مؤسسة "مؤنث سالم" تطرح إشكاليات المشاركة السياسية للنساء بخمس دول

المشاركة السياسية للنساء من أهم الإشكاليات التي تطرح نفسها، خاصة إذا توفرت فرصة حقيقية لتفعيل هذا الدور، وهو الأمر الذي جعله موضوعاً مطروحاً على العديد من الموائد الحوارية خلال الفترة الأخيرة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ عقدت مؤسسة مؤنث سالم لتمكين المرأة، ندوة ناقشت خلالها المشاركة السياسية للنساء من التمثيل لصناعة القرار، بحضور ممثلات عن خمس دول "مصر، سوريا، اليمن، السودان، فلسطين"، للوقوف على تجارب الدول المشاركة وكذلك تعزيز سبل التعاون فيما بينها لاحقاً على قضايا النساء بتنوعاتها.

الندوة فتحت النقاش حول واقع وأفق المشاركة السياسية للنساء في خمس دول محورية هي "مصر وسوريا واليمن والسودان وفلسطين" حيث تختلف السياقات السياسية، لكن تتقاطع التحديات في ضعف التمثيل، وغياب الإرادة السياسية أحياناً، بالإضافة إلى تأثير النزاعات المسلحة والظروف الاقتصادية والاجتماعية.

 

تجربة مصر والفرص المتعددة 

مراسلتنا في مصر أسماء فتحي وباعتبارها رئيسة مجلس أمناء مؤسسة مؤنث سالم لتمكين المرأة، قالت في مداخلتها أن الندوة استهدفت الاطلاع على واقع النساء من المشاركة السياسية في الدول الخمس، وذلك من أجل تعزيز التواصل فيما بينهم وكذلك الوقوف على آليات عمل مشتركة يمكنها تعزيز هذا التواجد وتفعيله على أرض الواقع.

وعن التجربة المصرية أكدت أن هناك فرصة سياسية حقيقية في الوقت الراهن لتواجد النساء، فالبرلمان السابق شهد أعلى نسبة مشاركة نسائية على الإطلاق، والأمر ذلك بات ظاهر جلياً في السلطة التنفيذية، معتبرةً أنه ورغم التواجد العددي الكبير للنساء إلا أن الأمر بحاجة لتفعيل حقيقي لتلك المشاركة والوصول بها لمراكز صناعة القرارات والفاعلية في صياغة السياسات، خاصة في الأحزاب المصرية التي يمكنها أن تقوم بذلك الدور من خلال منتسبيها في مختلف أنحاء الجمهورية، مع الحرص على تمكين النساء من المشاركة السياسية المبنية على المعرفة والتأهيل والتأثير كذلك.

ولفتت إلى التحديات التي تواجه المرأة في المجال العام وخاصة السياسي منها الثقافة المجتمعية التي تحرص على قولبة النساء وتنميط أدوارهن وحصرهن في الجانب الرعائي دون غيره، فضلاً عن نقص الموارد المالية اللازمة لخوض المعترك الانتخابي وهشاشة وضع النساء في تلك المعادلة، بالإضافة إلى الوصمة والتشهير والعنف الرقمي التي تتعرض له الكثيرات حال رغبتهن في خوض الانتخابات بمختلف أشكالها، مما يجعل الكثيرات يتراجعن عنها خوفاً مما سيحدث لهن من انتهاكات على خلفيتها.

 

التجربة السورية وتأثرها بتطورات الأوضاع

من جهتها، أكدت رئيسة مجلس سوريا الديموقراطية، ليلى موسى أن حضور المرأة السورية ومشاركتها الفاعلة في الحراك الثوري لم يكن وليد اللحظة أو مجرد ردّ فعل عفوي، بل جاء نتيجة عقود طويلة من التهميش والإقصاء السياسي والاجتماعي، مضيفةً أنهن وضعن بصماتهن في الثورة، ليس فقط كصدى لوجع مشترك، بل كموقف واعٍ ومبادر لفتح أفق جديد يقطع مع رمزية التمثيل الزائف الذي فرضه النظام البعثي لعقود، تحت شعارات الحداثة والديمقراطية الشكلية.

