بعد عامين على زلزال تركيا... هل مات من رحلوا أم من بقوا؟

بعد زلزال 6 شباط/فبراير، لا تزال الحياة مستمرة في الغرف مسبقة الصنع التي لا تبلغ مساحتها سوى 21 متراً مربعاً في مدينة هاتاي التركية، ولا يزال الأهالي يبحثون عن مفقوديهم على الرغم من مرور عامين على الكارثة.

صربيل صافومو

هاتاي ـ دمّر زلزالان بلغت قوتهما 7.7 درجة و7.6 درجة على مقياس ريختر مركزهما مدينة مرعش بشمال كردستان في 6 شباط/فبراير 2023، وبحسب البيانات الرسمية، فقد 53,537 شخصاً حياتهم في الزلزال الذي يُعرف باسم "كارثة القرن".

لم يقتصر الأمر على المنازل أو المباني التي انهارت في الأماكن التي كان الدمار فيها أشد ما يكون، فقد خلّف وراءه صوراً لن تُمحى من ذاكرة أولئك الذين شعروا به شخصياً وأولئك الذين شهدوه بكل ما فيه من واقع. لقد خلّف الزلزال وراءه أياماً استُهِين فيها بالحياة، ونُحِّيَت "المقدسات" جانباً، واصطفت الجنائز في الشوارع واحدة تلو الأخرى، وشوهد من ماتوا من البرد وهم ينتظرون إخراجهم من تحت الأنقاض، وارتفعت الصرخات من كل منطقة وتحت كل حجر.

هاتاي واحدة من الأماكن التي كان السؤال "هل مات من رحلوا أم من بقوا؟ من بين المدن الإحدى عشر التي دمرها الزلزال، كانت هاتاي بلا شك أكثر المدن تضرراً ودماراً، لم تذهب فرق البحث والإنقاذ إلى العديد من المباني المدمرة في هاتاي، حاول السكان إنقاذ أقاربهم عن طريق الحفر بأيديهم، كانت الحاجة ماسة إلى معدات البناء وأدوات الحفر وأدوات قطع الحديد.

في هاتاي التي شهدت دماراً كبيراً، فقد 24 ألفاً و147 شخصاً حياتهم في الزلزال، ودُمر 80 ألفاً و323 مبنى أو لحقت به أضرار جسيمة، أصبحت المدينة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين خراباً، دُمّرت المستشفيات والمدارس والمباني العامة والمساجد والكنائس والمباني التاريخية التي ترمز إلى حضارتها، بعد وقوع الزلزال، اضطر 563,751 شخصاً إلى الهجرة من هاتاي.

 

الحياة في 21 متراً مربعاً

مرّ عامان على الزلزال "ما الذي تغير خلال عامين؟ كيف يواصل الناس حياتهم؟"، والإجابة على هذه الأسئلة هي كما تقول الأغنية الشعبية المعروفة "ماذا أقول لك يا سيدي العزيز، خيوطناً ليست مرتبة"، فوفقاً لبيانات (آفاد)، يوجد في هاتاي 199 فرقة مسبقة الصنع، يقيم 215 ألف و310 شخص فيها، ولا يمكن دخولها دون إذن من المحافظة.

في الغرف المسبقة الصنع، هناك مساحات لآلاف الأشخاص مفصولة عن العالم الخارجي وكأنها "سجن مفتوح" بأسوار عالية وحراس أمن على البوابات، يحاول الناس البقاء على قيد الحياة في غرفة مساحتها 21 متراً مربعاً منذ عامين ولا توجد إجابة على سؤال إلى متى سيبقون هنا؟

 

"لقد تُركنا لنموت"

نيلغون كاراسو، رئيسة جمعية حماية البيئة في هاتاي، عاشت كارثة الزلزال مع عائلتها في دفنة "كنتُ وحدي في منزلي أثناء الزلزال ليلة 6 شباط، استيقظت على هزة أرضية قوية، عندما بدأت أصوات الانسكاب في المنزل، اتخذت على الفور وضعية الجنين بجانب السرير وحاولت حماية نفسي".

وقالت إنهم أدركوا حجم الدمار الذي أحدثه الزلزال بشكل أفضل عندما بزغت الشمس "لم يتم التغلب على ما حدث في اليوم الأول من الزلزال، لقد تم تهميشنا وعزلنا وتركنا للموت، ولو تم التدخل في الوقت المناسب لما كان عدد القتلى مرتفعاً، لأن الكثير من المدنيين ماتوا بسبب البرد القارس في تلك الأيام، لم يتمكنوا من التخلص من نقص الاتصالات، أصبح الإنترنت ثقيلاً، ولم تعمل شبكات الهاتف، لذلك، لم يتمكن الكثير من الناس من إرسال طلبات المساعدة، كان هناك تدخل متأخر، حيث لم يتم التدخل إلا بعد ثلاثة أيام".

