دراسة تؤكد أن 70% من الصحفيات في لبنان تعرضن للتحرش الجنسي

صدرت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "سمير قصير" في لبنان، حول التحديات التي تتعرض لها الصحفيات في لبنان، خصوصاً من النواحي الحقوقية والاقتصادية، مؤكدةً أن 70% منهن تعرضن للتحرش الجنسي.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ أكدت الباحثة نادين مبارك أن الصحفيات والإعلاميات في لبنان تتعرض للعديد من التحديات لها علاقة بالإجازة والرواتب والترقيات والوصول إلى مناصب قيادية، والتي لا تزال قائمة بسبب الثقافة الأبوية والذكورية المتجذرة داخل المؤسسات الإعلامية.

صدرت دراسة حديثة تحت عنوان "نضال الصحفيّات في لبنان، التحديات المهنية والنفسية والاجتماعية" من إعداد مسؤولة البرامج والباحثة في مؤسسة "سمير قصير" نادين مبارك، والتي أطلقتها المؤسسة في كانون الثاني/يناير من العام الجاري.

وشملت الدراسة التي أجرتها مؤسسة "سمير قصير" سلسلة من 70 مقابلة مع صحفيّات مستقلات ومن مؤسسات إعلامية مختلفة، وخلصت إلى نتائج صادمة، منها أن 70% من الصحفيات تعرضن للتحرش الجنسي، كما أبلغت 59% منهن عن تعرضهن لإساءة لفظية،49% لخطاب الكراهية، 43% للتهديدات،30% للإيذاء الجسدي و19% للتنمر والتحرش عبر الإنترنت.

وأشارت الدراسة إلى أن 90% من الصحفيات تعرضن لمضايقات في العمل إضافة الى التمييز الجندري فيما يتعلق بمعاناتهن المتعلقة بالأجور مقابل الرجال وحصولهن على الإجازات وعدم وصولهن إلى مراكز القرار إلا في حال وافقن على بعض "التنازلات". 

وأوضحت الدراسة أن الهدف هو البحث عن التحديات المهنية والشخصية التي تواجه الصحفيات في لبنان، وتسليط الضوء على حقوق العمل الخاصة بهن لجهة الرواتب والترقيات والإجازات فضلاً عن المضايقات التي تتعرضن لها خلال عملهن مثل التمييز الجندري والطائفي، وأنه لا يوجد تقييمات دورية وسنوية للموظفين، وبالتالي لا تحصلن على ترقيات وفقاً لمبدأ الكفاءة.

ولفتت الدراسة إلى أن هناك متطلبات ومعايير محددة بما يتعلق بالمظهر الخارجي مثل الجاذبية والرشاقة والشعر الناعم، ومع ذلك فإن التكلفة الحقيقية التي تدفعها المرأة مقابل ممارسة مهنة الصحافة تتعدى مجرد المظهر، لتشمل القبول بالتحرش الجنسي على يد مسؤولي التوظيف والمدراء والزملاء، واعتبارها جزءاً طبيعياً من العمل داخل المؤسسات الإعلامية، ما يخلف آثاراً نفسية لديهن ويعرقل تقدمهن المهني.

واستندت الدراسة على استبيان موحد ومقابلة على مدى حوالي 40 دقيقة، وللحفاظ على المبدأ الأخلاقي و"عدم الإضرار "اتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان السرية والحؤول دون الكشف عن هوية المشاركات، وانقسمت النتائج إلى أقسام ثلاثة "التحديات في مكان العمل، التحرش الجنسي قبل التوظيف وخلاله وبعده، فضلاً عن الاستجابة والسياسات المؤسساتية".

