ناشطات: العنف الجنسي سلاح الحرب الذكوري
ناقشت الندوة الرقمية لمنصة "جيم" العنف الجنسي في الحروب مع ناشطات من السودان وسوريا وفلسطين، وكيف تحوّل الحروب أجساد النساء إلى ساحات للمعارك، لتترك عليها آثاراً ودوائر قهر مستمرة تبقى على مدى الحياة
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ مع احتدام النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، يتزايد استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب، خاصة تلك التي ترتكب على أجساد النساء والفتيات، والتي تترك عليهن ندوباً جسدية وعاطفية دائمة، وتسلب منهن صحتهن وكرامتهن وسلامهن النفسي.
بمشاركة ناشطات نسويات وحقوقيات، نظمت مؤسسة "جيم" وهي منظمة نسوية جندرية ندوة رقمية أمس الجمعة 22 تشرين الثاني/نوفمبر تحت عنوان "العنف الجنسي في الحروب" وكيف يسود هذا العنف كوسيلة للقمع والترهيب.
وسيرت الجلسة رئيسة مؤسسة "جيم" زينة إرحيم بمشاركة الكاتبة والروائية السودانية سارة حمزة الجاك، والتي تعمل كمطورة لمشروعات ثقافية وهي مؤسسة ومديرة مركز "الفأل" الثقافي، والكاتبة والباحثة والسياسية المستقلة لمى قنوت، والصحفية الفلسطينية لمى أبو خروب.
وقالت الكاتبة والروائية السودانية سارة حمزة الجاك "أول صورة تخطر لي في قضية العنف الجنسي تجاه المستضعفين في الحرب التي تشهدها السودان هي الهروب ببناتي المراهقات من العنف الذي قد يقع عليهن، فالعنف الجنسي كان السبب الأول لفراري مع أسرتي من ولاية الخرطوم".
وأشارت إلى أن "قضية العنف الجنسي قديمة، وتم توثيق العديد من حالات العنف في العصور القديمة"، لافتةً إلى أنه في السياق السوري واللبناني هناك ذاكرة مثقلة بالهلع منها مجازر حماة في الثمانينيات من القرن الماضي والتي أدت إلى الحد من النشاط السياسي للنساء في سوريا ودورهن ونشاطهن في الثورة، ولكنهن رغم ذلك تغلبن على هذا الأمر وشاركن في المظاهرات وفي الأنشطة المختلفة في الثورة السورية".
وأوضحت أن "العنف الجنسي في سوريا مر بأدوار متعددة، وكانت وظيفته ردع الأهالي من الوقوف بوجه النظام، والانتقام منهم خاصة الذين انخرطوا في نشاطات لها علاقة بالثورة، وفي أماكن الاحتجاز غير الرسمية كان القصد منه التسلية والترفيه في فروع المخابرات، وفي فلسطين كان للعنف دوراً في التطهير العرقي والإبادة الجماعية، كما أن داعش استخدم العنف الجنسي كأداة حرب أساسية للإبادة الجماعية ضد الإيزيديات".
ولفتت إلى أنه "تم استخدام العنف الجنسي والاغتصاب في السودان كسلاح ضد الأهالي، ولكن هذا لم يردع النساء من المشاركة في الثورة السودانية في 25 كانون الأول، وللواتي شاركن بنسبة النساء 65 % من القوى المحركة، وانطلقت بزغرودة والتي تعتبر إعلان لبداية التحرر من القمع التي تعرضت له النساء لمدة 30 عاماً".
وعن عودة النساء للساحات وعودة الانحدار مجدداً قالت "كل ما رشح على مواقع التواصل الاجتماعي حصل بنسبة 85 % وحاول الناس توثيق الحالات التي يتم الإعلان عنها، والتواصل معها ومحاولة حفظ الحقوق الذين تعرضوا للعنف الجنسي، وقامت وحدة مكافحة العنف بالمطالبة بالعدالة للانتهاكات الحاصلة، وذلك تزامناً مع انطلاق حركة وحدة مناهضة العنف لمكافحة العنف الجنسي منذ 7 أشهر، أما العمل المدني فقام به أطباء وقانونيين وناشطين في حقوق الإنسان والتوثيق والبروتوكول الطبي للضحايا ومساعدتهم، في المناطق الآمنة والتي لا تزيد عن 25% إضافة للعمل على القوانين لإباحة الإجهاض وتفعيلها".
