بين نموذج أفغانستان والحرية... ما مصير المرأة السورية؟

منذ تولي إدارة هيئة تحرير الشام للسلطة في سوريا وكانت المقاربات والمقايسات تراود النساء اللواتي تترقبن بحذر المصير الذي ينتظرهن في وقت تناضلن فيه للحصول على حريتهن.

مقال بقلم عضوة أكاديمية جنولوجي علياء عثمان

 

منذُ أن سيطرت إدارة هيئة تحرير الشام (HTS) على دمشق وإسقاطها حكم الأسد، والنساء تترقبن بحذر وخوف ما تقوم به الهيئة. إن أكثر القضايا التي تثير القلق هي قضايا المرأة.

هذا الإحساس الذي ينشأ عن الارتباط التاريخي بين هيئة تحرير الشام وأشقائها (تنظيم القاعدة وطالبان وداعش)، يعود إلى العلاقة التاريخية النابعة من أيديولوجية مشتركة واشتراك عسكري حيث إن العديد من قادة وجنود الهيئة أعضاء سابقين في داعش وتنظيم القاعدة. فمنذ توليهم للسلطة وكانت المقاربات والمقايسات تراودنا كنساء ليسقط ذلك على ما نشاهده من أفعال اليوم.

ففي أفغانستان حكمت طالبان أول مرة (1996 إلى 2001) حيث كانت هذه المرحلة بالنسبة للمرأة كاضطهاد لها. بعد التحرر من طالبان وخلال عقدين كانت المرأة الأفغانية تتعافى من الآثار التي تركها طالبان في المجتمع فشاركت في كافة الأصعدة وبرزت العديد من الناشطات النسويات. ولكن بعد عودة طالبان لحكم أفغانستان عام 2021 قدمت وعود بأنها ستسمح للمرأة بممارسة حقوقها وأن النساء ستكن فاعلات، ولكن بعد عامين تم النكث بالوعود وأُعديت المرأة للعصور المظلمة. تم ملاحقة الناشطات وبحسب تقرير لـ "العربي" فقدت 80% من الإعلاميات في أفغانستان وظائفهن، وتم استحداث قوانين للمرأة، عندما نقول قوانين لجنس دون الآخر هذا يعني أنه هناك تمييز وفرض قيود على أحد الجنسين، ودائماً كانت القوانين تفرض على المرأة لإقصائها عن الحياة وليتم محو هويتها ودورها وتحويلها لأداة جنسية وللإنجاب فقط.

القوانين الأفغانية أحاطت حياة المرأة وهويتها بغشاء سميك، فهي ترى الحياة بألوانها لأنهم يعتبرونها فتنة، وحتى لا يسمح لها أن تتحدث إلا همساً بحيث لا يسمع صوتها، أقصيت من الجامعات وأغلقت المدارس الثانوية، ومنعت من العمل وحرمت من الحقوق السياسية... وكل يوم نسمع عن المزيد من القوانين التي تقيد المرأة، وخلال السنوات السابقة كان هناك اهتمام إعلامي دولي بما يتم نشره حول واقع المرأة الأفغانية وأيضاً كانت العديد من الناشطات تشاركن عبر منصات التواصل ما يتم ارتكابه من انتهاكات وتفضحن حركة طالبان، ونتيجة لتحدثهن عن الأوضاع العامة في بلادهن تعرضن للاعتقال والسجن والتعذيب بفظاعة.

هناك خوف وقلق دائم داخلي ودولي من أن يكون مصير المرأة السورية كالأفغانية، مشيرين إلى أنهم سيطبقون نموذج إدلب، وهنا أيضاً لابد لنا من العودة ومعرفة كيف كان واقع المرأة في إدلب، فإدلب انتقلت من أحضان النظام الفاشي إلى تنظيم جهادي لذلك بقيت القاعدة النسوية مهمشة فيها كما الحال في كل مرة.

