'على النساء تنظيم أنفسهن وفق مانفيستو السلام والمجتمع الديمقراطي'

كشف تصاعد العنف الممنهج ضد النساء في مختلف أنحاء العالم، ملامح أزمة وجودية تتجاوز حدود الجريمة الفردية لتغوص في عمق البنى السياسية والاجتماعية التي تشرعن هذا العنف وتعيد إنتاجه.

برجين كارا

مخمور ـ تشهد النساء حول العالم، وفي كردستان والشرق الأوسط بشكل خاص، تصاعداً مروعاً في وتيرة العنف الموجه ضدهن، من قتل وتحرش واغتصاب إلى أشكال متعددة من الإقصاء والتهميش، هذا العنف لا يمارس فقط من قبل أفراد، بل يتجذر في بنى اجتماعية وسياسية تتغاضى عنه، بل وتشرعنه أحياناً، فكل يوم يمر يحمل معه تجسيداً جديداً لعقلية الإبادة الرمزية والجسدية التي تواجهها النساء في منازلهن، وفي الشوارع، وفي القرى والمدن.

المفارقة المؤلمة أن القوانين التي يُفترض أن تحمي النساء وتردع المعتدين، غالباً ما تتحول إلى أدوات لحماية الجناة، فالدولة، بدلاً من أن تكون حصناً للعدالة، تنخرط في ممارسات قمعية ضد النساء، لا سيما السياسيات والمقاتلات والمقاومات، وتستخدم أدواتها القانونية لتبرير هذا القمع، وقد بلغ الأمر حداً تصبح فيه السلطة نفسها شريكاً في الجريمة، مدافعة عن القتلة تحت غطاء قانوني، بينما تستهدف الأصوات المدافعة عن النساء وتقمع بلا هوادة.

لكن رغم كل الضغوط والتعذيب والقتل، تواصل النساء في كل مكان النضال من أجل الحرية ويرفعن أصواتهن معاً ضد كل الهجمات.

 

"إنهم يريدون القضاء على صوت ولون وتنظيم المرأة"

عن الضغوط والاعتداءات على النساء تقول المعلمة ماريا بوزان وهي من مخيم الشهيد رستم جودي للاجئين (مخمور) "إذا نظرتم حول العالم، ستجدون أن العقلية الذكورية مهيمنة، وأنها تسعى إلى ترسيخ نفسها، وهذه الهيمنة قائمة على قتل النساء وإبادة المجتمع، أو بالأحرى محاولة القضاء على لغة المجتمع وثقافته وذاكرته وتنظيمه في شخص المرأة، الأمر نفسه ينطبق على كردستان".

وتابعت "في شمال كردستان وخاصة في تركيا، قد لا تنفذ الدولة اعتداءاتها على النساء مباشرةً، لكنها تنشئ منظماتها الخاصة داخل المجتمع من أجل قتل النساء وإسكاتهن، إنها تسعى إلى القضاء على صوت ولون المرأة وتنظيمها بشكل خاص من خلال الدين والمعتقدات".

 

"إنهم يقتلون المجتمع بقتل النساء"

ولفتت الانتباه إلى ممارسات النظام الإيراني ضد المرأة "في إيران، ازدادت حالات قتل النساء، يهاجمونهن بأساليب مختلفة كالإعدام والرجم، ويدفعونهن إلى حد اختيار طريق الموت، يريدون إسكات المرأة التي ترغب المشاركة في السياسة، يفعلون ذلك أمام المجتمع حتى لا تستمد منها نساء أخريات القوة، وبهذه الطريقة يجبرون المجتمع على قبول أسلوب حكمهم، يفعلون ذلك بقتل النساء، بعبارة أخرى، يقتلون المجتمع بقتل النساء، وفي إقليم كردستان أيضاً تتعرض النساء للهجوم بنفس الطريقة ويجبرن على الانتحار، في إقليم شمال وشرق سوريا على الرغم من أن النساء قد اكتسبن صوتاً بعد الثورة، إلا أن النساء في سوريا هن الأكثر معاناة ويتعرضن للهجوم بسبب الحرب الحالية".

 

"يجب أن ننظم أنفسنا في كل مكان"

وحول كيفية مواجهة الهجمات تقول "يجب أن تكون لدينا تنظيماً نسائياً قوياً، ما لم يكن لدينا تنظيماً قوياً، فلن نتمكن من محاربة هذه العقلية السائدة، لأن النظام الحالي قد نظم نفسه وبنى نظامه الخاص منذ آلاف السنين، ولذلك، يجب أن ننظم أنفسنا داخل المجتمع وفي كل مكان، علينا أن نناضل من أجل اللغة والثقافة والحماية الجوهرية".

 

"يجب تطبيق رؤى القائد أوجلان"

وفي ختام حديثها لفتت ماريا بوزان الانتباه إلى دور المرأة في مانفيستو "السلام والمجتمع الديمقراطي"، وأوضحت "خلال الخمسين عاماً الماضية وحتى يومنا الراهن تم خوض نضال عظيم من أجل أن تصبح المرأة رائدة، والقائد عبد الله أوجلان يتحدث عن هذا الأمر بالتفصيل في كتبه، ومؤخراً بعد مانفيستو "السلام والمجتمع الديمقراطي"، يجب على الناس أن يفهوا ويثقفوا أنفسهم، لأن هذا المانفيستو يُعبر عن رؤى العصر الحالي، ومن تقييمات القائد فهمنا بشكل أفضل أن قتلة النساء قد أتوا من العصر الحجري الحديث ووصلوا إلى يومنا هذا. ومن أجل تعزيز نضالنا، علينا أن نفهم هذه الرؤى ونستوعبها ونطبقها عملياً".

 

"إنهم يحاولون منع وعرقلة نضال المرأة"

من جانبها قالت المعلمة أفين تايبوخا "مع تطور المسيرة التي يقودها الشعب الكردي، أصبحت النساء في كردستان والشرق الأوسط والعالم أجمع على وعي بوجودهن، لقد أدركن الأخطاء التي ارتكبنها عبر التاريخ والهجمات التي شُنت عليهن، وبشكل خاص أدركن هويتهن ولم يعدن يقبلن بالظلم الذي يتعرضن له، إن من سيقود التغيير والتحول في المجتمع هن النساء، لأن المجتمع يتمحور حول النساء والأمهات".

وأضافت "من أجل تدمير المجتمع تشن هجمات على النساء من جميع الجهات، وخاصة الرائدات منهن، وقد تجلى هذا في شرق كردستان في العامين الماضيين بعد انتفاضة جينا أميني، حيث بدأت الهجمات وكانت النساء الأكثر تضرراً منها، حتى أنهن تتعرضن للقتل والاغتصاب والإعدام يومياً. بمعنى آخر، إنهم يحاولون منع تكرار انتفاضة أخرى مثل انتفاضة جينا أميني".

 

"هناك حاجة إلى تضامن نسائي قوي"

وأكدت على أنه "في مواجهة هذه الهجمات هناك حاجة إلى تضامن نسائي قوي، التضامن والتنظيم ضروريان، فتوحيد النساء وتثقيفهن وتوعيتهن ضرورة أساسية، وهناك حاجة للتنظيم والتثقيف الذاتي وانتفاضات جماهيرية في المجتمع، ليست النساء وحدهن من يجب أن يقودن هذا النضال، بل على جميع المجتمعات التي تتعرض لهجمات إبادة جماعية أن تكافح وتناضل".