مصير النساء في سوريا وغزة... هل يحمل المستقبل الأمل أم مزيداً من المعاناة؟

بينما تعيش النساء في سوريا وغزة تحت وطأة الحروب والأزمات، وتواجهن تحديات مصيرية تتراوح بين التهميش، فقدان الحقوق، وانعدام الأمان، وسط مستقبل غامض يطرح تساؤلات حول إمكانيات التمكين أو استمرار الإقصاء.

نغم كراجة

غزة ـ شددت المحللة السياسية تمارا الحداد على ضرورة إنشاء إطار قانوني يضمن حماية المرأة من العنف والتهميش، ويعزيز مشاركتها في الحياة الاقتصادية والسياسية وجميع الميادين الأخرى في ظل التغيرات والتحولات التي تشهدها الساحة السورية وغزة.

تواجه النساء في كلٍّ من سوريا وغزة أوضاعاً إنسانية كارثية نتيجة الحروب والصراعات المستمرة، حيث تعانين من التهميش، فقدان المعيل وانعدام الأمان المعيشي والصحي، ففي سوريا ما زال الغموض يحيط بمستقبل المرأة في ظل التحولات السياسية، بينما في غزة، تواجه النساء أقسى الظروف وسط الدمار ونقص الإغاثة رغم وقف إطلاق النار الهش.

بينما يتأرجح الواقع بين الأمل والمعاناة، يبقى السؤال الأهم هل ستشهد المرحلة القادمة تمكيناً حقيقياً للمرأة، أم مزيداً من التهميش والإقصاء؟

 

المعاناة اليومية

أكدت المحللة السياسية تمارا الحداد أن نساء غزة تعشن أوضاعاً كارثية بكل المقاييس، حيث إن الحرب لم تترك مجالاً للحياة الكريمة، وجعلت المرأة الفلسطينية أكثر المتضررين من تداعياتها فمع تدمير المنازل، وغياب المأوى وانعدام الأمن الغذائي، أصبح واقع الفلسطينيات مأساوياً إلى أقصى حد، فالغالبية العظمى من النساء في غزة لا تعملن، مضيفةً "المرأة التي فقدت أحد أفراد أسرتها تجد نفسها اليوم بلا سند أو مصدر للدخل، مما يجعلها تعيش ظروفاً قاسية وسط غياب تام لأي ضمانات".

وأوضحت أن المشهد في غزة اليوم معقد، فوقف إطلاق النار لم يجلب الاستقرار الحقيقي بعد، وإعادة الإعمار ما زالت مجرد وعود تنتظر التنفيذ، بينما تظل معاناة النساء قائمة في ظل فقدان الأمن، نقص الخدمات الأساسية، وانعدام الحماية الاجتماعية "الوضع الراهن لا يتيح لهن سوى خيارين، إما الصمود في ظروف قاسية تتطلب قوة نفسية هائلة، أو التفكير في الهجرة بحثاً عن الأمان والاستقرار المفقود".

وأكدت أنه رغم كل هذه التحديات، لا تزال المرأة الفلسطينية تحمل على عاتقها مسؤولية الحفاظ على النسيج الاجتماعي، فهي الأم، الزوجة، المعيلة والمقاومة في وجه كل الظروف القاسية "إن إعادة إعمار غزة لا تعني فقط بناء البيوت التي دمرتها الحرب، بل تعني أيضاً إعادة بناء الإنسان، وإعادة الأمل لمئات الآلاف من النساء اللواتي فقدن كل شيء، بدءاً من الأمان، مروراً بمنازلهن، وصولاً إلى أحبائهن".

وأشارت إلى أن المجتمع الدولي والعالم العربي أمام اختبار حقيقي، فإما أن يكون هناك تحرك جاد لإنهاء معاناة النساء، وضمان حقوقهن في العيش بكرامة، وإما أن يستمر الصمت الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والمعاناة "لقد أثبتت المرأة أنها قادرة على الصمود، لكن هذا الصمود لا يجب أن يكون بلا دعم، بل يجب أن يُترجم إلى سياسات واقعية توفر لها الأمن والاستقرار، وتمكنها من أن تكون جزءاً فاعلاً في إعادة بناء وطنها من جديد".

وأوضحت أن الأيام القادمة ستحدد مسار غزة، ومستقبل النساء فيها، فإما أن يتحقق الأمل بإعادة الإعمار والاستقرار، أو أن تبقى هذه المدينة وأهلها رهائن لصراعات سياسية لا يبدو أن نهايتها قريبة.