وشملت الدراسة الصحفيات المستقلات واللواتي ضمن المؤسسات الإعلامية، منهن 92.9% من اللبنانيات و7.1 % من غير اللبنانيات من فئات عمرية مختلفة أكثر من 65 % منهن بين 26 ـ 40 عاماً وبخبرات، بين أقل من عام وحتى أكثر من 12 عام ، كما شملت المؤسسات التقليدية والرقمية والمواقع الإخبارية والمنظمات غير الحكومية ووكالات التسويق وغيرها، وقد أشارت 64 % منهن أنهن لم تحصلن على زيادة في الراتب أو ترقية خلال الخمس سنوات الماضية، وقدمت المشاركات أسباباً لهذا الأمر، لجهة عدم قدرة المؤسسات، ولوجود التمييز الجندري لكونهن نساء، أو لأنهن ليس لديهن واسطة سياسية، ولوجود تمييز طائفي وفساد في المؤسسة.

كما وجدت الدراسة أن الكثيرات تعملن بدوام كامل ولا تحصل على إجازات، وتعملن في أيام العطل، فضلاً عن التحديات لإيجاد التوازن بين حياتهن المهنية والشخصية، خاصةً أثناء إجازة الأمومة وتنفيذ واجبات تربية الأطفال، وغالباً ما ينظر إليهن من قبل أصحاب المؤسسات بأنهن يمكن أن تتسببن بمسؤولية قانونية بسبب احتمال زواجهن وحملهن لاحقاً، مما يؤدي إلى ممارسات تمييزية خلال التوظيف.

وأكدت الدراسة أن انعدام المساءلة وإساءة استخدام السلطة والإفلات من العقاب وسيطرة الثقافة الأبوية، فضلاً عن قبول الصحفيات الأخريات للعروض الجنسية وهي من الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم هذه الظواهر، حيث يعتبر الكثير من المسؤولين وصول صحفية لمراكز أو مناصب عالية في الإدارة وفي صنع القرار أمراً طبيعياً، لجهة تلبية دعوة أو عرض جنسي ممن لديه القدرة إن يعطيها هذه الترقية أو يعطيها المنصب.

وقالت الباحثة نادين مبارك لوكالتنا حول الدراسة "آخر دراسة قمنا بإعدادها في "مؤسسة سمير قصير" تتعلق بنضال الصحفيات في لبنان، وهنا نتحدث عن تحديات مهنية، اجتماعية ونفسية، وجاءت هذه الدراسة بعد ثلاث دراسات قمنا بها في السابق حول حقوق الصحفيات والصحفيين الاجتماعية والاقتصادية، وركزنا خلالها على موضوعي التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمصورين الصحفيين".

وعن الدراسة الأخيرة أوضحت أن "نتائج الدراسة كانت مهمة جداً وكبيرة في الوقت عينه، ومنها ما كان فاضحاً وصادماً، فهناك تحديات تواجهها الصحفيات اليوم في مكان العمل، نتحدث هنا عن تحديات لها علاقة بالإجازة والرواتب والترقيات والوصول إلى مناصب قيادية، ولكن للأسف لا تزال إلى اليوم الثقافة الأبوية والذكورية متجذرة داخل المؤسسات الإعلامية، والنساء بغالبيتهن في هذه الدراسة، قلْنَ لنا أنه لا يمكنهن الوصول إلى مناصب قيادية وإلى ترقيات وأن هناك عروضاً جنسية كثيرة لتتمكن من الوصول إلى مناصب معينة".

وأشارت إلى أن السفارة الهولندية في بيروت هي من مولت هذه الدراسة، وهي من دفعت المؤسسة إلى تسليط الضوء أكثر على هذه المشاكل "من المهم أن نشير إلى أنه على المستوى اللبناني لم نشهد أبداً أي تجاوب من قبل الدولة". 

وأضافت أنه "أثناء المقابلات التي أجريناها مع 70 صحفية من لبنان ومن خارجه، اكتشفنا أن كثيرات منهن لا تعرفن ما هو التحرش الجنسي، ومن هنا نركز على أحد الحلول المتعلقة بنشر التوعية والثقافة حول ما هو التحرش الجنسي، ومتى على الصحفيات أن تطالبن بحقوقهن وتجدن ملجأ وملاذا لمحاكمة المتحرش والمعتدي".

