مقاومة كوباني باتت مصدر إلهام للنساء الساعيات للحرية

على مدى العقد الماضي، كان الأول من تشرين الثاني/نوفمبر بمثابة تذكير بالنضال الذي خاضته المرأة الكردية في كوباني من أجل بناء العالم الذي تريده، والتي أصبحت مصدر إلهام للنساء المحبات للحرية في كافة أنحاء العالم.

برجين سلطان

طهران ـ في عام 2014، وقفت نساء وفتيات كوباني في ساحة المعركة ضد داعش، من خلال تشكيل وحدات نسائية متكاملة، أدخلت النور في قلب الظلمة والدمار.

لقد مر عشر سنوات على اليوم الذي سيطر فيه داعش على مناطق واسعة من العراق وسوريا؛ فمع بداية أيلول/سبتمبر 2014، حاصر داعش مدينة كوباني في إقليم شمال وشرق سوريا، بهدف الاستيلاء عليها. الحصار والهجمات التي استمرت 134 يوماً، جوبهت بمقاومة لم تنكسر رغم إغلاق الحدود التركية أمام الكرد، وقلة التعزيزات والأسلحة والغذاء والدواء، ومع تشديد الحصار من قبل داعش كان الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، لكن كوباني ونسائها لم يتوقفوا عن المقاومة، ولهذا سمي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر باليوم العالمي للتضامن مع مقاومة كوباني.

تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة شادي شادمهر "في الواقع، قبل نضال المرأة الكردية في كوباني، كانت نظرتي للمرأة الكردية مختلفة عن اليوم، كنت أتابع أخبار وأحداث تلك الفترة ونضالاتها باهتمام إعلامي كبير وأصبح هذا الأساس للتعرف على النساء الكرديات حول العالم، بدأت بالبحث والتعرف على حياة المرأة الكردية في فترات زمنية مختلفة في كردستان، والآن لدي فهم أعمق للمرأة الكردية المناضلة في جميع أنحاء العالم، وبدون أدنى شك الجهود المبذولة ونضالات المرأة الكردية يمكن أن تكون قدوة وإلهاماً للباحثين عن الحرية والساعين لها".

وأضافت "أعطت المرأة الكردية في مقاومة كوباني معنى جديد للنضال والمقاومة، لم تظهر فقط كمقاتلة شجاعة في ساحة المعركة، بل لفتت الانتباه إلى مدى سعيها لاستعادة الهوية الوجودية للمرأة وحريتها ولا تزال مستمرة"، مشيرةً إلى أن نضال نساء كردستان ليست عسكرية فقط، بل هو نضال فلسفي وأخلاقي ضد التطرف والقمع والتمييز "حملت نساء كوباني السلاح لتثبتن أن حرية الإنسان وكرامته ليست مرتبطة بالجنس والقيود المفروضة على المجتمع عبر التاريخ، وأنه من حق كل إنسان أن يناضل من أجل المساواة والحرية خارج نطاق الجنس والعرق".

وأكدت على أن "مقاومة نساء كوباني تذكرنا من الناحية الفلسفية بأن الحرية والعدالة ليست مفاهيم مجردة بل قيم لا يمكن تحقيقها إلا بالإرادة والعمل، لقد أصبحت تلك المقاومة رمز لإعادة دور المرأة في المجتمعات التي فرضت عليها الصمت والتهميش مرات عديدة بسبب الأحكام المسبقة. وفي كوباني، تغلبت المرأة على القيود بقوتها وأظهرت أنها ليست ضحية بل هي بطلة ولديها القدرة على تغيير مصيرها والمجتمع وتحقيق الحرية والتحرر من الظلم والظلام".

من جانبها تقول الباحثة في العلوم السياسية والناشطة النسوية برناز عبد المالكي "تأثر الكرد بربيع الشعوب وحالات عدم الاستقرار والأزمات التي شهدتها مختلف البلدان، خاصة في دولتي العراق وسوريا، وإلى حد ما في تركيا. وتختلف سياسات الدول الإقليمية بشكل كبير تجاه الكرد، وهذا ما جعل الاتجاهات والنتائج المتعلقة بأوضاع وتطورات المنطقة أكثر تعقيداً ولا يمكن التنبؤ بها".

وأوضحت أن "هناك عدة انقسامات داخلية بين الكرد وأحزابهم المختلفة عبر تاريخ النضال الكردي، وكانت هناك منافسة شديدة بينهم، إن قضية الكرد كانت من أهم القضايا منذ سنوات طويلة وستظل إحدى القضايا المهمة ولها أولوية ومؤثرة في الشرق الأوسط"، لافتةً إلى أن "العالم أجمع كان قلقاً من سقوط العراق وسوريا في أيدي داعش، وكان أردوغان ينتظر الاحتفال بسقوط كوباني في أقل من يومين، إلا أن شباب وشابات المدينة أحدثوا بتضحياتهم الأسطورية والملحمية أولى الهزات في جسد داعش الدموي وفتحوا نافذة النور والأمل على القلوب بأن (المقاومة هي الحياة)".

وأضافت "صرخة النساء والفتيات الإيزيديات اللواتي وقعن في أيدي داعش لا تزال تسمع في العالم وتثير غضب المجتمع الإنساني"، مشيرةً إلى أن "الكرد في إيران وشرق كردستان يقاتلون ضد المتطرفين منذ سنوات عديدة، ويستمر هذا النضال في مختلف مدن شرق كردستان، ومن ناحية أخرى، العديد من شباب وشابات شرق كردستان حملوا السلاح وشاركوا في الدفاع عن كوباني، والآن يتم شن هجمات جوية وبرية على روج آفا من قبل القوى المهيمنة في العالم بقيادة الدولة التركية".

وأشارت إلى الهجمات الأخيرة من قبل تركيا على روج آفا وخاصة مدينة كوباني تسببت بأضرار مادية ومعنوية كبيرة للأهالي "في الواقع، استمرار مثل هذه السياسات دليل على حقيقة أنهم لا يريدون لهذا الجزء من كردستان أن يحقق الاستقلال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. لكن شعب روج آفا وصل إلى هذا المستوى من الاستقلال الفكري والسياسي لدرجة أنه يعتقد أن الطريق الوحيد لتحقيق الحرية والمساواة هو الإدارة الذاتية للشعب، وإلا فإنه من المستحيل الحديث عن الحرية والمساواة. لأن نظام الدولة القومية مؤسسي بني على أساس القوة ورأس المال".