لغز الدفاع المستميت عن سايكس بيكو
ينبغي قراءة التاريخ مرة أخرى برؤية محايدة فالتاريخ كتب بأيد الرجال الطغاة المنتصرين.

سناء العلي
سوريا بلد عريق يتميز بتنوعه، وتعد دمشق التي علت اليوم الأصوات التي تقول إنها "أموية" أقدم عاصمة في التاريخ، وشهدت على العديد من الحضارات، لكن السلطة تُغير الحقائق على هواها من خلال التلاعب بالشعوب التي غيبت وعيها بالحرب الخاصة.
التنوع الذي تتميز به هذه البلاد على صعيد الحدود السياسية التي رسمها سايكس بيكو عام 1916 هو الأكثر تميزاً في العالم، وكل شعوب سوريا السياسية لهم امتداد في بلاد الشام "لبنان الأردن فلسطين" الحدود التي هي حقيقة حتمها سايكس بيكو، في الحقيقة هي وهم فرضه الاستعمار على الشعوب وتحت حماية الدولة، لأن الأنظمة القومية تتغذى على الوهم، وتعتمد في ترسيخ سيطرتها على بث الفتنة بين مكونات البلد الواحد وإعلاء قومية الفئة الحاكمة كما حدث أمس في سوريا بحكم نظام الأسدين، أو اليوم في ظل حكم هيئة تحرير الشام، وهذا إن دل على شيء فيدل على أن شعوب سوريا اليوم تعيش حلقة من سلسلة الإقصاء والتهميش الذي شهدته في العصر الحديث.
في السنوات القليلة الماضية لعبت وسائل التواصل الافتراضي، دوراً سلبي بل في غاية السلبية والخطورة فكانت منصة لبث الفتنة والكراهية ونقل معلومات مغلوطة بشكل متسارع جداً بفضل شبكة الإنترنت التي تم استخدامها بأيد غير واعية وربما غير أمينة هدفها إشعال فتيل الفتنة بين الشعوب واستعباد أخرى واستعلاء قومية على قومية، ولتصحيح هذه المعلومات تتحمل الوكالات الإخبارية ومراكز الدراسات مسؤوليات ضميرية لنشر الوعي فالإنسان الواعي محب لغيره بعيد كل البعد عن الطائفية والمحسوبيات أياً كان شكلها.
من يقول إن سوريا عربية فليراجع التاريخ ومن يقول أموية فليقرأ، ويستحضرني سؤال هنا هل القول بأن سوريا أموية رد فعل أم رد للاعتبار بعد تهميش نظام البعث للسُنة؟ من يتصفح التاريخ عليه أن يقرأه كاملاً بعقله لا بعينيه فقط، ينبغي قراءة التاريخ مرة أخرى برؤية محايدة فالتاريخ كتب بأيد الرجال الطغاة المنتصرين والخلافات الإسلامية لم تحكم الشعوب بالإحسان والرحمة فالسلطة هي السلطة أي أن الجبروت هو ما يمثلها وهو سمتها، فهل يؤيد السوريين حكم "الأمويين".
ويمكن أيضاً البحث عن العروبة برؤية أخرى لردم الهوة بين من يتحاربون اليوم، فسوريا هي بلد الحضارات ومن أوائل بقاع الأرض التي استوطنها الإنسان وهذا الإنسان الذي يؤمن المسلمين أنه "آدم" أبا البشرية إذاً ما هي الفروقات إذا كنا كُلاً واحداً، والحقيقة التاريخية المفجعة بالنسبة لمن يدعون الدفاع عن العروبة من خلال إقصاء المختلف، أن أقدم أشكال الهجرة هي هجرة القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية ما قبل الإسلام، غير أن تثبيت الهوية العربية باستعراب غالبية البلاد، لم يتم قبل عصر الدولة العباسية نحو القرن العاشر، وهو تاريخ قريب نسبياً.
اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية قسمت بلاد الشام أي سوريا الطبيعية إلى أربعة أقسام ومع ذلك فهي اليوم محمية وممن؟ من الشعب نفسه السوري واللبناني والأردني أما الفلسطيني فما يعيشه منذ الـ 1948 يكفيه لألا يفكر بأي شيء غير البقاء.