 

التحديات التي تواجه المرأة السورية

شهدت سوريا خلال السنوات الأخيرة تحولات سياسية واجتماعية عميقة أثرت بشكل مباشر على مختلف فئات المجتمع، وكان للمرأة نصيب كبير من التحديات التي فرضتها هذه المتغيرات، فقد أدت الأزمة إلى تراجع دور النساء في الحياة العامة، رغم مشاركتهن الفاعلة سابقاً في مختلف المجالات.

ومع بروز قوى جديدة، تُطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المرأة السورية وحقوقها في المرحلة القادمة، فهل ستتمكن من استعادة مكانتها والمشاركة في بناء الدولة، أم ستواجه مزيداً من التهميش والإقصاء؟

وفي ضوء التحولات السياسية التي تشهدها سوريا، تبرز مسألة حقوق المرأة كأحد المواضيع الأكثر أهمية وأولوية، وفي هذا الإطار تطرقت تمارا الحداد إلى واقع النساء في سوريا الجديدة، مؤكدة أن هناك تهميشاً واضحاً لحقوق المرأة في ظل الأزمة التي شهدتها البلاد منذ عام 2011.

وترى تمارا حداد أن تلك الحروب، سواء بين النظام والمعارضة أو بسبب التدخلات الإقليمية، أسهمت بشكل كبير في دفع النساء إلى الخلف، مما جعلهن تعشن ظروف قاسية وغير عادلة، مشيرةً إلى أن النساء السوريات كن في السابق جزءاً أساسياً في العديد من المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولكن الواقع الحالي لا يعكس ذلك التواجد الفاعل "من خلال هذه الحروب المتواصلة، أصبح دور المرأة محدوداً في المجتمع السوري، على الرغم من الدور الكبير الذي لعبته في دعم المجتمعات المحلية خلال سنوات الأزمة، وبينما شهدت المنطقة بعض التغيرات في الآونة الأخيرة، تظل أسئلة عدة مفتوحة حول مستقبل المرأة في سوريا، خاصة في ظل التطورات السياسية الأخيرة التي شهدتها البلاد".

 

هل ستمنح المرأة دوراً في المستقبل السياسي لسوريا؟

بعد عام 2011، ونتيجة لتعدد الأفرقاء المتصارعين داخل سوريا، تزامن التغيير في الهيكلية السياسية للبلاد مع تغييرات اجتماعية عميقة، مع تصاعد التوترات السياسية، ظهرت العديد من الفصائل المسلحة التي أسهمت في تعزيز التوترات الطائفية والأثنية، وكانت هيئة تحرير الشام التي قادها أحمد الشرع (الجولاني) من أبرز هذه القوى مؤخراً.

قالت تمارا الحداد إن هناك تساؤلات جوهرية حول الدور الذي ستلعبه المرأة في هذا النظام السياسي الجديد "نواجه مرحلة دقيقة في تاريخ سوريا، حيث يبرز سؤال مُلح، هل ستكون للمرأة السورية مكان في النظام السياسي الجديد؟".

من خلال هذه المرحلة، تتوقع تمارا الحداد أن يكون من الصعب التنبؤ بشكل واضح حول مصير المرأة في ظل هذه القوى السياسية الجديدة، هل سيتم تجاهل حقوقها كما في أفغانستان؟ أم ستظل سوريا دولة تتسع لجميع الفئات المجتمعية بما فيها المرأة؟ "المرأة في سوريا تحمل تاريخاً طويلاً من الكفاح والمشاركة في الحياة السياسية، ولكن التحديات التي ستواجهها ستكون كبيرة، خاصة في ظل صعود الحركات التي قد تكون أقل انفتاحاً على مشاركة المرأة".

 

مخاوف الإقصاء

من بين أكبر المخاوف التي تعبر عنها تمارا الحداد، هو احتمال أن تواجه المرأة السورية سياسة الإقصاء التي تجعلها تفتقد لحقوقها الأساسية "من أكبر المخاوف التي تساورنا هو أن يتم إقصاء النساء من المشهد السياسي، في وقت نحتاج فيه إلى دورهن الفعال في بناء مستقبل سوريا"، مشيرة إلى التجربة الأفغانية، حيث تم حرمان النساء من التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة، وهو ما يمثل أحد السيناريوهات المخيفة التي قد تواجهها المرأة السورية في المستقبل إذا لم تتم حماية حقوقها.

