ساكينة جانسيز: إن اندماج المرأة في إيران وشرق كردستان ضرورة من أجل الحرية!

اعتبرت ساكينة جانسيز أن بنية النظام في الشرق وإيران قد انهارت؛ حيث يتم إسكات أصوات النساء، وتتوقف الحياة، ومن خلال وعي المرأة وثورتها فقط يمكن إعادة الحياة إليها.

ندى حسين بناهي

اليوم، تتحد الكلمات معاً لرسم وجه ساكينة جانسيز من خلال خلط الأصوات والحروف من البعيد والقريب، فهي نفس المرأة التي ولدت في الصحراء، وعاشت حياة مليئة بالنضال ورثت روح النضال من الإله عشتار، روحاً تتدفق مع الزمن واندفاع اللحظات.

تزامن ميلاد ساكينة جانسيز مع صعود الاشتراكية في العالم، وخاصة في كردستان، وكان هناك جدول، مثل الجدول المتدفق، يبتلع جسد المجتمع بأكمله؛ ولكنها وعدت بالتحرر من القمع الاجتماعي والسياسي للقرن العشرين، وناضلت بلا كلل من أجل إقامة الاشتراكية، وخاصة من أجل أمة النساء، ومن خلال المشاركة في الحركات النسائية والمنظمات اليسارية، سعت إلى رفع وعي النساء بالتفاوتات الاجتماعية والسياسية والهوية والجنسانية وتوفير منصة للابتكار في أساليب النضال.

ساكينة جانسيز كانت مقاتلة من أرض ديرسم، حيث كانت روح وجسد مجتمعها ملطخة بندوب الإبادة الجماعية، ولقد تركت الإبادة الجماعية علامة من الحزن والألم في الذاكرة الجماعية للإنسانية، ولكن من ناحية أخرى، ظلت مقاومة وعدم استسلام شعب ديرسم ضد النظام الاستعماري التركي خالدة، مثل جسر فولاذي، في تاريخ كردستان الأبدي.

ولقد أحيت ساكينة جانسيز رماد حياتها واختارت طريق الثورة، وكانت حياتها الثورية دائماً في النضال؛ النضال ضد العقلية الأبوية والنظام الاستبدادي في تركيا، ومن خلال فهمها وملامستها لآلام المجتمع، عمقت التزامها بالثورة الكردية، وقالت بموقف حازم "لقد اخترت الطريق الثوري، فلا تضعوا العراقيل"، وكانت هذه الجملة هي فلسفتها القتالية؛ فلسفة استمرت طيلة حياتها بالمثابرة والمقاومة.

سيرتها الذاتية، المكتوبة في ثلاثة مجلدات تحت عنوان "حياتي كلها صراع"، هي سرد ​​تاريخي للنضال من وجهة نظر امرأة؛ امرأة كتبت التاريخ لا في الكتب، بل في ميدان النضال، وأصبحت ساكينة جانسيز، من خلال انضمامها إلى حركة تحرير كردستان، واحدة من هؤلاء النساء الثوريات اللواتي عبرن حدود الشرق الأوسط لتنظيم النساء، وبفضل فهمها العميق لتاريخ ومجتمع الشرق الأوسط، بدأت نشاطها على طريق تحرير المرأة، كما حملت موجة التحرير هذه إلى أوروبا.

وأكدت ساكينة جانسيز أن قضية المرأة قضية شاملة ويجب التعامل معها بنهج حكيم وواعي، وكانت تؤكد دائماً على الحاجة إلى معرفة المرأة وحكمتها ودعتها إلى خلق توافق اجتماعي، لأنها اعتقدت أن رفع وعي المرأة سيشكل منصة للحوار والإجماع، وسيتمكن مجتمع المرأة من حل مشاكله بنفسه من خلال الوحدة والفكر الجماعي، وفي ظل هذه الوحدة تتحقق المساواة في الحقوق الفردية والجماعية، ولقد آمنت دائماً بأن المرأة يمكن أن تصبح مصدراً للأمل والنصر فقط من خلال الكشف عن الحقيقة والعدالة الاجتماعية والوقوف بثبات في النضال، وإلا فلن ينتظر المجتمع النجاح.

