كلستان تارا وهيرو بهاء الدين... حين يصبح الصمت صوتاً لا ينسى
بعد عام على استشهاد الصحفيتين كلستان تارا وهيرو بهاء الدين، يواصل زملاؤهما وعائلاتهما السير على درب النضال من أجل الإعلام الحر، مؤكدين التزامهم برسالة الصحافة الحرة ومواصلة طريق الحقيقة في مواجهة القمع.
هيلين أحمد
السليمانية ـ عقب استهداف كلستان تارا وهيرو بهاء الدين، حدث تحرك كردي على نطاق واسع، حيث أدانت شخصيات ومؤسسات سياسة وإعلامية هذه الحادثة، مشيرين إلى أن الاحتلال التركي يستهدف دعاة الحرية، وأن صمت حكومتي إقليم كردستان والعراق كان رمزاً للخزي والعار.
وُلدت كلستان تارا عام 1983 في مدينة إيله شمال كردستان، وبدأت نضالها الإعلامي عام 1999، حيث اضطرت لمغادرة موطنها نحو إقليم كردستان لنقل صوت الحقيقة والنساء عبر الإعلام الحر، وفي عام 2020، انضمت كمستشارة سياسية إلى وكالة "جتر" الإعلامية، وهناك تعاونت مع الصحفية هيرو بهاء الدين، وهي من مواليد 1992، درست الهندسة الميكانيكية في جامعة السليمانية، ثم عملت مونتيرة في "جتر" منذ 2018، وقد كرست ست سنوات من حياتها لنقل الحقيقة، وقبل استشهادها، كانت تستعد لنيل شهادة الماجستير من جامعة ألمانية.
وفي الثالث والعشرين من آب/أغسطس 2024، وخلال مهمة إعلامية مشتركة، استهدفت كلا الصحفيتين بطائرة مسيرة تابعة للاحتلال التركي على طريق سيد صادق بمدينة السليمانية، ما أدى إلى استشهادهما.
"استشهادها أعاد تشكيل قناعتي بشأن إيصال الحقيقة"
وصفت الصحفية سوما خالد زميلة الشهيدة هيرو بهاء الدين بأنها صوتٌ حرّ لا يهدأ، كرّست حياتها لنقل الحقيقة والدفاع عن قضايا النساء في وجه الاحتلال التركي، فمنذ لقائهما عام 2019 في شركة "جتر"، جمعت بينهما علاقة مهنية وإنسانية عميقة، حيث كانت داعمة دائمة لزملائها، حاضرة في كل تفاصيل العمل، من المونتاج إلى التحضير للبث.
وأوضحت أنه "رغم عملها الفني، كانت ناقدة دقيقة، تسعى لتحسين المحتوى وتقديمه بأفضل صورة، اهتمت بتفكيك النظام الذكوري وكشفت فساد السلطة من خلال أفكارها الجريئة، وكانت تتابع أدق التفاصيل في الاستوديو، وتحرص على نجاح الفريق ككل، استشهادها إلى جانب كلستان تارا، شكل خسارة لقلمين حرّين كانا يجسدان صوت المرأة والحقيقة في إقليم كردستان".
وأكدت أنه "رغم ابتعادي عن العمل الإعلامي، كانت هيرو بهاء الدين تواصل دعمي وتعاملني كزميلة وصديقة دون أن يتغير شيء، بشخصيتها الهادئة وسعيها الدائم للتطور، كانت تراجع أدق تفاصيل البرامج وتسهم في تحسينها".
"سنواصل نضال شهيدتي الإعلام الحرّ"
بدورها، روت الصحفية شیدا رؤوف ذكرياتها مع الشهيدتين كلستان تارا وهيرو بهاء الدين، وتصفهما بنموذجين للمرأة الحرة والمثابرة، حيث كانت هيرو بهاء الدين شخصية هادئة، تبدأ يومها بابتسامة وتحرص على تطوير ذاتها وزملائها، تتابع أدق التفاصيل وتنتقد نفسها قبل الآخرين، أما كلستان تارا، فكانت رغم التعب تنشر الأمل، وتواجه التحديات بروح مرحة، تشجع الجميع على تقديم الأفضل دون توبيخ أو لوم.
وأكدت أن العمل معهما كان مليئاً بالاحترام والتعاون، وأن استشهادهما لم يُطفئ شعلة الحقيقة، بل زادها اتقاداً، وترى أن رسالتهما الإعلامية ستبقى حيّة في قلوب من آمنوا بحرية الكلمة، وأن صوتهما سيظل يُسمع في كل مكان ينشد العدالة والحرية.