وكشفت أن تمثيل المرأة، لا سيما في البرلمان السوري خلال حكم البعث، كان من الأعلى بين الدول العربية من حيث النسبة العددية، إلا أن هذا التمثيل لم يكن سوى واجهة بروباغندا سياسية، فغالبيتهن جرى اختيارهن عبر ما يُعرف بـ"قوائم الظل"، دون أي تمكين حقيقي أو دور فعّال في صنع القرار، بل حتى التنظيمات النسوية، التي أُنشئت تحت مظلة "الاتحاد النسائي السوري"، لم تكن سوى أذرع للحزب الحاكم، تفتقر إلى الاستقلالية والقدرة على التعبير عن تطلعات النساء السوريات، مؤكدة أنه ومع انهيار حزب البعث وإعلانه حل نفسه في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، اختفت معه هذه الهياكل الشكلية، بما يعكس هشاشتها وافتقارها لمعايير العمل المؤسساتي الحقيقي.

وأوضحت أنه رغم المشاركة الواسعة للنساء السوريات في مختلف مجالات العمل، فإن هذه المشاركة بقيت محدودة من حيث النوعية والفاعلية، ولم تُترجم إلى تمكين حقيقي أو حضور مؤثر في مراكز صنع القرار، ولفتت إلى أنه في ظل الحكومة المؤقتة، "يبدو أننا أمام إعادة إنتاج لمنظومة الحكم الأحادي، لكن هذه المرة بغطاء ديني، يُروّج لنموذج نمطي يفرض على المرأة الامتثال له، بما يتعارض مع طبيعتها الفطرية القائمة على الإبداع والتعددية والتنوع".

واعتبرت ليلى موسى أن سوريا اليوم تمر بمرحلة مفصلية من تاريخها، وهذه لحظة نادرة تتطلب من الجميع، نساءً ورجالاً، أن يتحملوا مسؤولياتهم بجدية لبناء وطن جديد، متحرر من موروث الحزب الواحد والتفكير الأحادي، وطن يقوم على التعددية، والمواطنة، والعدالة، والمساواة بين الجنسين، ويمنح المرأة والشباب دورهم الحقيقي في القيادة والريادة، "فقط عبر بناء مؤسسات وطنية حقيقية، تقوم على تمثيل عادل يراعي النوع الاجتماعي والتنوع المجتمعي، يمكننا الاستثمار بسوريا المستقبل وضمان تنميتها واستقرارها وازدهارها".

 

تجربة اليمن وتحدياتها

فيما اعتبرت رائدة الذبحاني، دكتورة القانون الدولي الإنساني وسفيرة السلام، أن قضية مشاركة المرأة في الحياة السياسية في اليمن اكتسبت أهمية مضاعفة بسبب الأوضاع المركبة التي تعيشها البلاد منذ عقود، والتي تعمقت بشكل خاص مع اندلاع الحرب منذ عام 2014، إذ تواجه المرأة اليمنية اليوم تداخلاً معقداً من التحديات ومنها تلك السياسية المرتبطة بغياب النظام وتفكك مؤسساتها، والاجتماعية متجذرة في الأعراف والتقاليد، والثقافية متصلة بالنظرة النمطية لدور النساء، إلى جانب التحديات الأمنية والاقتصادية التي أفرزها النزاع المسلح، مضيفةً أنه ورغم هذه القيود، فإن المرأة اليمنية برزت كفاعل اجتماعي وسياسي غير تقليدي، وأسهمت بدور مؤثر في ميادين العمل المدني، وصناعة السلام، والمبادرات المحلية.

وعن التحديات التي تواجه اليمنيات أكدت أن هناك غياب البيئة التشريعية الضامنة فالقانون الانتخابي اليمني لم ينص على كوتا نسائية أو أي تدابير تفضيلية، ما جعل وصول النساء إلى البرلمان أو المجالس المحلية ضعيفاً جداً (0.3% قبل الحرب)، فضلاً عن تهميش الأحزاب السياسية لكون معظمها تضع النساء في مواقع رمزية دون صلاحيات حقيقية، وغالباً تستبعدهن من دوائر صنع القرار، بالإضافة إلى الحرب والانقسام المؤسسي حيث النزاع المسلح أدى إلى شلل مؤسسات الدولة، وغياب الانتخابات، وبالتالي حرمان النساء من أي فرص حقيقية للمنافسة أو المشاركة.

وترى أن هناك الكثير من التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجه اليمنيات ومنها الذهنية الذكورية، فهناك قناعة مجتمعية واسعة بأن المرأة غير مؤهلة للعمل السياسي، وأن دورها الأساسي يقتصر على الأسرة، مؤكدة أن المجتمع الذي تحكمه الولاءات القبلية، غالباً ما يُنظر إلى مشاركة المرأة في السياسة باعتبارها خروجاً عن الأعراف، فضلاً عن ضعف الوعي المجتمعي، ووجود التهديد والعنف الذي يعرقل مسيرة النساء وما أحدثته الحرب من تهجير مئات الآلاف من النساء، مما جعل أولوياتهن ترتبط بالبقاء والمعيشة بدلاً من المشاركة السياسية.