وبمناسبة ذكرى استشهاد هذه المرأة الثورية، قررت أن أشارككم بعض تحليلاتها حول ضرورة اندماج المرأة وتضامنها في المجتمع الإيراني وشرق كردستان. تحليلات تتناول وضع المرأة في بنية النظام الإيراني والمجتمع بنظرة معمقة حيث قالت:

"إن بنية النظام الأبوي للهيمنة كانت مبنية على هيمنة جنس واحد منذ البداية، وقد مورست هذه الهيمنة على النساء بشكل خاص، كما جعلنا وضع المرأة نقطة البداية لتحليلنا في دراستنا للمجتمع الكردي. إن تدمير المجتمع يعني إسكات صوته، والاستيلاء على إرادته، وإخراجه من الساحة السياسية، وإبعاده عن الحياة الاجتماعية. إن المجتمع في مثل هذه الحالة ينهار فعلياً، ووضع المرأة في مثل هذا المجتمع هو نفسه أيضاً. المرأة التي تم إسكات صوتها، وحرمت من حق اتخاذ القرار، وتم تهميشها، هي رمز لمجتمع لم يعد موجوداً، لكن إحياء المجتمع يعني العودة إلى طبيعته وأصالته، وإيجاد طريقة للنمو والتنظيم وإعادة البناء، وعلى هذا المسار، تشكل المرأة العنصر الأساسي والقوة الدافعة لهذا التحول والصحوة. المرأة هي مؤسسة هذه الثورة، وكل خطوة نحو الحرية، وكل حركة وتقدم يتم إحرازهما، حتى داخل المنزل أو القرية، هي شرارة لتغيير وتحول أعظم.

وفي نظام الشرق الأوسط، وخاصة في بنية النظام الإيراني، أصبحت الدولة القومية نظاماً جامداً واستبدادياً، ولقد أدخل هذا النظام الدين في السياسة وجعله أداة لتأميم الهويات. لقد تم تفسير كل تطور اجتماعي أو ثقافي من خلال عدسة مصالح السلطة، ونتيجة لذلك، فرضت أعظم أشكال القمع على المرأة. لقد عانت النساء في هذا البناء من أكبر قدر من الألم والظلام، وللخروج من هذا الوضع، فإن البحث عن الحرية والوصول إلى الوعي الذاتي أمران أساسيان، ولا بد من إعادة النظر في التعذيب والعنف الممارس على المرأة، وهذه المراجعة مهمة للغاية.

لقد عشت هذا الشعور شخصياً ورأيته أيضاً واضحاً في عيون نساء إيران وكردستان الشرقية، ويجب على أي شخص عاش في هذه الظروف وشهد هذا العنف أن يفهم عمق هذه التأثيرات وأن يجد طريقة للرد عليها. عندما يصبح هذا الشعور وعياً وإرادة وتنظيماً، حينها فقط يمكننا محاربة هذا النظام، لأن هذا النظام يحاول إقناع المجتمع بأنه لا يمكن تغيير أي شيء وليس هناك طريقة للتكيف.

ومن الأمثلة على هذا الوضع فيلم "رجم ثريا"، الذي كان له تأثير عميق علي، يصور هذا الفيلم جوانب من الواقع القاتم للمجتمع، بما في ذلك كيفية ارتكاب الرجال للعنف القائم على النوع الاجتماعي في إطار نظام مهيمن، وفي هذا الفيلم نشهد رجم امرأة متهمة بالخيانة، في حين أن الثقافة الأبوية والنظام الفاسد نفسه هو سبب مثل هذه الاتهامات.

في هذا المجتمع، يهاجم الرجال النساء، وتبكي النساء الأخريات مرتديات حجاباً أسوداً في الزوايا. إنهن تشعرن بالألم وتدركن الكذب والخداع، ولكن أصواتهن مكبوتة ربما ستحاول إحداهن المساعدة، لكنها لا تملك القوة الكافية وسوف تعاقب أيضاً، في هذه الأثناء، يقوم أطفال الحي بجمع الحجارة والمشاركة في قتل المرأة. إن هذا الفعل هو رمز لتدمير المجتمع وتلويث الروح الإنسانية. إن النظام الذي يوفر مثل هذه المنصة، بدءاً من الملالي وحتى المسؤولين الحكوميين، كلهم ​​متورطون في هذه الجريمة.

