من التهميش إلى القيادة... نضال النساء من أجل الأرض والغذاء
في ظل تحديات الزراعة التقليدية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه وتُنتج القليل، برزت نساء شرق كردستان كقوة في تحقيق الزراعة المستدامة وحماية البيئة، وذلك من خلال استرجاع الأراضي وتطبيق أساليب حديثة في الزراعة، بما في ذلك الزراعة داخل البيوت البلاستيكية.

شبنم رحيم زاده
بوكان ـ في الماضي، كانت النساء أساس الزراعة وحماية الأرض، لكن النظام الأبوي همّش دورهن. اليوم، وبفضل سعيهن نحو الاستقلال المالي، يُعدن تشكيل مستقبل الزراعة المستدامة بمعرفةٍ نسائية تُنقذ الأرض.
رغم الأزمات البيئية وسوء إدارة القطاع الزراعي في شرق كردستان، تقود النساء تحوّلاً ملحوظاً عبر الابتكار وتطبيق تقنيات زراعية حديثة، متحدّيات القيود الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ليصبحن ركيزة التغيير والاستدامة.
من المشاركة غير المرئية إلى العودة لساحة الإنتاج
وفقاً للإحصاءات، تُعد النساء في القرى محور إنتاج نحو 125 مليون طن من المنتجات الزراعية في إيران، وتُقدّر نسبة مشاركتهن في القطاع الزراعي بـ 12%.
ففي محافظة أورمية، تم إحصاء 236,192 مستفيداً من النشاط الزراعي هذا العام، حيث يشكّل الرجال 95% من هؤلاء، بينما النساء لا يتجاوزن 5%.
لكن هذه الأرقام، بحسب المهندسة الزراعية مريم فخري بور، لا تعكس الواقع الحقيقي لمشاركة النساء، إذ إنهن يعملن جنباً إلى جنب مع الرجال في الزراعة داخل الأسرة، دون أن يُذكر اسمهن أو يُعترف بدورهن.
وقالت "غالبية الأراضي والبساتين تُسجّل باسم الرجال، وتُصوَّر الزراعة كمهنة ذكورية، رغم أن النساء يشاركن في كل مراحل الإنتاج من شراء الأرض إلى الزراعة والحصاد، لكن الإنجاز يُنسب للرجال".
وأضافت "في القرى، يُنظر إلى هذا العمل غالباً كجهد عائلي، لكن الواقع أن النساء يُحرمن من امتلاك الأرض أو الاعتراف بهن كمستفيدات، كما أن دخولهن إلى سوق البيع أكثر صعوبة، وحتى كعاملات موسميات، فإن مشاركتهن تفوق الأرقام الرسمية".
ناقوس خطر دمار الأرض ونضال النساء
إن التغيرات المناخية، إلى جانب جشع المستغلين والمتصدرين في المجتمعات الطبقية، قد وضعت مكانة المرأة والبيئة في دائرة الخطر، وهذه العوامل، خاصة بعد انطلاق انتفاضة Jin Jiyan Azadî""، منحت النساء وعي أكبر بحقوقهن وبكيفية تحقيق حياة حرة، حتى أن كثيرات منهن بدأن بالنضال لاستعادة أراضيهن الموروثة، والسعي لتغيير أساليب الزراعة والري والتسويق.
وتزداد أهمية هذا التحول في ظل أزمة المياه وجفاف بحيرة أورمية، إلا أن التقارير الميدانية تشير إلى أن الرجال المزارعين غالباً ما يرفضون تغيير نوع المحاصيل أو أساليب الزراعة التقليدية.
شلير عنبري، مزارعة من إحدى قرى بوكان، تُعد مثالاً على هؤلاء النساء، فقد نجحت مؤخراً في استعادة جزء من أرض عائلتها، مؤكدةً على الإصرار والأمل في المستقبل "هناك أزمة مياه في المنطقة، لكنني حاولت إحداث تغيير من خلال الحصول على قرض، وتطبيق نظام الري بالتنقيط، واستخدام أسمدة أفضل، واستفدت كثيراً من خبرة المهندسات الزراعيات، وأؤمن بأن علينا أن نحافظ على الأرض وعلى ما نحصده منها، لأنه يؤثر مباشرة على صحة المجتمع".
تغيّر المحاصيل وتحوّل الأسواق الزراعية
على مدى العقود الماضية، وبفعل السياسات الحكومية المشجعة، تحوّلت نسبة كبيرة من بساتين المحافظات إلى زراعة محاصيل ذات احتياج مائي مرتفع، ومع ذلك، فإن محاصيل مثل الشمندر السكري لا تُعد ذات جدوى اقتصادي كبير، كما أنها تفتقر إلى الكفاءة في أوقات الأزمات.
في المقابل، اتجه بعض المزارعين المبتكرين نحو الزراعة في البيوت البلاستيكية وإنتاج محاصيل أكثر ضرورة، وتشكل النساء نسبة كبيرة من هؤلاء المزارعين، من بين هذه المحاصيل الفطر الزراعي، والخضروات المحلية المتكيفة مع المناخ، والزعفران، والتي تُزرع اليوم في مدن مثل نقده، أورمية، بوكان، سردشت، شنو ومهاباد على يد المزارعات.
روجين. ف، التي تعمل في مجال زراعة الزعفران، ترى أن سوق هذا المنتج واعد، وأن منطقة شرق كردستان مناسبة جداً لزراعته "بعد أن التحقت بدورة تدريبية، بدأت بزراعة الزعفران في مساحة صغيرة، في ظل الأزمات، يمكن أن يكون هذا المحصول بديلاً اقتصادياً للمحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، فمحصولنا من الزعفران يتمتع بجودة أعلى بكثير من المناطق في إيران ويُباع بسعر أفضل".
أما كجين حربي، التي تعمل في زراعة الفطر والخضروات، فتعتبر هذا المجال مربحاً لكنه بحاجة إلى سوق بيع أقوى "في بعض أشهر السنة، يكون السوق ضعيفاً، لكن هذه المنتجات تُستخدم باستمرار، وتكتسب أهمية خاصة في أوقات مثل الحروب، وامتلاك حديقة أو بيت بلاستيكي أتاح لنا هذا الخيار".
النساء كحارسات للحياة
تلعب العديد من النساء اليوم دوراً فعّالاً في الزراعة وتأمين الغذاء في المنطقة، إلى جانب عملهن الزراعي، يشاركن في مشاريع حماية البيئة مثل استبدال الزراعة بالصناعات اليدوية في المناطق الحساسة، وزراعة أشجار البلوط في جبال زاغروس، وتوسيع نطاق الزراعة في البيوت البلاستيكية، ومع تزايد عودة النساء إلى هذا المجال، يمكن أن يسهم دورهن في تعزيز الأمن الغذائي بشكل ملحوظ.