لا توجد حدود تفصل أي شعب عن آخر فتداخل اللغة واللهجة بين جميع البلدان يسقط أي شرعية عن الحدود المصطنعة، الحدود التي هي بالحقيقة وسيلة غربية لإضعاف الشرق الأوسط ليبقى هذا الشعب مشغول بنعرات طائفية ودينية يمتد عمرها لآلاف السنوات لا ناقة له فيها ولا جمل، تركته هذه الحدود باحثة عن لقمة العيش فلا تطور علمي ولا إنجازات تضاف إلى البشرية فبينما أمريكا تخطط لاستعمار كواكب أخرى وأشخاص من بلدان تعيش الأمان يكتشفون الأدوية ويطورون العلم يقتل السوري اليوم لأنه كردي وعلوي ودرزي وقبل لأنه سُني وما يحدث في الساحل السوري أثبت فشل هيئة تحرير الشام التي تسلمت الحكم من قوى دولية وبمباركة إقليمية في إدارة المرحلة أو السير بسوريا نحو الاستقرار، والدستور الجديد أيضاً إثبات على فشلها، لسبب بسيط أن هذه القوى الخارجية لو كانت تريد خير سوريا لسلمت السلطة لقوة أخرى في البلاد أكثر كفاءة ومدنية كالإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا التي تميزت بإدارة ناجحة ومؤسسات وتعليم جامعي وتنظيم عسكري ومجلس شعوب حتى أن ملف حقوق المرأة الذي لا يشهد تطورات حقيقية في الشرق الأوسط تمت معالجته من خلال إنهاء التمييز ضد المرأة قانونياً والعمل مجتمعياً على اجتثاث الذهنية الذكورية.
حتى أن الدروز في السويداء يمثلون حلاً أنسب لسوريا وللسلم الأهلي فمشروعهم وطني جداً، وهناك احترام لحقوق المرأة وضمان لمدنية البلاد، من خلال حراكهم السلمي الذي استمر لأشهر بمشاركة نسائية ولافتاتهم تؤكد وطنيتهم وعدم بيعهم لسوريا مقابل الدعم الخارجي الذي تحاول إسرائيل اليوم القيام به، على عكس ما يسمى المعارضة السورية التي باعت الثورة منذ أشهرها الأولى وبدلاً من مطالب الحياة الكريمة والديمقراطية رفعت رايات طائفية تبحث في أحقية بشار الأسد من الناحية الطائفية في الحكم فماذا لو كان سُنياً؟ أيحق له قتل شعبه وتجويعه وممارسة الإخفاء القسري والتمييز بين مكوناته وغيرها؟ من قال إن سوريا تحتاج لحكم الغالبية من قال إنها تريد أن تكون أموية أو علوية أو كردية أو عربية فهو لا يبحث عن الحل وما يحدث في الساحل اليوم دليل واضح على فشل هذه الخطابات فالسلم الأهلي في خطر حقيقي ويبدوا أن ما هو قادم أخطر من 14 عاماً مضت.
الشعب السوري تأمل خيراً لكن من امتلكوا الوعي استقرأوا ما يحدث منذ اليوم الأول لسيطرة هيئة تحرير الشام، فالانتهاكات بدأت بالانتقام من الطائفة الشيعية، وريف مدينة حمص شاهد على حالات الضرب والإهانة والقتل والاعتقال لشبان المدينة، هذه الانتهاكات التي تم تبريرها بالحالات الفردية، لم تنتهي إلا بفتح النار على أهالي الساحل وقتل أكثر من ألف وخمسمئة مدني أعزل بدعوى ملاحقة "فلول النظام".
جاء الإعلان الدستوري ليقتل أحلام السوريين ويدق آخر أسفين في ثورتهم المجيدة التي انتصر فيها الإسلام السياسي بقيادة تنظيم القاعدة بمباركة تركية، هذا الإعلان الذي يؤسس لديكتاتورية جديدة تستمر لخمس سنوات من حيث منح كامل الصلاحيات للرئيس غير المنتخب تتم فيها مكافئة الشعب السوري بنواة نظام استبدادي جديد يقوده أحمد الشرع "الجولاني" وأفراد من عائلته يستلمون مناصب مهمة وحساسة، لتكمل سوريا كبوتها بأن تكون مزرعة استملكتها عائلة الأسد لـ 53 عاماً واليوم يحاول الجولاني استملاكها، فإذا لم ينتفض الشعب ويعلو صوت الحق والحرية ستكون سوريا أسوأ ولذلك يحمل المثقفين والأحرار وجميع من تضرر من نظام الأسد ومن سيتضرر من الإعلان الدستوري مسؤولية إنقاذ سوريا وضمان حقوق مختلف الطوائف والمرأة بإعلان دستوري جديد يساوي بين السوريين ويلغي أسوأ بندين في الدستور بعيدين عن المدنية والإنسانية، وهما تحديد دين رئيس البلاد بالإسلام وبمصدر التشريع بالإسلام أيضاً فهذين البندين سيبرران قتل كل من يفكر خارج إطار المجتمع، ومن يعتنق الإيزيدية ويصل لتكفير العلويين وحتى الدروز الذين تحاول الحكومة المؤقتة استمالتهم، وبدل أن يوحد الدستور الجديد السوريين سيمنحهم الأسباب القانونية لقتل بعضهم بعضاً.