فن في زمن الحرب... مبادرة فردية تحمل رسالة عالمية
فنانات تشكيليات يشاركن في رسم جداريات ضمن مبادرة فردية تحمل شعار "من غزة... على العهد يا قدس". توثق مركزية القدس وتؤكد حضور الهوية الفلسطينية وترفض الابادة والعدوان رغم القصف والحصار.

نغم كراجة
غزة ـ استطاع مجموعة من الشبان والشابات في قطاع غزة من خلال الألوان الزاهية التي تزين الجدران، أن ينقلوا للعالم صورة مختلفة عن غزة بعيدة عن الموت والدمار وقريبة من الحياة والمقاومة.
بمناسبة اليوم العالمي للقدس، أطلق مجموعة من الشبان والشابات في قطاع غزة اليوم السبت 29 آذار/مارس، مبادرة فنية فردية، تهدف إلى تثبيت الهوية الفلسطينية والتأكيد على مركزية القدس رغم الحرب المستمرة، وتضمنت الفعالية رسم جداريات في عدة مناطق متضررة من القصف، تعبيراً عن الصمود في وجه الحرب وإيصال رسالة للعالم بأن القضية الفلسطينية حية رغم محاولات الطمس والتشريد.
ورغم المخاطر الكبيرة التي تواجههن، أصرت الفتيات المشاركات على تحدي الظروف الصعبة، واستخدام الفن كسلاح غير تقليدي في مواجهة الحرب، وإبراز دور المرأة الفلسطينية في النضال والإبداع.
وتحت القصف المستمر وفي ظل الحصار الذي يعزل غزة عن العالم، جاءت هذه المبادرة الفنية الفردية، وهي ليست مجرد تعبير عن الفن بحد ذاته بل صرخة بصرية تحمل رسالة مقاومة من نوع آخر، رسالة لا تنحني أمام الدمار ولا تذوب في ركام المنازل المهدمة.
وتقول الفنانة التشكيلية نسمة أبو حصيرة "كفتيات فلسطينيات، لم نكن لنقبل أن يكون الفن مجرد ترف في أوقات السلم، أردنا أن يكون سلاحاً في وجه الطغيان، وصوتنا حين تُحاصر الكلمات رغم القصف والخوف، ورغم أننا لا نعلم إن كنا سنعود سالمات بعد كل مرة نخرج فيها للرسم، إلا أننا أصررنا على الاستمرار فهذا حقنا وواجبنا، ورسالتنا للعالم بأن القدس ليست مجرد ذكرى، بل قضية حية نابضة في قلوبنا جميعاً".
وأوضحت أن الفعالية كانت بمثابة تحدٍّ حقيقي للفتيات المشاركات، فهن لم تواجهن صعوبة تأمين الأدوات والطلاء في ظل شح الموارد فقط، بل خضن معركة مع الوقت في محاولة لإنجاز الجداريات قبل أن يصبح المكان غير آمن بسبب القصف العشوائي "حين رسمنا إحدى الجداريات على جدار مهدّم بفعل غارة جوية سابقة، شعرنا وكأننا نعيد إحياء المكان، وكأن الفن يمنحنا القوة لترميم ما دمرته الحرب، حتى لو كان ذلك بالريشة والألوان فقط".
المرأة الفلسطينية قوة إبداعية تتحدى الحرب
ولم تقف الفنانات الفلسطينيات مكتوفات الأيدي أمام ما يتعرض له وطنهن، ورغم الصورة النمطية التي تربط المرأة الفلسطينية فقط بالمعاناة والمأساة، أصبحن اليوم رمزاً للصمود والإبداع.
وترى الفنانة التشكيلية آية جحا أن دور المرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل في توثيق القضية الفلسطينية ونقلها للعالم وتقول "الفن ليس حكراً على أحد، وهو بالتأكيد ليس حكراً على الرجال، كفنانات فلسطينيات نمتلك رؤية، وإحساساً عميقاً بكل تفاصيل القضية، ونعلم أن معركتنا ليست فقط بالبندقية، بل أيضاً بالفرشاة والكلمة والصورة، في هذا الوقت العصيب نحن هنا لنؤكد أن المرأة الفلسطينية ليست فقط مكلومة أو مضطهدة بل هي صانعة للتغيير، قائدة، ومبدعة، تحمل صوت شعبها بوسائل غير تقليدية، وتقاوم الحرب بأساليب جديدة، لا تقل تأثيراً عن أي شكل آخر من أشكال النضال".
وأشارت إلى أن الفعالية جاءت في وقت بالغ الصعوبة، حيث يتعرض الفلسطينيون لمحاولات ممنهجة لطمس هويتهم وإنهاء وجودهم الثقافي "كل شيء يريد الاحتلال محوه نحن نحاول إعادته للحياة، يحاولون تدمير شوارعنا نحن نرسمها، يهدمون منازلنا نرسم وجوه شهدائنا على جدرانها، يمنعوننا من التعبير نحن نرد عليهم بالفن".
ولم تكن هذه المبادرة مجرد تجربة فنية عادية، بل كانت محفوفة بالمخاطر الحقيقية، حيث كانت تخرج الفتيات صباحاً لرسم الجداريات في المناطق المتضررة، متجاهلات أصوات الطائرات الحربية التي تحلق فوق رؤوسهن، وهن على دراية بأن المكان الذي تقفن فيه قد يتحول في أي لحظة إلى هدف عسكري.
المقاومة باللون والضوء
وما يميز هذه الجداريات، إلى جانب تفاصيلها الفنية الدقيقة، هو الرسالة التي تحملها، فمن خلال الألوان الزاهية، والرموز الوطنية التي تزين الجدران، استطاع مجموعة الشبان أن ينقلوا للعالم صورة مختلفة عن غزة، صورة بعيدة عن الموت والدمار، قريبة من الحياة والمقاومة.
وتقول آية جحا "الفن هو سلاحنا ولغتنا التي لا تحتاج إلى ترجمة، نحن نرسم لأننا نؤمن أن الصورة تبقى حتى بعد أن تسقط القذائف، الجدار الذي تراه مدمراً اليوم قد يتحول غداً إلى لوحة تحكي قصة صمودنا" مؤكدةً أنه "لا يمكن للقوات الإسرائيلية أن تصادر أفكارنا وتقتل الألوان في قلوبنا، سنرسم على كل جدار وسنخبر العالم أننا هنا، باقون وراسخون كأشجار الزيتون".
وفي ظل استمرار الحرب بقيت هذه الجداريات شاهدة على مرحلة فارقة من تاريخ فلسطين، فهي ليست مجرد ألوان على جدار، بل هي ذاكرة بصرية ورسالة تحدٍ، وشكل من أشكال المقاومة التي لن تستطيع الحرب محوها.