عندما يتم ذكر واقع المرأة في إدلب أول ما يتبادر إلى الذهن هو وصف بعض من عاش بها قبل 2023 وبعدها، وبحسب الشهود كان هناك أحكام لا تمثل أعراف أو ثقافة المجتمع السوري كالرجم الذي نشاهده ضمن أحكام وثقافة طالبان في أفغانستان. كما طبقت الإعدامات الميدانية بحق النساء والرجال، وأيضاً تم إعادة إحياء العبودية، فكان هناك سوق لبيع النساء باعتبارهن سبايا وهذا يعني إن هناك ارتباط تام بين داعش وهيئة تحرير الشام. كما أنه يتم تعذيب المرأة ضمن السجون وتنوعت هذه الأساليب، وبحسب الشهود هناك سجن اسمه سجن الأثري يقع في جبل زاوية الذي يتوسط منطقتي كفر نبل والبارة في هذا سجن يتم احتجاز النساء، وتمارس أساليب تعذيب متنوعة فيه.

شادي الويسي الذي تولى الآن منصب وزير العدل كان يعمل قاضياً في إدلب ويطبق أحكام باسم "الشريعة الإسلامية" على النساء والرجال ففي 2015 حكم على 10 أفراد بالإعدام من بينهم نساء ورجال، كما يقوم بالإفراج عن الذين يعملون لدى داعش بحجة عدم تورطهم بسفك الدماء، تصفية المرأة وجوداً وروحاً كان يتم بطرق متنوعة في إدلب.

أما بعد 2023 يتم ذكر إنه تم فتح مجال أكبر للمرأة في إدلب للمشاركة في الحياة العامة، يمكن أن نفسر ذلك بأن الهيئة كانت تحاول تبييض صفحتها بما يتعلق بالحريات عامة، ولكن كان هناك تمييز بين الجنسين بكافة الجوانب، فبدءً من نظام التعليم حيث تمنع النساء من دراسة بعض التخصصات كالإعلام والعلوم السياسية. والتركيز على تزويج الفتاة القاصر، وتمنع قوانينها المرأة المتزوجة من إتمام تعليمها حيث يفترض على المرأة التي ستدرس في الجامعة أن تكون غير متزوجة وهذا الشرط هو للمرأة فقط حيث يمكن للرجل أن يُكمل تعليمه، وبالتالي من خلال هذه القوانين تنخفض نسبة النساء في الجامعة وأيضاً يمكن أن ينحصر التعليم بفئة اجتماعية دون غيرها. ويمكن أن ينعكس هذا القرار على المجتمع للمدى الطويل، ومع مرور الزمن يكون من السهل تمرير قوانين أكثر تشدداً بحق المرأة كمنعها من التعليم في الجامعات مثلاً.

إن التمييز القانوني ضد المرأة يتجلى في إدلب بمنعها من أن تكون قاضية، ويمكن لها أن تكون وكيل في القضايا وبالتالي يلغى دور المرأة التشريعي، فتوجههم كان واضحاً فيما يتعلق بمنع المرأة من أن تكون جزء من القضاء والتذرع أن للمرأة حالة فيزيولوجية وجسدية. وهذه المرحلة لم تأخذ زمناً كافياً لنتأكد من مدى استمراريتها، فسرعان ما وصلت الهيئة إلى القصر الرئاسي.

منذ سيطرة الهيئة على دمشق بدى منهجها الإقصائي واضحاً بحق المرأة رغم التطمينات بأنه لن تتم أفغنة سوريا، الشعارات التي تم ذكرها أعادت لذاكرتنا تطمينات طالبان عن المرأة. والأفعال التي قام بها عناصر هيئة تحرير الشام ذكرت نساء سوريا بطالبان. فبدءً من فرض الحجاب على النساء في الشوارع، إلى منع النساء في بعض الأحيان من السفر أو الخروج لوحدهن دون وجود مُحرم، إلى تصريحات حول أن المرأة لا يمكن لها أن تتولى بعض المهام كوزارة الدفاع ففزيولوجيتها لا تسمح بذلك. وبحسب الرؤية التي يتم ترويجها عن المرأة مكانها المنزل والأمومة تعتبر أساس لهويتها، إلى الممارسات اللاحقة من فصل النساء عن الرجال في وسائل النقل والدوائر الحكومية، حتى في بنية الإدارة التي تم إقصاء المرأة عامة منها.

