"قضايا المرأة" ومشروع مناهضة الاتجار بالنساء
أكدت مؤسسة قضايا المرأة المصرية أنها أنهت العمل على "مشروع مناهضة الاتجار بالنساء 2019 ـ 2021"، إلا أنها لن تنهي العمل على الفكرة الممثلة في مناهضة الاتجار بالنساء والعنف ضد المرأة والعمل على تحقيق العدالة والإنصاف للنساء
أسماء فتحي
القاهرة ـ .
نظمت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، أمس الأربعاء 8 كانون الأول/ديسمبر، مائدة مستديرة في ختام فاعليات "مشروع مناهضة الاتجار بالنساء 2019 ـ 2021" الذي استمر على مدار عام بالتعاون مع السفارة الهولندية.
وخلال فعالية المائدة المستديرة تم استعراض ما توصلت المؤسسة لإنجازه ضمن المشروع على الصعيد النفسي والتشريعي والثقافي التوعوي وكذلك المجتمعي، مع عرض بعض من النماذج الحية للتجارب التي بالفعل نجت والنساء اللائي تم دعمهن اقتصادياً فتمكن من بدء أولى خطوات مشاريعهم الصغيرة.
انتهى المشروع والعمل على فكرة مناهضة الاتجار بالنساء مستمر
قالت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية المحامية عزة سليمان، إن مشروع مناهضة الاتجار بالنساء امتد عبر سنة مع السفارة الهولندية التي تدعم المؤسسة بالعديد من المشاريع، مؤكدةً أن مخرجات العمل على المشروع كانت عظيمة وغير متوقعة.
وعن عمل مؤسسة قضايا المرأة قالت رئيسة مجلس أمنائها، أن نسبة 70% من قضايا المؤسسة تختص بالنساء في حين أن هناك نصيب أيضاً لقضايا الرجال يمثل نحو 30% من إجمالي أعمالها.
مشروع مناهضة الاتجار بالنساء
سردت مديرة برنامج مناهضة العنف ضد المرأة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، نورا محمد، تفاصيل ومسار عمل المشروع، مشيرةً إلى أن المؤسسة تعمل منذ 20 عاماً على قضايا الاتجار بالنساء لكن بمسميات ومحاور مختلفة.
واعتبرت أن فكرة الاتجار أو مسماها المقبول في التسعينات كان مرتبط بزواج الصفقة والزواج الغير موثق من أجانب وعرب، وكذلك استغلال عاملات المنازل من النساء، واقتصر العمل على تقديم الاستشارات والخدمات القانونية، موضحةً أن الوضع تطور من خلال العمل على النطاق الإقليمي بشراكة 4 دول في مشروع واحد كانت "قضايا المرأة" تمثل مصر به، وكان تحت مظلة اتحاد المرأة الأردنية، ومجال العمل كان مركز على المصريات الذين تزوجوا في الخارج وتحديداً في بعض المناطق الأردنية وتعرضن لأحد أنواع الاستغلال.
وأكدت نورا محمد أن الفترة من 2019 حتى 2021 شهدت تكثيف العمل على بناء الوعي المجتمعي لأن الأسر وخاصةً أولياء أمور الفتاة عادة ما يكون لهم دور في تعرضها للإتجار بصور مختلفة دون النظر للتبعات اللاحقة له، كما تم العمل على إيجاد سبل لمخاطبة الجهات المعنية حيث كان هناك تداخل في محميات الجرائم وعقوباتها وتوصيف خاطئ لبعض حالات الاتجار بالنساء.
وأضافت أن حالات الاتجار متعددة وسردت عدد من النماذج التي خرجت من واقع المشروع وكان من بينهم امرأة زوجها هو من يتفق على راتب خدمتها بل ويتقاضاه وفي حال مرضها يعطيها منشطات لتتمكن من مواصلة العمل دون تقصير، وكذلك التسول فبعض النساء فوجئن بأزواجهم يتفقن على تأجير الطفل للتسول أثناء فترة الحمل أو يكتشفن أنه متعدد الزيجات وينجب أطفال من أجل التسول وكلها أوجه مأزومة من الاتجار بالنساء.
الجانب التشريعي
وعن الجوانب التشريعية للإتجار بالنساء أكد المحاضرون أن القانون صدر في عام 2010، استجابة لتحرك دولي لأن الاتجار بالبشر واحد من الجرائم المنظمة، والتعامل مع القانون الصادر دولياً عادةً ما يكون مختلف لأن طبيعة وشكل الجريمة داخل مصر قد تكون مختلفة عنه في الخارج.
وأوضحوا أن دراسة الحالات والمقارنة مع الدول الأخرى أثبت اختلاف شكل الاتجار بالبشر، ففي بعض الدول كان قاصراً على الهجرة غير الشرعية وفي الأخرى كان قاصراً على العمالة، أو الدعارة، أو استغلال النساء، بينما في مصر الأمر مختلف فقد تمثل في زواج القاصرات والهجرة غير الشرعية، واستقطاب المواطنين لتجنيدهم في عمليات إرهابية، وتسفير النساء تحت عناوين الجهاد والنكاح وغيرها.
