دعوات عاجلة لحماية أطفال غزة وتوفير بيئة داعمة لتعافيهم النفسي

بين ركام الحرب، ظل الأمل حاضراً في الورشة بأن صوت الطفل الفلسطيني لن يُنسى، وأن العالم، وإن طال صمته، سيستيقظ يوماً ما على صرخة بريئة تطالب فقط بحق بسيط أن يُسمح لهم أن يعيشوا.

نغم كراجة

غزة ـ في مشهد مؤلم يتقاطع فيه الواقع الإنساني مع الانهيار النفسي، أطلق حقوقيون ومختصون في شؤون الطفولة وممثلون عن منظمات محلية ودولية، جملة من المطالب العاجلة لتوفير الحماية والرعاية الشاملة لأطفال قطاع غزة الذين يعيشون تحت وطأة حرب متواصلة منذ أكثر من ثمانية عشر شهراً خلفت آثاراً كارثية على نموهم العقلي وتوازنهم النفسي.

عقدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أمس الأحد ١٣ نيسان/أبريل، ورشة عمل رقمية عبر تطبيق زووم، بالتزامن مع يوم التضامن مع الطفل الفلسطيني، وحملت عنوان "الصحة النفسية لأطفال غزة: الواقع والتحديات"، جمعت الورشة أصواتاً متنوعة من مؤسسات المجتمع المدني، وممثلي جهات دولية، ناقشوا خلالها واقع الطفولة في ظل الحرب، وآليات التدخل لدعم الصحة النفسية للأطفال.

وسلطت الهيئة المستقلة الضوء على حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال من قتل وتشريد وتجويع وحرمان من أبسط مقومات الحياة، مؤكدة أن هذا الوضع المأساوي يتطلب تدخلاً فورياً على المستوى المحلي والدولي لضمان حقوقهم الأساسية، وقدّم فريق برنامج غزة للصحة النفسية عرضاً شاملاً للتحديات التي تواجه مزودي خدمات الدعم النفسي، مشيرة إلى أن الأزمات المتتالية خلّفت حالات معقدة من الاضطرابات لدى الأطفال يصعب علاجها في ظل الإمكانيات المحدودة.

بدورها، استعرضت رانية سمور، ممثلة منظمة اليونيسيف، جهود المؤسسة في تقديم تدخلات نفسية متخصصة للأطفال خلال فترات النزاع، مركّزة على أهمية خلق بيئة آمنة واحتضان نفسي مستمر يراعي آثار الصدمة الجماعية.

فيما ركزت رشا أبو شعبان، ممثلة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، على البعد القانوني في الاستجابة لأزمات الصحة النفسية، داعية إلى إدماج مبادئ حقوق الإنسان في كل برامج الدعم النفسي والاجتماعي، وضمان استدامة هذه الجهود في سياق الحماية المجتمعية الشاملة.

ورسم المشاركون صورة قاتمة عن واقع الطفولة في غزة، إذ يتعرض الأطفال لمزيج مركّب من الصدمات المتكررة، بدءاً من فقدان الأحبة، مروراً بانهيار البنى الخدمية، وصولاً إلى معايشة مشاهد الدمار والموت، مما أدى إلى تدهور حاد في التوازن النفسي لدى شريحة واسعة منهم، كما أشاروا إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال يعانون من القلق المزمن، الأرق، ونوبات الهلع، فضلاً عن تراجع حاد في السلوك الاجتماعي والتفاعل الأسري.

وأشار المتحدثون إلى أن سياسة الحصار والتجويع ومنع إدخال المساعدات عمّقت من معاناة الأطفال، حيث ظهرت مؤشرات واضحة لسوء التغذية الذي يؤثر بدوره على الصحة الذهنية، كما تناولت الورشة آثار انقطاع العملية التعليمية، التي حرمت مئات آلاف الطلبة من مواصلة دراستهم، رغم المحاولات المتكررة لإيجاد مساحات تعليمية بديلة، والتي بدورها انهارت مجدداً مع استئناف الحرب في آذار/مارس الماضي.

في لحظة إنسانية مؤثرة، أطل الطفل عمر شبانة (10 أعوام) من مدينة غزة، ليشارك بكلماته البريئة صرخة جيل بأكمله. تحدّث عن خوفه المتكرر من صوت القصف، عن شوقه لمدرسته، عن حاجته للدواء، وعن أمنيته الوحيدة "أن أعيش في بيت لا يُقصف، وأن أستيقظ دون أن أعدّ الأشلاء" تلك الكلمات اخترقت قلوب الحاضرين، لتجسد ببساطة عميقة حقيقة الطفولة المسلوبة.

وتطرقت الورشة إلى ظواهر مستحدثة فرضها واقع الحرب، كحالات الأطفال غير المصحوبين، الذين فقدوا ذويهم نتيجة القصف أو النزوح، وضرورة توفير برامج رعاية خاصة لهم، تشمل الدعم النفسي، الحماية القانونية، وإعادة لمّ شملهم بعائلاتهم متى توفرت الظروف، كما ناقش الحضور الدور المتنامي للمؤسسات الأهلية والدولية في التنسيق لتوفير شبكات أمان اجتماعي تقلل من حجم المعاناة وتفتح نوافذ تعافي محتملة.

وفي ختام اللقاء، خرج المشاركين بجملة من التوصيات الحاسمة، تمحورت حول ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وبدء عملية إعادة إعمار شاملة تضمن بيئة مستقرة للأطفال، كما طالبوا بإطلاق خطة وطنية لإعادة الروتين اليومي للأطفال من خلال عودتهم إلى مقاعد الدراسة ودمجهم في أنشطة تعليمية وترفيهية تساهم في تخفيف آثار الصدمة.

وأكدوا على ضرورة توفير دعم نفسي متخصص ومتكامل يشمل كافة الفئات، بما فيها الأطفال من ذوي الإعاقة والناجين من بتر الأطراف، إضافة إلى تعزيز قدرات العاملين في هذا المجال من خلال برامج تدريب وتأهيل متقدمة.

كما دعا المشاركين إلى تعزيز التنسيق بين الجهات المحلية والدولية لضمان استمرارية الحماية النفسية للأطفال، من خلال إدارة الحالات الفردية وتوفير خدمات مستدامة تراعي الخصوصية الثقافية والاجتماعية للقطاع، مشددين على أن حماية الأطفال لا تبدأ بالعلاج، بل بتفكيك بيئة الخطر التي يعيشون فيها، وهو ما يتطلب التزاماً أخلاقياً وسياسياً من المجتمع الدولي تجاه مستقبل الطفولة الفلسطينية.