 

السودان وتحديات المشهد الداخلي

وضع المشاركة السياسية للنساء في السودان اليوم ما زال يتسم بتناقضات قوية فرغم وجود جهود واضحة من منظمات المجتمع المدني والدولي لدعم تمثيل النساء وتمكينهن، مثل التدريب، التحشيد، والمطالبات بقوانين ونسب تمثيل عادلة من جهة إلا أنه النزاع المستمر وعدم استقرار مؤسسات الدولة يضعان عوائق ضخمة أمام تفعيل هذه الحقوق بصورة ملموسة، فالنسب الرسمية للتمثيل غالباً ما تبقى دون المستهدف، والنساء غالباً ما يُستبطنن في مراكز القرار أو يُستثنين منها في الاتفاقات السياسية.

قالت الناشطة والخبيرة في مجال الإعاقة ورفع قدرات النساء سعدية عيسى إسماعيل أن كل القضايا المطروحة "نسوية" سواء اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية وجميعها تصب في قالب التنظيم العادي، مضيفةً أن للمرأة الحق في اختيار أي وضع سياسي  يمكنها من صناعة القرار.

وتحدثت عن واقع الحرب وما تشكله من عبء لا يمكن الاستهانة به لكون النساء الأكثر تضرراً بويلاتها معتبرةً أن بحث كيفية وصول النساء لصناعة القرار واتخاذه ضرورة لكونهن عادة ما يخضعن لسلطة الغير في تلك المساحة تحديداً نظرا للذهنية الذكورية المسيطرة والتي تعمد إلى إقصائهن.

وترى أن النساء يفتقرن للحراك الجماعي فكل تجربة قاصرة على ذاتها حتى على الصعيد الإعلامي، بينما العمل الجماعي العابر للحدود عادة ما يكون ملهم ومؤثر، معتبرة أن وضع اللاجئات في المشاركة السياسية للانتخابات في حالة الحرب مختل ولا توجد أمام النازحات واللاجئات فرص كبيرة فقط دورهن ينحصر في توضيح دور السودان والخطوات القادمة مؤكدة أن المشوار طويل لتعود الأوضاع مستقرة ويعاد تشكيل المشهد مجدداً.

 

العمل التشاركي الإقليمي ممكن

من جهتها أكدت منى الشماخ، أمينة إعلام الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والمنسق الإعلامي للتحالف الديمقراطي الاجتماعي في الوطن العربي، أن الندوة استعرضت التجارب السياسية المختلفة في مصر وفلسطين وسوريا والسودان واليمن، وهي نطاقات هامة وبها أحداث ساخنة.

وأضافت أن الندوة ناقشت المشاركة السياسية للمرأة من التمثيل لصناعة القرار وعلاقتها بالتنمية وسبل تمكين النساء في الدول المختلفة من المشاركة الحقيقية وأثر ذلك على التنمية المستدامة، مؤكدة أن الندوة خطوة مهمة في التعرف على تجارب الآخرين نظراً لخصوصية كل دولة في الممارسة رغم تقاطعيتها مع الأخرى وهو ما يثري النقاش.

وأوضحت أن هناك الكثير من اللقاءات إلى أن الفعل يتطلب عادة البحث في الخبرات المختلفة للخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ ومنها الوقوف بشكل مشترك على التنفيذ والتشاركية خاصة في النقاط التي تحتوي على تقاطعية يمكن العمل المشترك عليها، لافتةً إلى أن وجود الأحزاب والمشاركة عن طريقهم هام وضروري في دعم المشاركة السياسية للنساء.

 

التجربة الفلسطينية

وقالت نجوى اقطيفان، ممثلة عن اتحاد المرأة الفلسطينية فرع مصر، إن "مشاركتنا تتزامن مع مرحلة إقليمية دقيقة، حيث يتقاطع مطلب تمكين النساء سياسياً مع ضرورة التعافي الوطني والتنمية المستدامة، لا سيما في ظل الاحتلال الذي يضع أمام المرأة الفلسطينية أعباء مضاعفة على حقها في المشاركة والظهور في الحياة العامة".