وأكدت أن "الحلول التي نقترحها كثيرة، وإذا أردنا أن نكون مثاليين فإننا نطمح بالتغيير نحو الأفضل في الناحيتين القانونية والقضائية في هذا البلد، للأسف نعلم أنه في لبنان هناك قانون يناهض التحرش الجنسي، وما إن نبدأ بقراءة القانون نجد ثغرة، لجهة تعريف التحرش الجنسي بأي سلوك متكرر، ورغم أنه ينص على وجود صندوق تعاضدي لأجل ضحايا التحرش الجنسي، إلا أنه فعلياً غير موجود وليس هناك دولة أصلاً".

وقالت نادين مبارك إن "إحدى الصحفيات أخبرتنا أنه في المقابلة الأولى قبل التوظيف مع الشخص المسؤول في مؤسسة إعلامية عرض عليها علاقة جنسية ليصنع منها نجمة إعلامية ويقبل توظيفها، وهذا مثال على أن التحديات التي تواجهها الصحفيات، ونتحدث هنا عن أن 90 % منهن تعرضن لأي نوع من المضايقة أثناء عملهن أو في سياق عملهن الصحفي، 70 % تعرضن للتحرش الجنسي، و50 % تعرضن لخطاب كراهية ونحو 40 % لاعتداء لفظي، وغيرها الكثير من المضايقات تصل إلى التنمر عبر الإنترنت والتحرش الجنسي والتحرش الإلكتروني".

وأشارت إلى أنه "في المجلس النيابي اليوم هناك الكثير من القوانين يتم إقرارها، ولكن لا يكون لها مراسيم تطبيقية وتنفيذية من أجل وضعها حيز التنفيذ، منها قانون التحرش الجنسي"، مضيفةً أنه "قمنا بدعوة نائبات من البرلمان إلى حلقة نقاش حول الدراسة ونتائجها، وأيضاً دعونا منظمات غير حكومية من المجتمع المدني، إضافة إلى منظمات دولية معنية بالموضوع، للأسف نائبة واحدة فقط أوفدت ممثلة عنها والباقيات لم تتجاوبن أبداً".

وأكدت نادين مبارك أنه "من خلال ما هو قائم على أرض الواقع نجد أن هناك ضرورة لتكون هناك "نفضة" في قلب المؤسسات الإعلامية ووضع سياسات واضحة لمناهضة الاعتداء والتحرش الجنسي داخل كل مؤسسة أو خارجها أثناء تمثيل الصحفيات أو الموظفات لهذه الوسيلة الإعلامية".

وبينت نادين مبارك في ختام حديثها أنه من المهم كثيراً أن تشمل الاقتراحات ثلاثة أطر، الإطار التربوي، أي بما يتعلق بالثقافة والتوعية، إن كان للصحفيات اللواتي ما زلن تعلمن في الجامعات لمعرفة ما هي حقوقهن في العمل وما هو التحرش الجنسي من أجل مواجهته، والإطار المؤسساتي لجهة أن تكون هناك سياسيات واضحة وتقديم شكاوى واضحة داخل المؤسسة، وطبعاً أن يتم تقديم الشكاوى بحق المتحرش أو المعتدي عن شخص لا يكون هو نفسه المدير أو المسؤول الذي هو في منصب الإدارة، والإطار الثالث المتعلق بمؤسسات المجتمع المدني "من المهم جداً أن تتمكن الجمعيات النسوية والحقوقية التي تعنى بهذا الموضوع من المساعدة عبر التشبيك مع مؤسسات إعلامية، بحيث تتأكد الصحفيات أن هناك ملجأ يمكنهن اللجوء إليه في حال تعرضهن للتحرش أو المضايقات المختلفة والتمييز خلال العمل".