وأضافت "نتيجة الخلاف السياسي والحرب الأهلية يتم اغتصاب النساء والفئات المهمشة الأخرى، وفي السياق المحلي يكون الحامي هو الفاعل بسبب الخلاف السياسي بعد أن وفرت له السلطة حماية في مواقف لن تمحى في ذاكرة الضحية والمجتمعات، فالإمعان في ترك الأثر السالب، وكذلك الأمر بعد الحروب المتعددة في السودان، كان الاغتصاب من أدوات الحرب، حيث أنهم مررواً أجنداتهم عبر أجساد النساء، ومؤخراً كان هناك حديث عن الإبادة لفئة معينة من السودانيين باستخدام الاغتصاب على النساء والرجال وإخضاعهم".
وأشارت إلى الحوادث الأخيرة لجهة انتحار الفتيات خوفاً من التعرض للاغتصاب كما حصل في ولاية الجزيرة في السودان، من حالات انتحار لفتيات خوفاً من الاغتصاب وهو أمر مؤسف للغاية، ولا مكان للتدخل أو المعالجة "تحضرني حالة بعض الأمهات اللاتي فضلن تقديم أنفسهن ككبش فداء عن الأسرة ليتعرضن للاغتصاب لحماية بناتهن وأزواجهن".
وبينت أن "الحديث عن الاغتصاب جديد على المجتمع السوداني، ومنها تنفيذ القوانين في هذا الشأن، فعادة كان يتم التغطية على حالات الاغتصاب والمعالجة المجتمعية، مثل زواج المغتصب من الضحية، وتخفيف العقوبات، ويكون الحديث عنها عادة في إطار ضيق، وكناشطين نحاول تشجيع الضحايا على التكلم لحماية المجتمع من المغتصب، ولكن لم نستطع الوصول لأحد، لنبقى كناشطين ما بين المجتمع وبين القوانين، وتكون المعالجة بالدية والصلح والزواج، وتدفع الأموال عن الأطفال، ولا يتم توثيق هذه الجرائم كما يحصل في فلسطين".
وشددت على أنه "من المفترض أن نقوم بتوجيه رسالة كناشطين للمجتمع الدولي، والدعوة لدولة المؤسسات المدنية، ولكن في ظل الحروب والموت اليومي، يبقى هذا العنف الجنسي أداة لهذه الحرب، ولكن التوثيق هو الأهم لتتم المحاسبة فيما بعد، أي بعد أن يستتب الاستقرار ويحل الأمان، وإعادة ضبط العنف بأنواعه، وعدم ربطه بالشرف، خصوصاً وأن استخدامه يؤدي إلى أكبر درجة من الإذلال"، مؤكدةً على أن "مسألة التوثيق وحفظ الحقوق، والتوعية للضحايا، والتبليغ ومحاولة الوصول للبروتوكول الطبي والعلاجي، وقد بدأ الحديث عن الأمراض المنقولة جنسيا، وهو نتاج طبيعي لهذه الفوضى".
من جانبها قالت الكاتبة والباحثة والسياسية المستقلة لمى قنوت "أرعبت مجازر مدينة حماة المجتمع وكانت درسا قاسٍ، فالنظام السوري شمولي مسيطر على كل المساحات، وكانت الحركات ضيقة دائماَ، ولم تكن هناك حركة نسائية عدا الاتحاد النسائي، وكانت الموجودات فيه تطالبن بمطالب اصلاحية ثانية، وبتغيير وتحسين القوانين، ولكن في مرحلة الثورة حدث أمراً جذرياً، لجهة قلب نظام الحكم والاستبداد والمطالبة بالمواطنة والتعددية والتداول السلمي للسلطة والمطالبة بدولة مؤسسات، ونجحت المجازر في قمع الشعب، ولكن تراكم الاختناق والمآسي تفجرت على أيدي وطاقات النساء وقطعن أشواطا منذ بدء الأزمة السورية في عام 2011، سواء من حيث العمق المعرفي والمواد المعرفية المنتجة أو إعلاء الصوت وتواجدهن في الساحات، وعلى الرغم من كل النقاط السلبية في الحراك النسوية والفجوات والقصص التي لم تنجح فيها، لكنهن رممن ما فاتهن في زمن قياسي".