ولفتت إلى أن أحدث البيانات الوطنية بينت أن النساء الفلسطينيات يشكـلن قرابة نصف المجتمع الفلسطيني بنهاية عام 2024، وأن حضورهن في مواقع صنع القرار يتقدم بخطى ثابتة رغم البطء، بما يعكس إرادة التغيير لدى النساء والمؤسسات الرسمية والمجتمع على حد سواء، مضيفةً أنه على المستوى المحلي، أبرزت الانتخابات البلدية 2021–2022 تقدماً ملموساً في التمثيل النسائي، حيث بلغت نسبة النساء نحو 21% من أعضاء المجالس المنتخبة، وهو تطور ملموس قياساً بالدورات السابقة، ويؤكد جدوى المشاركة حين تتوافر آليات تمكينية عادلة ومؤثرة.

وأوضحت نجوى اقطيفان أن بعثات المتابعة الدولية بالإدارة الإجرائية الجيدة للانتخابات البلدية الأخيرة، لكنها أكدت الحاجة إلى فتح الدورة الديمقراطية العامة بانتظام، لأن انتظام الاستحقاقات شرط أساسي لترسيخ التمثيل المتوازن واستدامة المشاركة، مؤكدة ان سقف القيادة السياسية بحاجة إلى رفع منهجي؛ إذ أظهرت المعطيات الرسمية خلال 2023 أن نسبة الوزيرات تبلغ حوالي 12%، مع امرأة واحدة فقط من أصل 15 محافظة، ونحو 1% فقط من رؤساء المجالس المحلية من النساء، وهي فجوة واضحة تتطلب إصلاحاً متكاملاً على الصعيد الحزبي والتشريعي والإجرائي.

وأكدت أن النساء سجلن نحو خٌمس الجهاز القضائي، وحوالي 18% في النيابة العامة وفق الإحصاءات الحديثة، ما يبرهن على قدرة النساء على الوصول إلى مواقع حساسة ضمن منظومة العدالة الوطنية، موضحةً أن المؤشرات أظهرت أن نسبة النساء في الوظائف الإدارية حتى عام 2024 شهدت تحسناً تدريجياً، لكنها ما تزال دون المستوى المرغوب في المناصب العليا، وهو ما يستدعي خطط ترقية منهجية وتخطيطاً وظيفياً يراعي النوع الاجتماعي.

واعتبرت أن الوضع الحالي يتطلب مراجعة تشريعية ترفع الكوتا إلى 30% على الأقل في التشريعي والمحلي، مع ترتيب ملزم يضمن تموضع النساء في المواقع المتقدمة على القوائم، بما يستجيب لمطالب الحراك النسوي والقرائن المقارنة فضلاً عن ضرورة وجود تمويل انتخابي عادل وتيسيرات لوجستية للمرشحات، إلى جانب التزام حزبي صريح لترأس النساء القوائم التنافسية، وتوسيع شبكات الدعم المجتمعي والإعلامي والتدريب القيادي، بالإضافة إلى حماية الحق في الحركة والتنظيم والعمل العام عبر آليات عربية ودولية لرصد الانتهاكات ومساءلة مسببيها، بما يضمن تمكيناً حقيقياً للحق الديمقراطي.

 

المرأة موجودة بقوة في مختلف المجالات

وقالت رئيسة مجلس إدارة مؤسسة ذات للتنمية والصداقة بين الشعوب هبة هلالي، إنها عملت خلال عام 2015 مع الهيئة العامة للاستعلامات على الانتخابات البرلمانية ولمست وجود دور واضح للمرأة في المشاركة السياسية، لافتةً إلى أن الندوات التوعوية التي تمت حينها غيرت الكثير في وعي النساء خاصة فيما يتعلق بالانتخابات وفهمت الكثيرات دورهن في صناعة القرار على مستويات عدة.

وأوضحت أن أحد أهم المكتسبات التي تحققت بعد الثورة المصرية تتمثل في العمل من أجل إشراك النساء بشكل فاعل في مختلف المجالات خاصة السياسي منه والاجتماعي ومنها العمل على رفع الوعي السياسي للمرأة كونها قلب هذا الوطن النابض، لافتةً إلى أن النساء في الصعيد لديهن مبادرات قوية تدعم القرار السياسي والاقتصادي والسياسي "واقع المرأة اختلف تماماً على مختلف المستويات إذا ما تمت مقارنته بما قبل 60 عام مضت سنجد تحول حقيقي لصالح المرأة جعلها رائدة ومتمكنة".