منظمة LAW وهيئة الأمم المتحدة للمرأة تصدران تقريراً حول الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي

نشرت منظمة "الحركة القانونية العالمية" وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان تقريراً تناول الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

بيروت ـ لأول مرة، وبعد ما يزيد عن 47 عاماً من الصمت المطبق على معاناة آلاف النساء خلال الحرب الأهلية اللبنانية، تم جمع بيانات عن الجرائم الجنسية المرتكبة ضد النساء والفتيات خلال الحرب الأهلية 1975-1990.

في تقرير مطول صادر عن منظمة حقوق الإنسان، ومنظمة "الحركة القانونية العالمية" Legal Action Worldwide الحقوقية، والتي يشار إليها باختصار بـ LAW تحت عنوان "اغتصبونا بجميع الطرق الممكنة، بطرق لا يمكن تصورها" تم توثيق الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

 

البدايات

تمكنت المنظمة من بدء التحقيق بعد إقرار مجلس النواب اللبناني، بعد سنوات من المطالبات، بـ "قانون المفقودين والمخفيين قسراً" الذي حمل رقم 105 في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، لتتم المصادقة عليه بعد ذلك بعامين، لتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في أماكن وجود من اختفوا في الحرب، كما ساهمت ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 في إتاحة هذه الفرصة لمعالجة أخطاء الماضي، فلوحظ تصدر النساء الاحتجاجات ومطالبتهن بالاعتراف بحقوقهن وبحقوق الفئات المهمشة الأخرى.   

وقضى أعضاء فريق LAW   نحو 18 شهراً في إجراء المقابلات مع الناجين والضحايا والشهود، من ثماني مناطق وسجلت عدة مجموعات روايات شهود العيان، حيث تحدث الكثير منهم لأول مرة منذ محنتهم، ليتم إعداد تقرير أولي بناءً على الشهادات والإطار القانوني الوطني والدولي المعمول به. 

ويسلط التقرير الجديد المكون من 82 صفحة الضوء عبر شهادات من ناجيات وشهود على محنة النساء والفتيات خلال الحرب الأهلية اللبنانية والتي يشار إليها بالجرائم القائمة على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي والتعذيب الجنسي، والتي كانت منتشرة خلال الحرب الأهلية اللبنانية وعلى نطاق واسع وعلى أيدي عناصر حكومية وميليشيات تابعة للدولة وغير تابعة للدولة خلال الحرب الأهلية، واستخدم الاغتصاب كأسلوب من أساليب الحرب لاضطهاد أشخاص من مجتمعات معينة وإذلالهم وكسر إرادتهم وإضعاف أفراد الأسرة، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الانتهاكات لحقوق النساء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ظل عدم المساواة القائمة بين الجنسين.   

ووفقاً للتقرير، فقد أدت عقود من "فقدان الذاكرة الجماعية"، و"المرونة اللبنانية" و"خزي الضحايا" إلى إسكات ضحايا العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي والناجيات منهما إلى اعتبار أن الجناية قد وقعت عليهن مرتين، مرة بما تعرضن له من عنف جنسي، والمرة الثانية بالفشل التام والذريع في محاسبة الأفراد وعملاء الدولة على هذه الانتهاكات الجسيمة أو الاعتراف بما حدث.

وفي هذا الإطار، قدمت LAW الدعم النفسي لـ 147 امرأة، والمعلومات القانونية لـ 287 امرأة، والمساعدة القانونية لـ 49 امرأة والتمثيل القانوني لـ 31 إثر هذه المقابلات. 

 

إطلاق التقرير

وقالت رئيسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان راشيل دوريكس، "من خلال هذا التقرير، نسعى للمساهمة في مجموعة الأعمال المنتجة في لبنان والتي تسلط الضوء على التأثير الجنساني للحرب الأهلية في لبنان، وإرثها الطويل الأمد - والذي يشمل مستويات العنف المرتفعة اليوم ضد المرأة واستمرار وصمة العار. لمن نجوا من هذه الجرائم. من دون الاعتراف بالماضي وفهمه، لا يمكننا بناء مستقبل سلمي ومستقر".

 

إحصاءات

ووجد المحققون أنه خلال 15 عاماً من الحرب الأهلية، هناك روايات مروعة عن انتهاكات، بما في ذلك الاغتصاب المتعدد الجناة والتعذيب الجنسي وتشويه الأعضاء التناسلية والعري القسري والإجبار على ممارسة البغاء مقابل الغذاء أو الماء، فضلاً عن عمليات اختطاف وقتل النساء والفتيات بعد الاغتصاب، حيث كانت أصغر ضحية في هذا التقرير تبلغ من العمر تسع سنوات، فكان يتم قتل الضحايا على أساس المكان الذي تنتمين إليه أو انتقاماً أو عقاباً على حوادث أخرى.

