ندوة تسلط الضوء على دور الأسرة في التربية والتنشئة الاجتماعية
أجمع المشاركين في الندوة التي نظمت بمراكش، على أن الدور الذي تلعبه الأمهات في تربية أبنائهن من شأنه أن يعزز ثقتهم بأنفسهم وينمي لديهم مهارات التعلم، كما يساعدهم على التعامل مع ضغوطات الحياة خاصة في ظل التحديات الرقمية الراهنة.
![](https://test.jinhaagency.com/uploads/ar/articles/2025/02/20250216-almadt-jpeg8ee911-image.jpg)
رجاء خيرات
المغرب ـ نظمت جمعية النخيل للمرأة والطفل بشراكة مع جامعة علم النفس والتحليل النفسي بفرنسا، ندوة تحت عنوان "الأمومة والأبوة: الجوانب الاجتماعية والنفسية"، أمس السبت 15 شباط/فبراير بمراكش، سلطت الضوء على دور الأمهات والآباء في تنشئة الأجيال وفق القواعد التربوية السليمة، والمبنية على المساواة واحترام حقوق الأفراد والانخراط في الحياة العامة.
ركز المشاركين على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الأسرة في بناء شخصية الطفل بشكل يستجيب لاحتياجاته النفسية والجسدية، مبرزين أهمية الخطاب الذي يوجهه الآباء لطفلهما، والذي ينبغي أن ينبني على ثلاثة أسس، هناك الخطاب الحمائي الذي يوفر الشعور بالأمان للطفل بعيداً عن الإفراط في ذلك، ثم خطاب التقبل حيث يحتاج الطفل إلى الشعور بكونه محبوب ومرغوب فيه من قبل أبويه، ثم الخطاب الأخير وهو الصرامة، لكن دون السقوط في عقاب الطفل.
وانتقد المتدخلون طريقة بعض الأسر التي تعتمد خطاباً أحادياً يرتكز على "أعرف ما يلزمك وأدرك جيداً مصلحتك أكثر منك"، وهوما اعتبروه خطاباً مدمراً للأطفال فيما بعد في مرحلة متقدمة من حياتهم، لكونه لا يأخذ بعين الاعتبار رغبات الطفل واحتياجاته.
وعن تواصل الأمهات والآباء مع الطفل، أكدوا أنه يتم من خلال خطاب ثلاثي الأبعاد، حيث تتم مخاطبة الطفل واقعياً كما هو لذاته، ثم يخاطب الطفل المثالي الذي يوجد في مخيلة الآباء، ثم الطفل القابع في دواخلهم منذ كانوا هم أنفسهم صغاراً، لافتين إلى أن هذا النوع من الخطاب لا يمكن أن يربي أطفالاً بشكل سوي.
على هامش الندوة، قالت المسؤولة عن تطوير التعاون مع كلية علم النفس والتحليل النفسي فاطمة أورساتيلي، إن مشاركتها في هذه الندوة كناشطة تهتم بالتربية، تندرج في إطار خلق مشروع فكري يهدف إلى تتبع دور الأسر في تربية الأبناء وتطورها داخل المجتمع المغربي، خاصة مع التحديات التكنولوجية والرقمية التي يعرفها المجتمع.
وأضافت أن المغرب يتوفر على مخزون ثقافي غني ومتنوع يختلف بحسب الجهات ينبغي الاهتمام به لمواجهة هذه التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، لافتةً إلى أن إعادة التفكير في الدور التقليدي الذي كانت تلعبه الأسر في تربية أبنائها، بعد أن دخل الهاتف الذكي وغيره من وسائل التكنولوجيا الحديثة يعد بالغ الأهمية.
ودعت إلى استحضار الهوية الثقافية للأسر المغربية التي اندثرت لفائدة هذه التحولات التي طرأت على المجتمع، مشيرةً إلى أن الناشطين داخل المجتمع المدني والذين يعملون في هذا الإطار هم بحاجة اليوم إلى تدريبات في علم النفس والتحليل النفسي لمواكبة هذه الأسر ودعمها في لعب الأدوار المنوطة بها في تربية الأجيال.