كل ما سبق من مؤشرات نتابعها كنساء سوريات بقلق وخاصة أن المُمارسات ليست لها نهاية. فقد ذكر عبيدة أرناؤوط رئيس المكتب السياسي لهيئة تحرير الشام إنه سيتم اتباع الأساليب الناعمة لفرض شكل المرأة الذي يتوافق مع نظرتهم وهنا نسأل ما هي الأساليب الناعمة؟ هل انتشار النساء الداعيات في الشوارع وارغام النساء على ارتداء الحجاب من الأساليب الناعمة؟ هنا قضية فرض لباس معين على المرأة له دلالات أخرى وسلوكيات لاحقة شاهدنا أمثلتها في مرحلة داعش حين حكمت سوريا والعراق واليوم في أفغانستان.

في هذا السياق نحن كنساء سوريات على يقين أننا لن نسمح بأفغنة سوريا، ويساعدنا على ذلك عدة عوامل منها موقعها الجيوسياسي الهام، ولذلك لا يمكن أن تمرر المشاريع الجهادية أو تعمم ممارستها كما في أفغانستان. وأيضاً الأرضية التاريخية التي تتميز بالتنوع الإثني والعرقي والديني لسوريا، هذا التنوع الذي هو جزء من المجتمع السوري حيث لا يوجد لون أو نمط واحد يمكن فرضه على النساء. والمرأة السورية التي كانت تمارس دورها بالمجتمع في الماضي والحاضر، فالجدات تعدن سرد كيف كن تخرجن من المنزل والعمل لضمان تأمين حاجات العائلة من جمع الحطب وجلب الماء إلى وصف بعض الجدات كيف كن يتجندن بالأسلحة. كل تلك القوة جعلت النساء ترفضن الممارسات التي كان يفرضها داعش فكانت النساء ترفضن التقيد بلباسهم وأسلوبهم. فداعش الذي سيطر على جزء من الجغرافية السورية لم تتقبله الأرضية المجتمعية وأول ما خطر ببالنا عندما بدأت النساء بخلع ملابس داعش السوداء بعد تحرير مناطقهن من داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة.

إضافة لما تم ذكره هناك عامل تتمثل بالتجربة السياسية للمرأة السورية عامة خلال الثورة وهي التي دفعت ثمن مواقفها فقتلت، واعتقلت واختطفت الآلاف من النساء في السجون وغيرها من الأماكن في جهاز أمن الدولة حينذاك وبالتالي هذا النضال شكل أرث للنساء كافة.

كما أن تجربة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا تشكل أهم العناصر التي يمكن الاستناد اليها فالمرأة التي تمكنت من تنظيم نفسها عسكرياً، وشاركت بدحر الإرهاب لن تقبل أن ترى ممارسات شبيهة بما كان يقوم بها داعش وأن تعمم على كل الجغرافيا السورية، كما أن التجربة التنظيمية والسياسية للمرأة في إقليم شمال وشرق سوريا لا تقل أهمية عن الدور العسكري ولها مكتسباتها التي حصلت عليها نتيجة لنضالها، وهذه التجربة ستشكل قاعدتها لمواجهة أي تهميش للمرأة فلن يكون هناك صمت على أي اختزال لدور المرأة.

كما أن الثورة النسائية السورية أبدت التكاتف النسوي، والقرار المشترك للنساء السوريات لمواجهة التحديات كصف واحد بدءاً من انعقاد المؤتمر التشاوري الأول للمرأة في إقليم شمال وشرق سوريا والذي أكد على ضرورة نضال المرأة لضمان المشاركة الفاعلة في كل المجالات، وأيضاً قامت الحركات السياسيات النسوية السورية بعدها بعقد مؤتمرها الأول في دمشق، فبناء سوريا ديمقراطية لا يكون إلا بمشاركة النساء.