في مثل هذا المجتمع أول من يرمي الحجارة هو الأب؛ لكن الجزء الأكثر إيلاماً من القصة هو أن حتى أطفال تلك المرأة متورطون في هذه الجريمة. الأولاد الذين يجب عليهم حماية أمهم سوف يرمونها بالحجارة، وهذا يدل على الفساد العميق في روح المجتمع وتدمير القيم الإنسانية. فهل سيبقى هناك أثر للحب والإنسانية والعاطفة في مثل هذا المجتمع؟ الجواب واضح: لم يبق شيء من الإنسانية.

هدفنا هو تغيير هذا الوضع، فلا ينبغي لنا أن نكون نساءً نحزن وحيدات ونحزن بملابس سوداء. لا ينبغي أن يكون مصيرنا مثل مصير عائلة ثريا، ويجب أن تتغير هذه العقلية ويجب إزالة آثارها في كافة المجالات. إن تنظيم وخلق وعي جديد أمر ضروري.

إن المشاكل لا تنتج عن الأعداء المباشرين فقط، بل أيضاً عن تأثيرات العقلية الأبوية التي تغلغلت في كل طبقات المجتمع. إن معالجة هذه المشاكل تتطلب المثابرة والتصميم والمبادئ القوية. ويجب النظر إلى وحدة المرأة، وخاصة مع النساء الكرديات، وعلاقتها مع النساء من القوميات والأمم الأخرى، باعتبارها مساحة للحرية والنمو. ويضم هذا التحالف أيضاً نساء عربيات، وبلوشيات، وفارسيات، وتركيات، وأذربيجانيات، وغيرهن من النساء.

وعلينا أن نقضي على ثقافة العدوان والعنف والهيمنة التي تستهدف جسد وروح المرأة. أنا أؤمن بهذه الصحوة والتحول. لقد كانت كردستان الشرقية وإيران، بتاريخها وثقافتها الزرادشتية، مصدر إلهام لي دائماً. هذه الأرض رمز للحرية والمساواة؛ القيم المتجذرة في التقاليد المشتركة للأمم. إن الطريق للخروج من الأزمات هو العودة إلى هذه القيم الإنسانية والأنثوية "العودة التي يمكن أن تقودنا إلى مستقبل مشرق وحر".

لقد اختارت ساكينة جانسيز في قتالها النضال دائماً كأسلوب حياة. ويعد اختيار عنوان كتابها "حياتي كلها صراع"، دليلاً واضحاً على هذا الاعتقاد. لقد تركت لنا هذا النمط من الحياة، الغني بالحكمة والبصيرة الأنثوية، إرثاً قيماً يمكننا الاستفادة منه حتى يومنا هذا.

في 9 يناير/كانون الثاني 2013، أصبحت ساكينة جانسيز، مع رفيقتيها ليلى شايلمز وفيدان دوغان، ضحية مؤامرة دولية في باريس. تم ارتكاب هذه الجريمة على يد جهاز الاستخبارات الوطني التركي وشخص يدعى عمر غوني، والذي تم قتله بطريقة مجهولة بعد فترة من وجوده في السجن، ورغم مرور سنوات، فإن قضية هذه الجريمة في قلب باريس، المدينة التي ترمز للحرية والديمقراطية والعدالة، لا يزال يلفها الغموض، ولم يتم اتخاذ أي إجراء جدي لتوضيح وملاحقة مرتكبي هذه الجريمة.

يبقى هذا السؤال دون إجابة، لماذا لا يتم الكشف أبداً عن جرائم الاغتيال السياسية الدولية بشكل كامل؟ ولماذا يتم إغلاق مثل هذه القضايا أو تبقى دون حل في منعطفات الزمن؟ هل يتم التضحية بالعدالة من أجل المصالح السياسية؟ هذه هي الأسئلة التي لا تزال تثير الضمائر الحية للتأمل.