في ظل الحرب المستمرة... السودان تواجه معضلة التغيرات المناخية

تعد السودان من الدول الأكثر عرضةً لتغير المناخ، حيث يشكل ارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام هطول الأمطار، وفترات الجفاف الطويلة، والفيضانات المتكرّرة، تهديدات متزايدة للبيئة والمجتمع البشري على حد سواء، خاصة مع استمرار الحرب التي مزقت البلاد.

ميرفت عبد القادر

السودان ـ تعتبر التغيرات المناخية العالمية من أكبر التحديات التي تواجه الدول والأفراد وتهدد الأمن الغذائي العالمي، وتؤثر على النمو الاقتصادي واستدامة التنمية مما ينعكس سلباً على الدول النامية.

يقول العلماء أن هناك توازن طبيعي لنسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، إذا تجاوز تركيزه هذه النسبة سيؤدي إلى الاحترار العالمي في تناسب طردي مع نسبة تركيزه في الغلاف الجوي، وبالتالي تتجلى وتتفاقم درجات التغير المناخي طردياً بزيادة نسبة تركيز غازات الكربون في الغلاف الجوي للأرض.

ومن خلال الدراسات والقياسات التي أجريت في هذا الخصوص تبين الارتفاع المطرد لدرجات حرارة سطح الأرض عند بداية الثورة الصناعية وزيادة استخدام الوقود الأحفوري في الصناعة والأنشطة الأخرى، والتي أدت إلى زيادة تركيز غازات الكربون بدرجة كبيرة، حيث أظهر تقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تحطماً جديداً للأرقام القياسية فيما يخص مستويات غازات الاحتباس الحراري ودرجات حرارة سطح الأرض وارتفاع مستوى سطح البحر.

وأكد التقرير أن عام 2023 كان الأكثر ارتفاعاً في درجات الحرارة منذ بدء التسجيل، حيث بلغ المتوسط العالمي لدرجة الحرارة 1.45 درجة مئوية، وهو ما وصفته المنظمة بأنه "فوق المتوسط المناخي في فترة ما قبل الثورة الصناعية"، لذلك ازدادت في العقدين الأخيرين وتيرة دورات الجفاف والرطوبة العالية والأمطار الغزيرة التي تعقبها دورات جفاف حادة تؤثر على الأمن الغذائي والموارد المائية وتحد من النمو الاقتصادي واستدامة التنمية مما ينعكس سلباً على الدول النامية.

وتعتبر البلدان الأقل نمواً والأشد فقراً كالصحراوية وشبه الصحراوية هي الأعلى هشاشة تجاه التغير المناخي والأكثر تأثراً بتداعياته.

 

تأثر السودان بالتغير المناخي

يُصنف السودان ضمن الدول شبه الصحراوية حيث يتأثر بالتغيرات المناخية على المدى الطويل والتي تظهر على شكل كوارث طبيعية كالسيول والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، مما يهدد أمنه الغذائي المحلي والبيئي.

وحول هذا الموضوع قالت مدير الإدارة العامة للرصد والتوقع بالسودان مها عبد الله عبد الرحمن "يعود تغير المناخ لتدخل الإنسان في الطبيعة بالصناعات وإفراز ثاني اكسيد الكربون مما تسبب باجترار في الأرض وارتفاع درجات الحرارة، ما أدى في أحداث متطرفة للطقس.

وفيما يتعلق بالتغيرات المناخية، أوضحت أن السودان لا تمتلك صناعات كبرى لإنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في تغير المناخ، ولكن نسبة لبعض السلوكيات أثر التغير المناخي عالمياً على مناخ السودان، مشيرةً إلى أن هناك بحوث ودراسات اثبتت أن التغير المناخي وضح جلياً في عام 2024 ‪ في تطرف درجات الحرارة حيث سجل السودان درجات حرارة مرتفعة جداً هذا العام متأثراً بارتفاع درجات الحرارة عالمياً، مما زاد من نسبة هطول الأمطار بشكل كبير وملحوظ وفاقت المعدلات.

ووفق تقرير مركز الشرق الأوسط للشؤون الدولية عن التغييرات المناخية في السودان "يظهر علامات واضحة على قابلية التأثر بتغيّر المناخ، ووفقاً لمصفوفة مبادرة التكيف العالمية لجامعة نوتردام (GAIN – ND) 8 يأتي السودان في المرتبة الثامنة من حيث قابلية التأثر بالتغيرات المناخية من أصل 185 دولة في العالم، وفي المرتبة 175 من حيث الاستعداد ما يضعه في المربع العلوي الأيسر من المصفوفة، ما يشير إلى وجود تحديات كبرى وحاجة ملحة لاتخاذ الإجراءات. وبالفعل، فقد سجل السودان درجات عالية من حيث مقياس درجة قابلية التأثر9 ومنخفضة من حيث الاستعداد 10وتعكس هذه الأرقام العقبات الكبيرة التي تحول دون قدرة البلاد على تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة، حتى في غياب الحرب، كما يعيق تدهور النظم البيئية في البلاد واستنزاف مواردها الطبيعية قدرة الدولة على معالجة الفقر وعدم المساواة.