وقد جمعت LAW قدراً كبيراً من المعلومات لإعداد هذا التقرير، مع مراعاة مبادئ مثل عدم إلحاق الضرر، الشفافية والوضوح، والمصداقية والاستقلالية، والمشاركة الطوعية والموافقة المستنيرة، المشاركة واسعة النطاق والسرية وكتمان الهوية، حيث تمت مراجعة 44 وثيقة ومؤلفاً ذات صلة، ومقابلة 63 ضحية وشاهد عيان عبر الإنترنت شمل ثمانية مواقع جغرافية، وأجريت ست مناقشات مركزة تضمنت 59 امرأة (40 لبنانيات، 19 فلسطينيات) و9 رجال لبنانيون، كما تم إجراء 150 استطلاعاً عبر الإنترنت (69 % لبنانيات، 29 % فلسطينيات و2% سوريات)، ومقابلة أكثر من 32 أكاديمياً وصحفياً ومحامياً وعلماء نفس. ولهذه الغاية اعتمدت منهجية صارمة للشهادات، وهي المرة الأولى التي تتحدث فيها الضحايا والناجون/الناجيات عما حدث لهم/لهن.  

وقد اندلعت الحرب الأهلية في لبنان إثر مجابهات بين مجموعات دينية وعرقية مختلفة في مواجهة بعضها البعض، مع إنشاء ميليشيات مسيحية وإسلامية ودرزية، إلى جانب الجماعات السورية والفلسطينية والإسرائيلية.

وقد توفي نتيجة المعارك أكثر من 100.000 مدني واختفى حوالي 17.000 شخص خلال الحروب، بينما هاجر أكثر من مليون مواطن، ووفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، قاسى المواطنون اللبنانيون بنسبة 57 % من النزاع المسلح الذي أثر بطريقة ما على 69 % من المواطنين، سواء بشكل شخصي أو من تبعاته التي امتدت على نطاق واسع.

وقالت المديرة التنفيذية لـ LAW، أنطونيا مولفي،"لفترة طويلة جداً تم إسكات أصوات النساء التي يمكن أن يسمعها الجميع، لم يفت الأوان أبداً للعثور على الحقيقة والاعتراف بما حدث والاعتذار لمن عانوا".

وأوضحت أن أحد الاكتشافات العديدة "الصادمة" هو الإهمال التام للموضوع، والاحتياجات النفسية اللاحقة للمرأة. عندما سئلت الناجيات لماذا لم تتحدثن عن ذلك من قبل، أجبن "لم يسألنا أحد قط". 

واختمت أنطونيا مولفي كلمتها في التقرير بالقول "يستحق الشعب اللبناني السلام وتحقيق العدالة ومعرفة الحقيقة والتحرر من الخوف من تكرار مثل هذه الفظائع. لقد ولد يأس لبنان الحالي من رماد الحرب الأهلية اللبنانية ولا يمكننا أن نجد طريقاً إلى مستقبل أكثر إشراقاً إلا إن فهمنا الماضي فهماً حقيقياً، إن الاعتراف الكامل بهذه الجرائم، من خلال البحث عن الحقيقة والمساءلة، هو خطوة أساسية لتحقيق كل هدف من هذه الأهداف".   

ووثق التقرير ارتكاب أعمال عنف جنسي في المعتقلات ونقاط التفتيش وفي الشوارع أثناء عمليات الحصار والمجازر. ولم تسع إلى تحديد العدد الدقيق للأشخاص المتضررين، ولم تتضمن أسماء أو تواريخ أو مواقع محددة لحماية الشهادات.

 

شهادات مروعة

وقالت نهاد وهي إحدى الناجيات الفلسطينيات من الحرب "لم نتوقع منهم أن يرتكبوا الجرائم التي ارتكبوها. أُطلق النار على والدي وأختي وأنا أحملها بعيداً عن الرماة. وكانت تبلغ من العمر سنة وثلاثة أشهر"، كما قالت نهاد أيضاً إنها تعرضت لاعتداء جنسي من قبل رجال مسلحين عند نقطة تفتيش. ولا تزال صدمة الحرب عميقة بداخلها، وأضافت "حتى اليوم، ما زلت أبكي، لكني لم أعد أبكي بدموعي، قلبي يبكي. أتمنى أن أسترد حقوقي".

وقد وصفت امرأة تبلغ من العمر 56 عاماً تمت مقابلتها في التقرير محنتها في معسكر اعتقال "أجبرني الضباط على خلع حجابي. قاموا بصعق حلمتي بالكهرباء. كانت الضابطات يعذبنني بإجباري على الركوع على الصخور لساعات. هدد الضباط باغتصابي". 