"كلستان تارا صوت نسوي حرّ لا يُسكت ونموذج نضالي في وجه القمع"
وقالت الصحفية شوخان ميرزا إن عمل كلستان تارا كان تربوياً ومليئاً بالأمل، حيث سعت دائماً للتقدم وحرصت على أن يبقى صوت الحقيقة حاضراً في كل تفاصيل العمل، حيث كانت تؤمن بقضايا المرأة وتضفي على رسالتها الإعلامية طابعاً نسوياً حراً، هدفه بناء امرأة قوية تناضل من أجل حقوقها.
وأشارت إلى أن فقدانها شكّل صدمة كبيرة لها، لكنها استمرت في البحث عن فكرها وتوجيهاتها في كل خطوة من عملها "لم تكن مجرد زميلة، بل كانت فكرة حية تمر يومياً في وجدان من عرفها، أما هيرو، فكانت شخصية هادئة وعميقة، تدفع الفريق نحو الأفضل بأفكارها ونقدها البناء".
ورأت شوخان ميرزا أن فكر كلستان تارا يحتاج لسنوات كي يُبنى، وأن استهدافها كان محاولة لإسكات صوت نسوي حر، لكنها تؤمن أن هذا الصوت سيبقى حياً فيمن حملوا رسالتها.
وفي ختام حديثها، أكدت على أن نضال الحرية الممتد لأكثر من قرن، لم يتوقف رغم الهجمات المتكررة التي استهدفته، فقد لعب الإعلام الحر دوراً جوهرياً في ترسيخ الفكر الحر، مما جعله هدفاً دائماً للقمع والاستهداف، حيث سقط المئات من الشهداء دفاعاً عن رسالته.
"كلستان وهيرو ذاكرة لا تُنسى ونموذج للإعلام الحر"
من جانبها، روت أنعام فاضل شعبان، زميلة الشهيدتين كلستان تارا وهيرو بهاء الدين، تفاصيل مؤثرة عن حياتهما اليومية خلال فترة العمل المشترك، وتصفهما بأنهما كانتا تجسيداً للودّ والالتزام "كلستان كانت تستقبلني كل صباح بابتسامة وسؤال عن أحوال الزملاء، تعامل الجميع بلطف، وتحرص على مشاركة همومهم، وتسعى لحل مشاكلهم بروح الصداقة الحقيقية، كانت شخصية قوية، تشعر بآلام الآخرين وتبذل جهداً لتخفيفها".
وأضافت "أما هيرو، فكانت مثالاً للهدوء والرقة، تؤدي أعمالها بصمت وفعالية، كانت فتاة ذات إرادة وصلابة، تعمل بروح معنوية عالية وتتحمل المسؤولية بصبر".
وأكدت أنعام فاضل شعبان أن الشهيدتين لم ترحلا من الذاكرة، بل بقيتا على قيد الحياة في قلوب من عرفهما، ولحظة استشهادهما كانت صادمة، رغم الحزن، استمرت هي وزملاؤها في العمل، مؤكدين أن نهجهما سيظل منارة للنضال والإعلام الحر.
"هيرو صوت هادئ في عالم صاخب غاب قبل أن يُحتفل به"
واستعرضت بيريفان بهاء الدين، شقيقة الشهيدة هيرو بهاء الدين، ملامح حياة أختها منذ الطفولة حتى لحظة استشهادها، وتصفها بأنها نقية، هادئة، ومصدر فخر للعائلة، حيث كانت محبوبة من الجميع، تساعد أفراد الأسرة دون تمييز، وتحظى باحترام خاص من والدها الذي كان يصغي لآرائها ويعتز بها.
ولفتت إلى أنها كانت مجتهدة ومثابرة في دراستها، تدعم إخوتها وتشرح لهم الدروس، وتشاركهم لحظات الفرح، خاصة في الرحلات العائلية التي كانت تضفي عليها روحاً مرحة "كانت تلعب مع إخوتها وتحرص على إسعادهم، ولم تسمح للحزن أن يظهر بينهم"، مشيرةً إلى أنها أنهت دراستها الجامعية بنجاح، وكانت تستعد لإكمال تعليمها خارج البلاد، وقد أنهت آخر اختبار لها في 30 تموز/يوليو 2024، لكن الموت حال دون أن تستلم شهادتها وتحقق حلمها.