واعتبرت أن الوضع في سوريا يختلف بشكل كبير عن أفغانستان من حيث الفكر الاجتماعي والسياسي فالمجتمع السوري وفقاً لها، يمتاز بتعددية دينية وطائفية وثقافية، وهو ما يجعل من الأهمية بمكان أن يتم إشراك جميع الفئات في العملية السياسية والاقتصادية "سوريا ليست بلد ذات طابع واحد، بل هي مزيج من الهويات الثقافية والدينية، وإذا لم يتم احتساب هذه الفروق، فإننا قد نواجه عواقب وخيمة على استقرار المجتمع في المستقبل".

 

اختبار حقيقي لمشاركة المرأة في صنع القرار

أحد أكبر التحديات التي ستواجه المرأة السورية هو قدرتها على الوصول إلى المناصب القيادية وصنع القرار كما أكدت تمارا الحداد "إذا لم يتم تمثيل النساء في المناصب السياسية والإدارية، فإن ذلك سيكون بمثابة تهميش لدورهن في بناء الدولة المستقبلية"، معتبرة أن المرحلة القادمة ستحدد بشكل حاسم ما إذا كانت المرأة ستتمكن من تحقيق حضور فعّال في مختلف الميادين.

ورغم هذه المخاوف، إلا أن تمارا الحداد ترى أن هناك خطوات يجب أن تتخذها مختلف الأطراف المعنية لتحقيق التغيير المنشود "لا يمكن للمرأة أن تتقدم إذا لم يكون هناك تكاتف حقيقي بين جميع فئات المجتمع، بما في ذلك النساء أنفسهن، وكذلك المؤسسات الحقوقية والأمنية المعنية"، مشددة على ضرورة أن يكون هناك إشراف قانوني واجتماعي فعال على حقوق المرأة في سوريا، بحيث يتم ضمان مشاركتها بشكل كامل في العملية السياسية.

 

الخطوات العملية المطلوبة لتعزيز دور المرأة

من أجل تمكين المرأة السورية في المرحلة المقبلة، تتطلب المرحلة الجديدة خطوات عملية لضمان حقوقها، أبرز هذه الخطوات، كما أوضحت تمارا الحداد هي ضرورة إنشاء إطار قانوني يضمن حماية المرأة من العنف والتهميش، فضلاً عن تعزيز مشاركتها في الحياة الاقتصادية والسياسية "يجب أن يكون هناك قوانين واضحة ومؤسسات رقابية تهتم بأوضاع المرأة وتضمن حقوقها في العمل والتعليم والمشاركة السياسية".

واعتبرت أن الإعلام يمكن أن يلعب دوراً مهماً في هذا السياق "إن الإعلام يجب أن يكون لاعباً رئيسياً في هذا التحول الاجتماعي، ليس فقط في نشر الوعي حول حقوق المرأة، أيضاً في تسليط الضوء على نماذج من النساء الناجحات ودورهن في المجتمع"، داعية إلى ضرورة تعزيز الوعي الدولي بضرورة احترام حقوق المرأة في سوريا، وكذلك ضمان مشاركتها في جميع المجالات السياسية والاجتماعية.

 

التحديات وآفاق المستقبل

وأكدت تمارا الحداد أنه تبقى عدة أسئلة مفتوحة حول مستقبل المرأة السورية في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد معبرة عن تفاؤلها بحتمية أن تكون المرأة جزءاً فاعلاً في المستقبل السوري، إلا أن الطريق إلى ذلك ليس سهلاً "سوريا يجب أن تكون نموذجاً يحتذى به في المنطقة، ونأمل أن يشهد المجتمع السوري قريباً تحولاً حقيقياً في طريقة تعامله مع النساء".

إن المرحلة القادمة ستبقى اختباراً حقيقياً لإمكانية تحقيق المساواة والعدالة للمرأة في سوريا، وهي مسؤولية جماعية تتطلب التعاون من جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك السياسيين، الحقوقيين، والمجتمع الدولي.

وفي نهاية حديثها، قالت المحللة السياسية تمارا الحداد إن "معاناة النساء في سوريا وغزة تعكس حجم الأزمات الإنسانية التي خلفتها الحروب والصراعات المستمرة، حيث يجدن أنفسهن بين فقدان الحقوق وانعدام الأمان في واقع قاسٍ يهدد مستقبلهن، ورغم ذلك يبقى صمود المرأة الفلسطينية والسورية شاهداً على قدرتها على التحدي والتكيف، في انتظار حلول تضمن لهن حياة كريمة ومستقبلًا أكثر استقراراً".