وعن الآلية لاستخدام الاغتصاب قالت لمى قنوت "في غزة ومع استمرار الإبادة الجماعية، هناك أصوات حاخامات تفتي باغتصاب الفلسطينيات، وحادثة سيدي تيمان عندما قام مجموعة من الجنود الإسرائيليين باغتصاب فلسطيني في السجن، أما موضوع الوصم بسوريا، فالعنف الجنسي في السلم مؤسساتي، أي يتواطأ المجتمع مع العنف الجنسي، وبأن تصمت النساء، كما تتواطأ القوانين في أشكال مخففة لجهة المغتصب من خلال تزويجه من الضحية وبإجراءات تخفيفية ويتم أعفاه من السجن"، مشيرةً إلى أن "المجتمع والقوانين متواطئة، حيث أن صامت تماماً أمام الجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع في السودان، انتهاكات القوات الاسرائيلية في لذا فالمجتمع الدولي متواطئ ولا يجرم هذه الأفعال، على الرغم من أجندة السلام والأمن والمرأة".
وعن دور المجتمع الأبوي وعلاقته بأهمية الشرف والمبادئ والأدوار الجندرية ودور الرجل كالحامي في السياق السوري تجاه هذه الجرائم سواء في المعتقلات أو في مناطق حكومة دمشق أو المعارضة قالت "عندما يرى الرجل أنها شرفه وبالمقلب الآخر يقوم بالاغتصاب، فهذا له علاقة بالقوة، وبأن هذا نوع من الاستحقاق وأن هذا الجسد هو ملكه، وهناك ثقافة الإفلات من العقاب والتورية على الجريمة جميعها تتواطأ فيها الأسرة مع المجتمع، هذا كله يجعل المجرم مرتاحاً، والحقيقة بدلا من وصف المرأة ضحية في هذه الحالة، يجب وصفها بأنها ضحية/ناجية من الاعتقال ولكنها ليست ناجية من العنف الجنسي، لأن آثار هذا الأمر سيبقى طويلاً، وقد سببت للنساء كوارث من دوائر القهر، لأن ليس هناك وصول للعدالة، وغالبا ما تكون المرأة قد خسرت شبكة الأمان، فهي مضطرة إلى الخروج من السجن".
وبينت أن العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان لا يوصف كعنف جنسي بل كتعذيب لأن هذا يؤدي إلى خلخلة للنظام الأبوي، كونه الحامي وإن تعرض لهذه الأشكال من العنف الجنسي، فقليل ما يتم ذكره".
وقالت "تم ذكر تعديل القانون السوري بالنسبة للاغتصاب، أما القانون العراقي فلا تعديل، وتخفف العقوبة في حال زواج الضحية من مغتصبها، أما موضوع الإجهاض في السياق السوري فأشارت إلى أنه ممنوع قانونا، ومسموح فقط بشكل سري وفي عيادات غير قانونية ما يعرض المرأة لأمراض ومضاعفات وتشوه والموت، وعن الفرق في السياق السوري في الاغتصاب في سجون النظام أو في المجتمع أو الأسرة، فلا يوجد أرقام في سوريا أو تقارير أو أبحاث، أو حتى توثيق، إلا إذا وجدت المرأة أو الرجل لديهم الرغبة بالإفصاح والقدرة على التوثيق، وحتى الذين شهدوا فعددهم قليل، فموضوع العنف الجنسي، ليس في سياق الحديث عنه بشكل علني، وحتى في كتابي".
وطالبت لمى قنوت "بضرورة التوعية المجتمعية والفكر الحر والتربية والتعليم، لأن أمور مهمة خصوصا في التربية الجنسية للأطفال، وخطاب المجتمع النسوي للمجتمع الدولي وليس للمجتمع المحلي، وهذا أمر مهم للغاية، فلم نوثق التهجير القسري وليس العنف الجنسي، فهذا الأمر يتطلب التفكيك والتحليل".