وقالت أميرة رضوان في التقرير، والتي تبلغ من العمر 54 عاماً، وشهدت اغتصاب فتيات في كفر متى حيث كانت تعيش عام 1982. وكانت القرية مسرحاً لمذبحة سيئة السمعة "اعتادوا على ربط الأب والأخ وجعلهم يشاهدون الفتيات يتعرضن للاغتصاب"، مضيفةً أنها تعرف أيضاً أن نساء تعرضن للاغتصاب باستخدام قوارير زجاجية، ونظراً لأن الاغتصاب يعتبر عاراً على الأسرة، غالباً ما يتم نبذ النساء والفتيات إذا تحدثن عن تجاربهن "لقد عانينا كثيراً من عدم قدرتنا على الحديث عن هذه الجرائم التي حدثت".

وذكر شهود أن بعض الميليشيات كانوا في بعض الأحيان يربطون الفتاة في سيارتين ويقودونهما في اتجاهين معاكسين، وقال أحدهم "رأيت فتاة ماتت بعد أن فعلوا ذلك بها، كانت تبلغ من العمر 12 أو 13 سنة"، وذكر آخرون أن هذا الأمر حدث لفتاة تبلغ من العمر 27 عاماً وكان هذا الأمر يحدث للفتية أيضاً.

 

قانون العفو

وأشار التقرير إلى أن قانون عفو صدر في لبنان عام 1991 منح الحصانة عن الجرائم المرتكبة بما في ذلك تلك المرتكبة ضد المدنيين خلال الحرب، مما سمح بتطور ثقافة الإفلات من العقاب وغياب المساءلة، إلى جانب العار المرتبط بالاعتداء الجنسي داخل بعض المجتمعات في لبنان، إلى إسكات النساء والفتيات ليس عن التحدث فحسب، ولكن أيضاً على متابعة حقهن القانوني بتوجيه التهم وإلى دفن الحقائق.  

من بين 142 فرداً شاركوا في الاستطلاع وفقاً للتقرير، 9 بالمئة فقط قالوا إنهم أبلغوا السلطات بتجربتهم مع العنف القائم على النوع الاجتماعي. بينما قال 53 بالمئة إنهم لا يثقون في النظام القضائي اللبناني.   

 

الهدف الأساسي للتقرير

أما عن الهدف الرئيسي من نشر التقرير هو السعي للحصول على اعتراف رسمي بالجرائم والعنف الصادم الذي حدث، مع تحويل وصمة العار بعيداً عن الضحايا إلى الجناة، كما قالت أنطونيا مولفي إن البحث أصبح أكثر وضوحاً وطارئاً للغاية، مع تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان وتزايد الخطاب العنيف، مما أثار مخاوف بين النساء اللائي نجين من الحرب الأهلية من أن العنف والاستهداف قد يحدثان مرة أخرى إذا انهارت الدولة.

ووفقاً للتقرير كان هناك 5 أنماط من الجرائم الجندرية في الحرب الأهلية اللبنانية وهي العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، القتل والخطف للنساء والحوامل والرضع، الأثر الجنساني للاختفاء القسري خصوصاً لأفراد الأسرة الذكور، العنف الأسري ودور المرأة في الميليشيات.

وخلص التقرير إلى جملة من التوصيات وهي:

أولاً: تقديم المزيد من خدمات الدعم القانوني والنفسي لضحايا الجرائم المرتكبة على القضايا القانونية الطويلة ذات أساس النوع الاجتماعي والناجيات منها، بهدف حل القضايا طويلة الأمد والتأثير النفسي عبر زيادة الوصول إلى خدمات عالية الجودة. 

ثانياً: زيادة توثيق تجارب النساء مع جرائم النوع الاجتماعي خلال الحروب الأهلية اللبنانية من أجل مواجهة السيناريو الذكوري الطاغي على مشهد الحرب الأهلية وإيصال صوت الضحايا والناجيات/الناجين. وتوثيق العنف الجنسي المرتكب بحق الرجال خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

ثالثاً: تعزيز قول الحقيقة، بما في ذلك تعميم استنتاجات البحوث المتعلقة بجرائم النوع الاجتماعي وغيرها من البحوث التكميلية والتوصيات ذات الصلة على طائفة واسعة من الأوساط المستهدفة، بما في ذلك الشباب، عبر الندوات والمحاضرات الجامعية وحملات وسائل التواصل الاجتماعي وحلقات النقاش.  

رابعاً: استخدام التوثيق والمصارحة للمساهمة في تهيئة بيئة مواتية لدور المرأة في تقصي الحقائق والمصالحة والعدالة وصنع السلام. وتعزيز الشفاء الجماعي من خلال المصارحة وإحياء ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية من خلال نهج يركز على الناجين/ت وأنشطة مجتمعية.  

خامساً: تمكين الهيئة الوطنية للمفقودين والمختفين قسراً بالمعلومات والأدلة التي تم جمعها ودعمها في جمع المزيد من الأدلة لمتابعة عملها على الاعتراف والإقرار والاعتذار للضحايا والناجين من جرائم النوع الاجتماعي وغيرها من الانتهاكات والاعتداءات المرتكبة خلال الحرب الأهلية اللبنانية.