أن هذه الوقفة جاءت لتعلن رفضاً قاطعاً واستنكاراً شديداً لما يتعرض له الصحفيون في غزة من إبادة مهنية وإنسانية "في كل أنحاء العالم يمارس الصحفي عمله تحت مظلة حماية قانونية ومجتمعية إلا في فلسطين حيث يُقتل الإعلامي بدم بارد ولا يحرك هذا المشهد ساكناً في الضمير العالمي، هذا الواقع المرير يضعنا أمام مسؤولية كبرى لمخاطبة كل الهيئات الدولية بضرورة الكف عن سياسة الصمت".
وأشارت إلى أن خسارة مريم أبو دقة ليست مجرد فقد فردي بل خسارة جسيمة للصحافة الوطنية التي فقدت واحدة من أكثر الأصوات شجاعة وإصراراً، مذكرة بأنها لم تكتف بأداء رسالتها الإعلامية بل تبرعت خلال الحرب بكليتها لوالدها المريض، كما أرسلت طفلها الوحيد غيث الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره إلى خارج غزة حتى تتمكن من مواصلة عملها الصحفي دون قيود، متفرغة لنقل الصورة والرسالة.
وطالبت صابرين الحرازين المنظمات الأممية بضرورة إصدار قرار ملزم يجرم الاعتداء على الصحفيين في مناطق النزاع، مؤكدة أن استمرار الإفلات من العقاب هو الذي شجع القوات الإسرائيلية على التمادي في جرائمه "نحن لا نريد بيانات إدانة شكلية إنما قرارات عملية تُنفذ، وضغوط سياسية وقانونية حقيقية توقف شلال الدم، وتعيد الاعتبار لمهنة الصحافة باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز العدالة والحرية".
ويُذكر أن قطاع غزة فقد منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 المئات من الصحفيين والصحفيات والعاملين في الإعلام بين قتيل وجريح ومعتقل، وسط تدمير واسع للبنية التحتية الإعلامية، ما جعل ممارسة المهنة بمثابة مواجهة يومية مع الموت، ورغم ذلك يواصل الصحفيون عملهم في نقل تفاصيل المأساة الإنسانية، مؤمنين أن دورهم لا ينحصر في الإخبار بل يمتد إلى حفظ الذاكرة الجمعية لشعب يراد محوه من الوجود.