دراسة: المهاجرون/ت في غابات الزيتون دون أدنى مقومات للحياة الكريمة

أكدت دراسة حديثة أن الوضع الصعب للمهاجرين/ت من أفريقيا جنوب الصحراء من تونس سببه غياب استراتيجية واضحة لمعالجة ملفهم، وأن التعامل الأمني معهم عقّد الملف وخلق مآسي اجتماعية في صفوف هؤلاء الذين يقيمون/ن في العراء وفي غابات الزيتون.

تونس ـ قدم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة ميدانية شاملة أشرف عليها فريق بحثي جمعت بين أدوات منهجية كمية وأخرى كيفية تطرقت إلى وضع المهاجرين/ت من جنوب الصحراء بتونس.

عملت الدراسة على خمسة محاور أساسية انطلاقاً من دوافع الهجرة والمسار الهجري مروراً بالظروف المعيشية للمهاجرين/ات والولوج إلى الحقوق الأساسية كالسكن والصحة وصولاً إلى العلاقات الاجتماعية والعلاقة مع المؤسسات العمومية ومكونات المجتمع المدني.

وشملت الدراسة 72% رجال و28% نساء وأن نحو 63% من المهاجرين في وضعية غير نظامية وأن 25% منهم في وضعية طالبي لجوء، تراوحت أعمارهم/هن بين 18و28 سنة (64%)، أغلبهم يقيمون بين العامرة بمحافظة صفاقس جنوب البلاد ومحافظة مدنين بالجنوب والعاصمة تونس ومحافظة أريانة بتونس الكبرى، فيما كان أغلبهم/ن بمستوى تعليم ثانوي حوالي50%، و29% منهم وضعيتهم/ن السوسيومهنية في بلدانهم/ن يدرسون.

وأكدت الدراسة أن 84 بالمئة من المستجوبين/ت لا يملكون/نّ تأشيرة دخول إلى تونس، وعن دوافع الهجرة التي كانت سياسية واقتصادية تصدرت الأنظمة القمعية الأسباب بـ 66% تليها التغيرات المناخية بنسبة 54%.

ووفق الدراسة فإن 44.9% من المهاجرين/ت وصلوا/ن تونس مشياً على الأقدام و9.8% بواسطة وسائل نقل عمومية و6.1% لوسائل نقل خاصة و12% بوسائل أخرى، فيما يرافق 12% من المشاركين/ت في الدراسة طفل واحد على الأقل أو أكثر.

ولفتت الدراسة إلى أنه خلال السنة الماضية اضطر 75% من هؤلاء المهاجرين/ات المشاركين/ات في الدراسة إلى تغيير مكان الإقامة لمرة واحدة أو أكثر ويعتبر تفادي التضييقات الأمنية أبرز دوافع هذا التنقل يليه العنف من قبل سكان المناطق التي استقروا/ن بها، علماً أن أغلب هؤلاء يقيمون الآن في ظروف غير لائقة في الشوارع وغابات الزيتون والخيم وفي العراء.

ويعاني 40% منهم/ن من عدم توفر المياه الصالحة للشرب، وفي حالة المرض يتوجه 65% إلى الصيدلية فيما يُعالج 56% بوسائل تقليدية.

وقالت الباحثة في علم الاجتماع، حياة عمامو، في حديث مع وكالتنا، إن الدولة لم ترسم سياسة لتسيير ملف الهجرة وتوفير ما يلزم للمهاجرين/ات، معتبرةً أن السياسة يمكن أن تقوم على الموازنة بين الطرفين أي الهجرة البرية من الحدود الجزائرية وبين الهجرة نحو الضفة الشمالية أي ايطاليا، "الحكومة التونسية أجرت مفاوضات مكثفة مع روما وقامت بعديد الاتفاقيات ولم يتم الكشف عن محتوى تلك التفاهمات لكن بالممارسة اتضح أن فحواها منع هؤلاء المهاجرين/ت من إفريقيا جنوب الصحراء من الهجرة واجتياز البحر للوصول إلى إيطاليا وقد تم إحباط العشرات من عمليات الهجرة غير النظامية وإعادة هؤلاء إلى التراب التونسي".

ولفتت الى أن التركيز كان على الحدود البحرية دون الحدود البرية حيث يصل هؤلاء من صحراء الجزائر وليبيا إلى تونس "يُجمع المهاجرين/ات في منطقتي العامرة وجبنيانة من محافظة صفاقس ولا يتم توفير أي شيء لهم وهم ممنوعون/ت من التنقل والعمل ومن أدنى حقوقهم/هن الإنسانية، في هذه الظروف المأساوية يُغير المهاجر سلوكه ويلجأ إلى العنف، وهذا يحدث حتى مع المهاجرين الذين يهاجرون إلى أوروبا عند سجنهم في أماكن شبيهة بالمعتقلات، فيتحولون رغماً عنهم إلى أناس عنيفين بدافع الجوع والعطش".

وأضافت "من المفترض أن الحرس البحري عندما يمنع هذه الرحلات السرية نحو البحر المتوسط في اتجاه الضفة الشمالية يقوم بتوزيعهم في مراكز إيواء توفر لهم الحد الأدنى الذي وجب أن تتكفل به بلدان الضفة الشمالية والمنظمات المهتمة بالهجرة، ويجب مراعاة الظروف الإنسانية لهؤلاء المهاجرين/ت ومراقبة الحدود البرية لمنع وصولهم إلى تونس بما أنها وقعت على اتفاقيات مع روما لتمنع الهجرة، وجب مراعاة حقوق الإنسان حتى في أدنى مستوياتها".

وعن الوضع الصعب للمهاجرات، اعتبرت حياة عمامو أنه لطالما كانت المرأة هي من تدفع ثمن كل الصراعات نظراً لبعض الأشياء التي تتعلق بالنساء كالحمل والحيض والنظافة الشخصية التي تستوجب توفر المياه ولكن في ظل انعدام وجود السكن بعد منعهن من الاستئجار والإقامة في ظروف إنسانية، يجعلهن معرضات والأطفال للاستغلال والمعاناة.

وأكدت أن المهاجرات تجدن صعوبات في إدارة الحياة اليومية، متسائلة "من يمكن أن يتدخل لمساعدة النساء والأطفال لضمان أدنى مستويات الظروف الإنسانية التي يمكن أن يعيش فيها الإنسان؟".

وأشارت إلى أنه في ظل التضييق وشيطنة المجتمع المدني بل إيقاف بعض الناشطات المدافعات عن المهاجرين/ت تأزم الوضع وغابت المساعدات "المجتمع المدني متهم بتلقي أموال طائلة من الخارج والتدخل في السيادة الوطنية".