مخاوف من "ضياع" حرية الصحافة والتعبير في تونس

تخشى الصحفيات في تونس من ضياع حرية الصحافة والتعبير، مشددات على ضرورة مراجعة المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، بعد أن تبين أنه لا يتلاءم مع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها تونس ومع دستور الجمهورية.

زهور المشرقي

تونس ـ نظمت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، في إطار إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة ندوة مع منظمات وطنية ودولية وهيئات أممية، أمس السبت ١١ أيار/مايو، تحت شعار "حرية التعبير والصحافة: بين مقصلة العدالة وأسوار السجن"،  بالعاصمة تونس.

حذر المتدخلون/ات في الندوة، من خطورة المحاكمات التي تستهدف الصحفيين/ات خاصة حين لا تكون عادلة، وتطرقوا/ن إلى عدم وجود ضمانات لحق الدفاع في محاكمات الصحافة والرأي والتعبير.

وأشارت الندوة إلى أن المرسوم 54 لعام 2022 والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والذي جاء في فترة استثنائية بات معرقلاً لعمل الصحافة وحاجزاً أمام العمل الإعلامي الحر.

وقالت أمينة التايب، مسؤولة الشؤون القانونية بمكتب شمال أفريقيا لمنظمة المادة 19، إن العلاقة بين القضاء والإعلام يجب أن تكون علاقة توازن مع الأخذ بعين الاعتبار الدور الرقابي للصحافة ودور المؤسسة القضائية كحامية للقضاء والحريات وحرية التعبير والإعلام، لافتة إلى أنه تم التأكيد خلال الندوة على ضرورة ضمان المحاكمة العادلة حسب المعايير الدولية والتزامات تونس الدولية والإقليمية استقلالية القضاء شرط أساسي.

واعتبرت أن وجود قضاء مستقل أمر ضامن للحريات وهو بمثابة التأويل الحمائي للتشريعات الوطنية رغم التحديات الموجودة للإطار التشريعي المنظم لحرية الصحافة في تونس والتي تتمثل في تعدد وتضارب النصوص القانونية التي يمكن أن تنطبق على ما يمكن تسميته بجرائم حرية التعبير، أيضاً العقوبة السجنية وضمن هذا كله المعايير الدولية في الفصل 19 من المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والتعليق العام رقم 34 لعام 2011 الذي يحيل إلى عدم ملائمة العقوبة السجنية في جرائم حرية التعبير.

وتحدثت أمينة التايب عن أهمية المرسوم 115 المنظم لقطاع الصحافة في تونس، وملاءمته مع المعايير الدولية والدستور التونسي كضامن لدور القاضي في تأويل حمائي يقوم بدور حماية حرية التعبير والصحافة في البلاد.

 

 

بدورها كشفت الصحفية حبيبة العبيدي، عن خطورة الظرف الذي تتعرض له حرية التعبير، مشيرة إلى العمل الصحفي بات مهدداً أكثر من أي وقت مضى في ظل وجود قوانين زجرية تعيق تحرك الصحفي/ة خاصة منها المرسوم 54.

وأكدت أن النقابة تحاول التصدي لهذه المراسيم وتعمل مع شركائها لإلغاء المرسوم أو تنقيحه لضمان حرية التعبير والصحافة التي تعتبر المكسب الثوري الأبرز والمتبقي.

 

 

وتتخوف عضو منظمة محامون بلا حدود، نورس الدوزي، من المرحلة التي بلغتها حرية التعبير بتونس، حيث باتت أبواب السجن مفتوحة بسبب كلمة أو نقد من قبل أبناء السلطة الرابعة أو الناشطين/ت عموماً.

وعبرت عن أسفها من "ضياع" حرية التعبير، واصفة المرسوم 54 بـ "الانتقامي"، منتقدة كثرة الاحالات على معناه من مدنيين إلى فاعلين/ت وناشطين/ت "الإحالة تكون على معنى المرسوم 54 ورزمة من قوانين المجلة الجزائية وهو أمر غير مسبوق".

وقالت إن هذا السياق السياسي يتسم بالمعاداة لحرية الرأي والتعبير مع استسهال بطاقات الايداع بسبب مقالات ومواقف سياسية واجتماعية "الجريمة الوحيدة لهؤلاء أنهم/ن لازالوا/ن يؤمنون أن تونس بلد الحريات والديمقراطية ولديهم/ن كل الحق للتعبير عن الغضب للإصلاح سواءً على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الجلسات العادية".

وعبرت نورس الدوزي عن قلقها من انجرار بعض أعضاء الحكومة في إحالة صحفيين/ات بسبب تدوينات ومقالات فيها نقد للعمل الحكومي "كأن بلادنا تحولت إلى سجن كبير والمرسوم 54 هو السيف المسلط على رقاب الأحرار".

 

 

وعن المبادرة التي أطلقها مجموعة من النواب بمجلس الشعب بخصوص تنقيح المرسوم 54 الذي بات معضلة حقيقية تهدد الكل، اعتبرت النائبة عن كتلة الاحرار هالة جاب الله، أنها لاقت قبولاً من بعض النواب وقد وقع على العريضة 40 نائباً لكنها لاتزال لم تناقش ولم ينظر فيها رئيس البرلمان.

وأوضحت أنه يجب دعم المبادرة كضرورة لتنقيح المرسوم المذكور في بعض فصوله التي لا تتلاءم مع الاتفاقيات الدولية التي أمضت عليها تونس منذ عقود ولا تتناسب مع الدستور الذي ينادي بحرية الصحافة والتعبير والنشر، مؤكدة أن النواب ينتظرون مناقشة المقترح للانتصار لحرية الصحافة أبرز مكاسب الثورة، لافتة إلى وجود تعطيل غير واضح للمبادرة في مكتب المجلس.

وأكدت الندوة في ختام أعمالها أن كل المراسيم باعتبار أنها تأتي في فترة فراغ تشريعي قابلة للتنقيح باعتبار تركيز مؤسسة تشريعية.

والجدير ذكره أن الرئيس قيس سعيد وقع في أيلول/سبتمبر 2022 على المرسوم بقانون رقم 54، الذي يهدف إلى مكافحة المعلومات والشائعات الكاذبة على الإنترنت، وتنص المادة 24 من المرسوم على السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى 50 ألف دينار تونسي أي ما يقارب 15 ألف و943 دولار.