 

"التمييز في كل مجال"

ذكرت نيلغون كاراسو أنه كان هناك تمييز في كل مجال منذ اليوم الأول "كانت المساعدات التي تصل إلى المدينة تُنتظر أولاً عند مدخل المدينة وترسل إلى أماكن معينة بتوجيه من المسؤولين، حتى مستشفياتنا بالفعل غير صالحة للاستخدام تماماً، تم نقل الجرحى ذوي الإصابات الخطيرة إلى أضنة ومرسين باعتبارهما الأقرب".

وأضافت "بعد اليوم الثالث، تم إنشاء مستشفى ميداني، كان بالإمكان التدخل في المستشفى الميداني لإسعاف الناجين، وحتى هذا التدخل تم في ظروف غير صحية، ووصل المحظوظون منهم إلى أضنة وتم إنقاذهم".

وفي هاتاي، دمر الزلزال أيضاً المستشفيات ومراكز صحة الأسرة، ووفقاً للجمعية الطبية التركية، فقد دُمّر 28 مركزاً من أصل 43 مركزاً لصحة الأسرة، يتم تقديم الخدمات الصحية إما في مبانٍ معززة أو في المراكز التي تم إنشاؤها في الغرف مسبقة الصنع.

 

"لا يزال لدينا العديد من الأشخاص الذين لا يستطيعون العثور على مفقوديهم"

لفتت نيلغون كاراسو، التي قالت إن عامين قد مرا "لا يزال لدينا العديد من الأشخاص الذين لا يستطيعون العثور على مفقوديهم، ما زالوا ينتظرون بأمل، أتساءل عما إذا كانوا سيخرجون أحياء من مكان ما، لقد اختفى الكثير من الناس تماماً، لدينا تفسيراتنا الخاصة منها بأنهم حوصروا تحت الأنقاض أو أن بعض المنازل قد انهارت في الأرض، اعتقدنا أنهم ربما بقوا فيها، كان هناك حريق في بعض المباني السكنية واعتقدنا أنهم ربما اختفوا هناك، ولدينا الكثير من الأشخاص الذين لم يتم العثور عليهم بعد مرور عامين".

 

"لا شيء يسير على ما يرام"

أكدت نيلغون كاراسو أن المشاكل تضاعفت أكثر خلال عامين "لقد تضاعفت مشاكلنا منذ اليوم الأول دون إيجاد حل لها، لقد تُركنا وحدنا مع العديد من المشاكل التي قد يستغرق حلها سنوات، أو قد تبقى دون حل، فلا شيء يسير على ما يرام الآن، لا يزال الناس يكافحون من أجل المأوى والمعيشة، أولئك الذين حالفهم الحظ في الحصول على مأوى جيد حاولوا أن يستعيدوا القليل من عافيتهم، لكن هذا لم يجعلهم سعداء، فعلى سبيل المثال، أنا لا أشعر بالسعادة في منزلي وأقول لا يحق لي العيش في هذه الرفاهية".

وأضافت "لا يمكن أبداً أن تكون تلك الغرف مكاناً للعيش، عادة، في البلدان المتقدمة، كان ينبغي الانتقال إلى ملاجئ مؤهلة في الشهر الثالث كحد أقصى، يمكن للمرء أن يعيش في ملاجئ مؤهلة لفترة طويلة، في الوقت الحالي، لا تصل أي مساعدات إلينا، كما أن انقطاع التيار الكهربائي يسبب مشكلة أخرى".

وتابعت "الحياة الاجتماعية معدومة، الأطفال ليس لديهم مكان للدراسة، وليس لدى النساء مجالات لقضاء وقتهن، كما أنهن تتحملن عبء كل هذا المشاكل، أنهن تحاولن خلق حياة في مساحة 21 متراً مربعاً، الرجال يغادرون بطريقة ما في الصباح ويعودون في المساء، لأنهم مضطرون للعمل".

 

يتلقى الأطفال التعليم في ظروف سيئة

وفقاً للبيانات الرسمية، دُمرت 88 مدرسة وتعرضت 175 مدرسة لأضرار متوسطة في هاتاي بعد الزلزال، وفقد 380 معلماً و2,930 طالباً حياتهم، ومن بين 1324 مدرسة لا يزال التعليم فيها مستمراً، توجد 29 مدرسة، يعيش معظم الطلاب في المدينة إما في تلك الغرف أو خيام.

ولفتت نيلغون كاراسو الانتباه إلى وضع الأطفال في سن التعليم "يجب أن تحتوي الغرف مسبقة الصنع على قاعات للدراسة، ويجب أن يكون هناك ملعب للأطفال، لا يوجد شيء من ذلك، لا يمكن لأي شخص يعيش في مثل هذه المنطقة وهو لم يتعافى بعد من الزلزال أن يكون بصحة جيدة بأي شكل من الأشكال، فالمشاكل النفسية متفشية".