 

ارتفاع درجات الحرارة

كان يمتاز السودان سابقاً بمناخ معتدل قبل التغيرات التي طرأت على طقسه بسبب التغير العالمي في المناخ حيث ارتفعت درجات الحرارة بشكل ملحوظ ووصلت إلى أكثر من 50 درجة مئوية، وأورد المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية في السودان في بيان أصدره عام 2023 إن أغلب دراسات التغيرات المناخية تشير إلى نقص هطول الأمطار وزيادة في درجة الحرارة في المستقبل القريب والبعيد.

ووفقاً لتوقعات العلماء فإن درجات الحرارة في السودان ستواصل الارتفاع كثيراً، حيث صنفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عام ٢٠٢٣ الأعلى حرارة عالمياً قبل أكثر من مائة عام، وتشير التنبؤات والقياسات الحالية إلى أن عام ٢٠٢٤ هو الأعلى على الاطلاق للمائة عام الماضية، وانضم السودان للدول التي سجلت أعلى درجات حرارة خلال صيف هذا العام.

وشهدت ولاية البحر الأحمر وحدها 13 حالة وفاة نتيجة الإصابة بضربات الشمس، وبلغت عدد الإصابات 36 حالة عام 2023 وازدادت حالات الوفيات والإصابات بضربات الشمس هذا العام بكل من ولايات البحر الأحمر ونهر النيل والولاية الشمالية.

ووفقاً لبحث أجرته منظمة اليونيسف في تشرين الأول/أكتوبر2022 والذي أكد أنه بحلول عام 2050 من المتوقع أن يتعرض جميع أطفال العالم تقريباً الذين سيبلغ عددهم 2.02 بليون طفل لارتفاع مضطرد لموجات الحر، الأمر الذي سيضاعف من تأثيرات المناخ على البلاد، حيث من المتوقع أن يحدث المزيد من حالات الإصابة بضربات الشمس.

 

السيول والفيضانات

تعرض السودان لموجة جفاف حادة لازالت آثارها باقية في النصف الأول من عقد الثمانينات من القرن الماضي أعقبتها دورة أمطار غزيرة جداً في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي، وظهرت آثار التغيّرات المناخية في السودان باكراً، حيث شهد منذ عام 2020 وحتى عام 2023 فيضانات مدمرة أدت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات في عدد من مناطق البلاد المختلفة، أشهرها تلك التي حدثت في منطقة الجيلي شمال مدينة بحري بالعاصمة الخرطوم، والمناقل بولاية الجزيرة، ونهر النيل والأبيض، وغيرها من ولايات السودان المختلفة.

وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في تقريره عام 2022 ‪بأن الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة في السودان شرّدت نحو 136 ألف شخص في البلاد، وذلك نقلاً عن مفوضية العون الإنساني الحكومية والمنظمات الإنسانية العاملة في الميدان والسلطات المحلية.

وفي عام 2023 نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقريراً قال فيه، إن تغير المناخ الذي يوصف غالباً بأنه عامل مضاعف للأخطار، يضاعف من العبء المُلقى على عاتق الأشخاص، وأصبح هطول الأمطار أقل انتظاماً، بينما أصبحت الفيضانات والجفاف أكثر تواتراً.

ومن أهم تأثيرات تغيرات المناخ والتي تعتبر مهدداً حتمياً على السودان قيام سد النهضة الإثيوبي، والتحولات التي يمكن أن يحدثها في المنطقة، فقد حذر خبراء من الأمطار الغزيرة أو الفيضانات المفاجئة، التي تستلزم الإفراج عن كميات كبيرة من المياه من السد الأثيوبي، والتي قد تضع سدود السودان تحت ضغط لا يمكنها تحمله.

وكانت وكالة (شينخوا) الصينية قد نقلت عام 2022 قولها عن خبراء سودانيين، بأن السودان قد دخل في حزام الأمطار الغزيرة التي تحدث فيضانات كبيرة منذ 3 عقود.

وحذرت تقارير مناخية صادرة عن مؤتمرات المناخ والدوريات العلمية من أن السودان يقع على رأس الدول الــ65 الأكثر عرضة لتغيرات المناخ الأمر الذي يهدد البنية التحتية المتواضعة للسودان والتي تدمرت بشكل كبير بعد حرب السودان نيسان/أبريل عام 2023، التغير المناخي، إضافة إلى ظهور الزلازل بالسودان، حيث بقيت بعيدة عن نطاقات الزلازل الكبيرة وشهدت أراضيه استقراراً جيولوجياً طويلاً نسبياً. ولكن في الآونة الأخيرة بدأت الزلازل والبراكين وظهرت تشققات وشروخ طويله ممتدة لمسافات بعيدة في أواسط وغرب السودان.