وأكدوا أن القانون به مزايا كبيرة فهو حديث لم يمر عليه أكثر من 11 عام وأفكاره جديدة قد لا تكون متوفرة في غيره من القوانين، فهناك جهة مسؤولة عن تنفيذه وهي اللجنة التنسيقية، وبه عقوبات مشددة ونطاق تطبيقه واسع جداً سواء في الأشخاص أو الأماكن، وبه مادة خاصة بحماية الضحايا والمبلغين والشهود، وأنشأ له صندوق لرعاية الناجيات من الاتجار بالبشر، والفكرة الأهم هي أنه جعل مصر في مصاف الدول التي تعمل على مواجهة تلك الجريمة.
واعتبروا أن أهم التحديات التي تواجه العمل في هذا القانون تمثلت في المادة 2 منه التي تنص على أنه "يعد مرتكباً لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعي..."، فرغ من أن بعض الأمثلة المذكورة في المادة يحتذى بها إلا أن صياغتها قد تتسبب في الفهم الخاطئ وهي محدودية الحالات في ذلك النطاق، فضلاً عن فكرة الاستسهال في تناول القضايا فالبعض يفضل البحث عن القانون الأقرب للمعرفة والذي تمت ممارسته سابقاً، كقانون الأحوال الشخصية والعمل والعقوبات بدل البحث في قانون الاتجار بالبشر الحديث، فضلاً عن التعامل مع بعض الجرائم على أنها تقع تحت قوانين أخرى وليست الاتجار بالبشر وهو ما يؤثر سلباً على دقة الإحصائيات، فعلى سبيل المثال "خضوع خادمة للاستغلال الجنسي قد يتم المعاقبة عليه بمخالفة عقد العمل وليس الاتجار بالبشر".
الآثار النفسية للإتجار بالنساء
وعن الآثار النفسية الناجمة عن الاتجار وآليات الدعم النفسي للضحايا قالت طبيبة الأمراض النفسية نعمات علي، أن المرأة من أكثر فئات المجتمع تعرضاً لمختلف أنواع العنف بحسب التقرير العالمي للأمم المتحدة الخاص بالاتجار بالبشر، مؤكدةً أن هناك الكثيرون لا يعلمون أنهم يقعون تحت طائلة أزمة الاتجار، لأنه عادةً ما يقع وسط المقربون من أفراد الأسرة.
وأضافت أن الأزمة تكمن في عدم تلقي الضحايا للمساعدة النفسية المتخصصة التي تمكنهم من مغادرة دائرة "التروما" فبعض الضحايا يساعدن المعتدي على الاستمرار في الاتجار لذلك يجب إخراج النساء من تلك الدائرة ليصبحن ناجيات وهذا هو دور الخدمة النفسية.
وأكدت طبيبة الأمراض النفسية، أن الأحداث الصادمة تجعل الشخص يحمل أفكار سلبية عن نفسه وتفقده الثقة في الآخرين وهذا هو حال الناجيات حيث أصبحت الكثيرات منهن يرتدين نظارات سوداء وهم قطعاً بحاجة لدعم نفسي لإخراجهم من هذا الوضع الصادم، فالأمراض النفسية التي قد يقعون فريسة لها كثيرة لا يمكن حصرها بدايةً من القلق والاكتئاب مروراً بكرب ما بعد الصدمة وصولاً للإدمان في بعض الحالات.
قصص من الواقع المجتمعي للإتجار بالنساء
من أرض الواقع طرح خلال المائدة المستديرة عدد من القصص الواقعية لنساء خضعن للإتجار بالبشر، ومن تلك القصص "فتاة أخبرت الاستشاري الاجتماعي في مؤسسة قضايا المرأة المصرية أنها بيعت مرتين بواسطة والدها فتساءلت ما الأزمة لو قمت أنا ببيع نفسي؟، وأخرى قالت أنها بعد أسبوعين من الزواج فوجئت بالزوج يقول لها أن صلاحيتها انتهت فتعجبت من كون مدة صلاحيتها لا ترتقي لمستوى الجبنة النستو التي تظل جيدة لثلاثة أشهر على حد تعبيرها".
وفي قصة واقعية أخرى لإحدى النساء اللواتي تحدثن عن قصتهن لمنظمة قضايا المرأة تقول "بعد ثلاث أيام من الزواج قال لها الزوج بالأمر عليكِ خدمة أمي فطلبت منه يومان للتفكير وعادت له تخبره أنها ستلبي أمره لأن أمه مريضة وتحتاج خدمتها ولكنها ستأمره أيضاً بالعمل فترة مسائية على أن يكون دخلها لوالدها فهو أيضاً خرج للمعاش وقل ماله وواجب على الزوج مساندته".
واستكمالاً للنماذج المجتمعية للإتجار بالنساء روى المسؤولون عن المشروع قصة حالة امرأة تدعى أم صابرين، فالأب لديه ابنة تمت خطبتها أكثر من مرة ولا يتمكن من تزويجها لضيق الحال، فأعلم أم صابرين أنه سيذهب لبيع كليته من أجل ابنته وبالفعل يتركها ويغيب بعض الوقت ويعود حزيناً لأن كليته بها أملاح ولا تصلح فتقرر الأم أن تضحي هي وتبيع كليتها وفور خروجها من المستشفى تجد الأب قد حصل على الأموال وتزوج بأخرى.
والجدير بالذكر أن المائدة المستديرة شهدت قيام أحد الناجيات بعرض أزمتها وما توصلت له بعد نجاتها من خلال الدعم النفسي والقانوني من قبل مؤسسة قضايا المرأة، كما قامت بعض النساء الناجيات بعرض مشغولات يدوية الناتجة عن استفادتهم من المكون الاقتصادي لمشروع مناهضة الاتجار بالبشر.