رواية الأطباء عن زلزال كونر... ألم الأمهات والأطفال تحت الأنقاض

في الوقت الذي يواجه فيه شعب أفغانستان أزمات طبيعية متتالية، تستغل حركة طالبان ومافيات الأراضي معاناة الناس وتشردهم وحزنهم. تكشف طبيبة كانت متواجدة في موقع الحدث عن الحزن والأسى الذي تعيشه العائلات المنكوبة.

بهاران لهيب

كونر ـ الكوارث الطبيعية من أكثر الظواهر إيلاماً التي تواجهها المجتمعات، حيث أدت التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة إلى تعرض العديد من الدول للعواصف، الفيضانات، الزلازل، الحرائق، الجفاف، ونقص المياه.

لكن هذا الألم يكون أشد في الدول الفقيرة مثل أفغانستان، حيث تُسفر كل كارثة طبيعية عن مقتل وإصابة الآلاف، وغالبًا ما يكون الضحايا من النساء والأطفال وكبار السن.

ويزداد هذا الألم حين تستغل الحكومة، هذه الفرص لتنهب ملايين الدولارات والمواد الغذائية والصحية باسم تقديم المساعدات، وإذا اعترض فرد أو أسرة، يُقابل ذلك بالقمع الصامت، ومن جهة أخرى، تستغل مافيات الأراضي وبعض من يصفون أنفسهم بـ"الإنسانيين" هذه المأساة، فيستولون على أراضي وممتلكات الناس بحجة إعادة الإعمار، ليبنوا لأنفسهم أبراجاً سكنية ومدناً خاصة.

في خضم هذه المأساة، لا يبقى سوى الأمهات والآباء الذين يكافحون من أجل البقاء، والحفاظ على حياة أطفالهم المصابين والمصدومين، ورغم أن بعض المنظمات والمؤسسات سعت لتقديم المساعدة، إلا أن معظمها واجه النهب والمصادرة من قبل طالبان تحت شعار "التوزيع العادل".

 

 

قبل فترة وجيزة، تعرضت الولايات الشرقية من أفغانستان لزلزال دموي خلّف دماراً واسعاً. في ولاية كونر، لم تقتصر الخسائر على الجانب المادي، بل كانت هناك خسائر بشرية جسيمة أيضاً. هذه الولاية، كغيرها من ولايات أفغانستان، تُدار بإمكانات محدودة وبجهود أهلها فقط، وتُسجّل كونر أعلى معدلات جرائم "القتل بدافع الشرف" و"تقديم النساء كحل للنزاعات العائلية"، لكنها في الوقت ذاته تضم عدداً ملحوظاً من النساء المتعلمات، وعلى الرغم من القمع المتكرر من قبل طالبان، فإن النساء ما زلن صامدات.

نركس وليد، وهي إحدى الطبيبات، التي زارت موقع الكارثة برفقة فريق طبي، تقول "الأمهات لم تكن جراحهن خارجية فقط، كنّ مجروحات من الداخل أيضاً. كل واحدة منهن فقدت أكثر من ثلاثة أو أربعة من أطفالها".

 

 

شهادات مؤلمة من زلزال كونر

روت نركس وليد قصة إحدى الأمهات قائلة "جاءتني أم فقدت ثمانية من أطفالها. كانت تعاني من جرح عميق في ساقها وقد أصيب بالتهاب، وعندما أخبرتها أن تنظيف الجرح قد يسبب لها ألماً، ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت: ألم ساقي لا يُقارن بألم فقدان أبنائي".

أصغر أطفالها كان يبلغ من العمر عاماً واحداً، ظل حياً تحت الأنقاض لبعض الوقت، وكان يبكي طالباً النجدة، لكن الجميع كانوا منشغلين بإنقاذ الآخرين، ففارق الحياة.

وأضافت "كنا أول فريق طبي نسائي يصل إلى المنطقة. بسبب الثقافة الذكورية والقيود التي تفرضها طالبان، لا تلجأ النساء إلى الأطباء الرجال، ولهذا استُقبلنا بترحيب كبير".

كما أشارت إلى قصة الطفلة هاجره، ذات العشر سنوات، التي فقدت والدها ووالدتها وأخيها وأختها. كانت تبكي باستمرار وتقول "خذوني معكم". تحلم كل ليلة بعائلتها، تراهم في المنام يطلبون منها إنقاذهم. ومع كل هزة ارتدادية، كان الأطفال يصرخون من شدة الخوف.

 

 

وروت نركس وليد أيضاً قصة أخرى مؤلمة "قابلت امرأة تبلغ من العمر 60 عاماً، بالكاد كانت تتكلم وتشير إلى صدرها. ظننت أنها تعاني من مشكلة في القلب، فسألتها إن كانت قد شعرت بهذا من قبل، فصرخت قائلة: ابنتاي، كل واحدة منهن كانت لها أربعة أطفال، وزوجة ابني، وحفيداي، جميعهم ماتوا. دفنتهم جميعاً مع ابني في قبر واحد. لماذا ما زلت على قيد الحياة وأنا أحمل كل هذا الحزن؟".

وأضافت "واجهت العديد من الروايات المؤلمة. لقد عدت منذ أيام، لكنني لا أستطيع نسيان أي منها. بينما كان الناس يعيشون في حالة من الصدمة والحزن، كانت طالبان منشغلة فقط بمعرفة ما جلبته كل جهة، لتستولي عليه باسمها"، لافتةً إلى أنها التقت برجل كان من المفترض أن يحتفل بزفافه ليلة الزلزال، لكن زوجته توفيت تحت الأنقاض "كان يجلس ليلاً ونهاراً بجوار قبرها".

كارثة كونر ليست سوى مثال واحد على سلسلة من المآسي المتكررة في أفغانستان، والتي تتفاقم بسبب تزامن الكوارث الطبيعية مع الفساد الإداري والحكم الاستبدادي، وبينما يسعى الناس لإعادة بناء حياتهم وتضميد جراحهم، يزيد استغلال طالبان من حدة الأزمة.

ورغم كل هذه المعاناة، فإن صمود النساء والرجال الأفغان يثبت مرة أخرى أن الأمل بالحياة لا يزال حياً في قلب هذه الأرض.