ولفتت إلى أنه مهما كانت هناك محاكمات خارج سوريا للبلدان التي لديها ولاية قضائية، فهي غير كافية ولا تحد من العنف الجنسي، ولم تتم توثيق حالات أكثر توسعت مروحة التوثيق، ولكن الثمن الذي دفعته النساء غالٍ، من قتل وتهجير وحرمان من أطفالهن وممتلكاتهن ومن الأمان، وهي دوائر قهر متواصلة تتعرض لها النساء".
وعن حالات الاغتصاب أن كانت أثناء الحروب أو ضمن المجتمعات المحلية أوضحت الكاتبة والصحفية الفلسطينية لمى أبو خروب أن "هناك اختلاف كبير بين الاغتصاب من المحتل أو من قبل المجتمعات المحلية، لان المحتل من النكبة وحتى اليوم، يستخدم الاغتصاب للسيطرة على الرجال والنساء، والتي تم توثيقها منذ أربعينيات القرن الماضي، ولكن لا يحدث من مؤسسات دولة الاحتلال الذي يتباهى بتوثيق هذه التجاوزات، بل عن طريق المؤسسات الدولية".
وأشارت إلى أن "حالات الاغتصاب ضمن المجتمع المحلي لا يتم الحديث عنه ولا حتى توثيقها كون المجتمع بأكمله برجاله ونسائه يتعرضون للإبادة، فلا توثيق مع ضعف الإمكانيات"، مضيفةً أنه "لا يوجد اجراءات تقمع وقوع حالات الاغتصاب وحتى القتل ولا محاسبة للجاني عدا التوثيق، وقصص الرجال نسمع بها أكثر، ليوثق الاحتلال اذلال الرجال، ولا تصل اخبار كثيرة عن اغتصاب النساء مقابل الرجال، ولا يختلف المجتمع في ادانة الاغتصاب بكافة أشكاله، ولكن الأهم هو كيفية شفاء الشخص من هذا الفعل، فالاغتصاب بالنسبة للكثيرين أصعب من القتل، ولا وصمة اجتماعية كون هذا العدو هو عدو المجتمع بأكمله".
وحول الدائرة المختلفة من العنف الذي تتعرض له الفلسطينيات في لبنان سواء من عشن العنف الجنسي في فلسطين أو في حروب لبنان أضافت "هناك سياق مختلف، فالاغتصاب في أيام النكبة ثم الخروج إلى لبنان، كل ذلك يدل على أن تجربتهن لا تشبه تجرية اللبنانيات أو السوريات فيما بعد اللاتي لم يتعرضن للنكبة، وكذلك في الحديث عن الحرب الأهلية فلا يتم تناول الموضوع، ولا يتم الحديث عن حصار المخيمات أو مجزرة صبرا وشاتيلا وعن هذا النوع من العنف لم يعرفه اللبنانيون بهذه الطريقة ولم تتعرض السوريات لهذا الأمر في لبنان".
وعن تعرض النساء للقتل والوصمة بعد الاغتصاب، عن الطرق للضغط على الحكومات والمجتمعات للتخفيف من استخدام العنف الجنسي كسلاح أكدت "هي حالة مستمرة، فمن المؤكد في ظل الإبادة الجماعية والجوع، فكيف سيوقف المجتمع العنف الجنسي، وللأسف حالات الاغتصاب تترك وكأن الشخص وقدره، فمن المستحيل التدخل وسط ما يحصل، فالمؤسسات المحلية لا تستطيع حتى مؤسسات المرأة لم تتم رغم جميع المناشدات من القضاء أو حتى إنهاء مثل هذه الحالات.
وشددت على أن "المجتمع الدولي يرى ما يحصل في فلسطين وغزة، وهناك توثيق لقصص متعددة، ولم يصدر حتى الأن أي قوانين تحد من وقوعه لذلك يجب توثيق كل الانتهاكات خصوصاً العنف الجنسي لتتم المحاسبة فيما بعد، والمجتمع المحلي لا يستطيع مواجهتها أو إيقافها".