وأكدت أن هناك شروخات كثيرة شابت العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، وهي بحاجة اليوم إلى ترميمها وإصلاح هذه الأعطاب وإعادة الاعتبار لدور الآباء والأسر في التربية دون الانسلاخ الكلي عن المناخ العام الذي تفرضه التحديات المطروحة، سواء على مستوى التكنولوجيا أو الانفتاح على العوالم الأخرى.
وشددت على أهمية التحليل النفسي في بلورة مفهوم جديد لدور الأسرة في التنشئة الاجتماعية، لافتة إلى أن الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والطلاب الممارسين في المجال الاجتماعي في المستقبل بحاجة إلى تدريب من هذا النوع حتى يتمكنوا من وضع استراتيجيات وتحديد أدوار كل شخص فيما يتعلق بهذا التطور المجتمعي في السياق الحالي، مؤكدة على أهمية التدريب في مجال الصحة النفسية والعقلية للناشطين المدنيين الذي يعملون في هذا المجال.
وكشفت عن سبل التعاون مع جمعية النخيل للمرأة والطفل وما يمكن أن يسفر عنه هذا التعاون من بلورة حلول للمشاكل الأسرية وتعزيز دور الأسرة في تربية الأجيال، نظراً للخبرة التي تتميز بها الجمعية في قضايا الأسرة والأطفال والوساطة الأسرية والتي تمتد لثلاثة عقود من العمل في صفوف النساء والأطفال.
بدورها أكدت رئيسة جمعية النخيل للمرأة والطفل زكية لمريني على أهمية هذه الندوة في تسليط الضوء على التدريب على الأمومة والأبوة "la parentalité"، وهو الموضوع الذي يكتسي أهمية بالنسبة للجمعية، باعتبار عملها منذ تأسيسها عام 1997 على المساواة ومقاربة العنف المبني على النوع الاجتماعي.
وأبرزت أنه على الرغم من عمل الجمعية مع النساء المعنفات برفقة أطفالهن الذين يعانون من آثار هذا العنف، حيث بلغ عددهن 21 ألف امرأة ضحية للعنف بجهة مراكش، إلا أنها خلصت إلى أن المقاربات المعتمدة لمواكبة النساء ضحايا العنف لم تعد كافية، حيث ينبغي العمل على تغيير العقليات، واستهداف الطلاب في المدارس وتوعيتهم بقضايا المساواة بين الجنسين، لا سيما أمام سيادة الثقافة الذكورية غير الإيجابية والتي ينبغي محاربتها.
ولفتت إلى أن انعدام المساواة بين الجنسين داخل الأسر ينعكس سلباً على الأبناء، مما يؤثر على سلوكهم ودراستهم، حيث تبقى ازدواجية الشخصية سائدة داخل المجتمع، مما يتطلب انخراط الحكومة من خلال تسطير برامج توعوية في سياساتها العمومية، واعتماد تدريبات لفائدة الناشطين من أجل تتبع الأسر والأبناء داخل المؤسسات التعليمية، ومن أجل تأهيل الآباء للعب أدوارهم بالشكل المطلوب، خاصة وأنه ليس في مقدور كل الأسر المغربية اصطحاب أبنائها عند الأطباء والمختصين النفسيين.
ولفتت المشاركات إلى أن النساء هن الأكثر تحملاً لمسؤوليات الأسرة وتربية الأطفال، في مجتمع لازال ينظر للتربية بكونها تدخل ضمن مسؤوليات الأمهات، بينما الآباء يقتصر دورهم على العمل خارج البيت وتوفير لقمة العيش.
وخلص المشاركين إلى أن الطاعة ليست هي المطلوبة في تربية الأطفال، لأنها غالباً ما تؤدي إلى أطفال يظهرون اختلالات فيما بعد في سلوكهم، بل ينبغي احترام الطفل وتعليمه تقدير الذات والتعبير عن رغباته ومشاعره، بعيداً عن مشاعر السيطرة والإخضاع، فضلاً عن فتح قنوات الحوار البناء.