وأضافت "هل يمكنك أن تتخيل أن طفلاً يعيش في غرفة مسبقة الصنع وطفلاً يدرس في مدرسة خاصة في مدينة حضرية يخضعان لنفس الامتحان، نحن في مثل هذا الخلل، فالأطفال يحاولون الوصول إلى مدارسهم عن طريق التنقل المتقطع، جميعاً نحاول اصطحابهم طواعية عندما نراهم على الطريق، على سبيل المثال، أكثر ما أخشاه أن يحدث شيء ما للأطفال، خاصة الفتيات الصغيرات في المرحلة الثانوية، على تلك الطرقات، يجب أن يحصل الطلاب على وجبة واحدة في اليوم، حتى المياه النظيفة غير متوفرة، لا يمكننا الوصول إلى الهواء والماء النظيف، وهما من أهم احتياجاتنا الأساسية".

 

المشاكل الاقتصادية الحادة

ذكرت نيلغون كاراسو أن صدمة الزلزال لم يتم التغلب عليها بعد، خاصة المشاكل الاقتصادية التي تمثل تحدياً كبيراً "يحاول الأهالي بناء حياة بمشاكلهم الخاصة، ومن المثير للجدل مدى صحة ذلك، لأن صدمة الزلزال لم يتم التغلب عليها بعد، كثير من الناس لا يستطيعون ممارسة مهنتهم الخاصة، ومنهم لا يستطيعون العمل لأن أماكن عملهم دمرت، واضطروا إلى فتح أعمالهم في أكواخ صغيرة على جوانب الطرقات أو زوايا الحدائق لإعالة أسرهم، الشخص الذي لديه مهنة عليه أن يذهب إلى العمل اليومي، لا يوجد شيء على ما يرام لأن القرارات الخاطئة التي تتخذها السلطات وصناع القرار لا يضعها الناس في أولوياتهم". 

 

"تزايد العنف ضد المرأة"

تشير الدراسات إلى أن العنف ضد المرأة قد ازداد أيضاً في المدينة، وتوصف المضايقات والعنف بأنها شائعة خاصة في تلك الغرف، هذا ما أكدت عليه نيلغون كاراسو "لقد زادت مشاكل النساء كثيراً، وتتحملن كل العبء، لقد ازداد العنف ضد المرأة، لا يوجد شيء اسمه الحياة الخاصة، ازداد تعاطي المخدرات كثيراً، وازدادت المضايقات ولا يوجد شيء اسمه خصوصية، العائلات الكبيرة معاً، وللأسف، في هذا الوضع، ازداد العنف والطلاق أيضاً"، مشيرةً إلى أن النساء على وجه الخصوص تواجهن الكثير من الصعوبات المالية وأن المساعدات انقطعت تماماً.

 

"تم تسليم المدينة لشركات البناء"

في تقييمها للمشاكل البيئية أوضحت نيلغون كاراسو أنه "في الوقت الحالي، تم تسليم المدينة لشركات البناء، وهي عبارة عن موقع بناء بالكامل، كل شيء يمثل مشكلة في موقع البناء هذا، هناك مشاكل في المواصلات، ومشاكل في البنية التحتية والفوقية، ومشاكل في الكهرباء والتعليم والسكن، ومشاكل في الصحة، ومشاكل أخرى كثيرة لا يمكننا حصرها".

 

"ستكون كارثتنا الثانية"

قالت نيلغون كاراسو "لقد عشنا كارثة القرن، ولكننا عشنا أيضاً الدمار البيئي للقرن، حيث استيقظنا ذات صباح على مدينة لم تكن موجودة، وتضاعفت مشاكلنا البيئية كل يوم مع العمل الذي لم تقم به السلطات منذ اليوم الأول، حيث تم نقل الأنقاض بشكل عشوائي، ورميها في الأماكن الخاطئة، واختلط الأسبستوس بمياهنا الجوفية، وكل مكان التفتت إليه أعيننا أصبح ركاماً لفترة من الوقت".

وأضافت "ثم بدأت عمليات الهدم التي لم تتم وفقاً للوائح، ولم يتم استخدام نظام الري، ولم يتم تغطية الشاحنات بالقماش المشمع، ولم يتم حماية المباني المهدومة، ازداد تلوث الهواء، وهناك أيضاً مشكلة الأسبستوس، كل هذه المواد الكيميائية تشكل تهديداً لنا، ووفقًا للمعلومات التي قدمها أصدقاؤنا الأطباء، سنشعر بهذه المشاكل الصحية أكثر في المستقبل".

ولفتت إلى أنه "تم تدمير بساتين زيتون يتراوح عمرها بين 50 و300 عام، وأقيمت مصانع الكتل الإسمنتية في وسط المدينة دون إذن أو ترخيص، وغبار الإسمنت الناتج عن مصانع الخرسانة يلوث الهواء، وتقلصت الحياة في المناطق الريفية، وتم تسليم المراعي في العديد من القرى إلى المحاجر، وبسبب ذلك، وصلت تربية الحيوانات إلى مرحلة الانقراض، كما أن الدمار الذي تسببه المحاجر واضح أيضاً، وباختصار، سيكون هذا الوضع كارثة الزلزال الثانية التي ستحل بنا بسبب تزايد عدد المحاجر ومصانع الكتل الإسمنتية كل يوم".