بين الطين والنار... رحلة فنانة في إحياء فن السيراميك
ترى الفنانة التشكليلة سوزان حمه صالح، أن فن السراميك ليس مجرد حرفة، بل وسيلة للتعبير والتوازن النفسي، مؤكدةً أن فتح دورات تدريبية للشباب والشابات خطوة ضرورية لتمكينهم من مواصلة هذا الفن الذي يعد علاجاً قبل أن يكون مجرد عمل يدوي.

هيلين أحمد
السليمانية ـ يعتبر السيراميك من أقدم الحِرف التي رافقت الإنسان منذ بداية استقراره، حيث تعود أقدم القطع المكتشفة إلى أكثر من 24 ألف سنة قبل الميلاد، وقد لعبت دوراً جوهرياً في الحياة اليومية والفن والثقافة، من الحضارات القديمة إلى العصر الحديث، ومن أبرز الأمثلة التاريخية تمثال "فينوس" الذي يعتقد أنه استخدم لأغراض طقسية أو رمزية للجمال.
تمتلك سوزان حمه صالح وهي فنانة متخصصة في السيراميك، خبرة تفوق 18 عاماً في فن السيراميك، حيث بدأت رحلتها في وقت لم تكن فيه طالبة في قسم الفنون الجميلة، لكنها وبفضل دعم مجموعة من الأساتذة المتمكنين، تمكنت من تعلم هذا الفن عبر المشاركة في دورات تدريبية متخصصة.
رغم عدم امتلاكها شهادة أكاديمية في فن السيراميك آنذاك، لم يشكل ذلك عائقاً أمام استمرارها في التعلم والمشاركة، وفي عام 2015 التحقت رسمياً بقسم الفنون الجميلة، وسعت للحصول على شهادة الدبلوم، دون أن يؤثر غياب الشهادة سابقاً على نشاطها المهني أو التربوي.
ومنذ أكثر من أربع سنوات، تعمل في المركز الثقافي بمدينة السليمانية بإقليم كردستان بالتعاون مع أحد زملائها، حيث يديران ورشة خاصة بالسيراميك، تجمع بين إنتاج الأعمال الفنية وتدريب الشباب على هذا الفن، في استمرار لمسيرتها التعليمية التي تعود إلى بداياتها.
وقالت سوزان حمه صالح، إنها تسعى من خلال الورشة التي تديرها إلى تحقيق أهدافها الفنية والتعليمية، عبر توفير فرص تدريبية للشباب وتنمية مهاراتهم "بدأت مسيرتي المهنية كمدرسة مشرفة على قسم الحِرَف، حيث درست مادة السيراميك للطلبة، واستمريت في ممارسة هذا الفن إلى جانب التدريس، من خلال تنظيم الدورات، ساهمت في تطوير قدرات العديد من الأساتذة، وشاركتُ في معارض تشكيلية متعددة، متخصصة في تقنيات دقيقة مثل "راكو" و"ستونوير"، التي لا يتقنها إلا القليل، وقد نفذتُها بالتعاون مع مجموعة من الفنانين".
وأضافت "شاركت أيضاً في افتتاح أكبر معرض للسيراميك على مستوى العراق، حيث عرضت مجموعة من أعمالي كامرأة فنانة، نفذنا أول تجربة لتقنية السموك فايرينغ في المنطقة، وحققنا نجاحاً كبيراً، كما شاركت في معارض خارج إقليم كردستان وفي دول أجنبية، ونظمت العديد من الدورات التدريبية".
وأشارت إلى أنه "في المركز الثقافي، يتلقى المتدربون تعليماً يبدأ من تشكيل الطين وحتى التعامل معه، وخلال شهرين يحصلون على شهادة تدريبية"، لافتةً إلى أنه "تُنفذ الأعمال الفنية باستخدام مواد خاصة تُطلب من خارج البلاد بسبب صعوبة توفرها محلياً، حيث يُستخدم طين "عكاشات" ويُختار نوع المادة حسب طبيعة العمل، ثم تُنفذ القطع وفق قياسات دقيقة تُعرف بـ "الباراوة"، وتُحرق في فرن غازي خاص".
وأكدت سوزان حمه صالح أن وجود الدورات التدريبية في مجال السيراميك هو مفتاح الاستمرارية في هذا الفن، مشيرةً إلى أن هناك العديد من الأساتذة والمختصين في السيراميك، لكن غياب الدورات والأهداف الواضحة غالباً ما يحول دون استمرارهم في هذا المجال.
وترى أن فن السيراميك لا يقتصر على الجانب الجمالي، بل يُعد وسيلة فعالة للعلاج النفسي، وله تأثير عميق على التوازن الداخلي للفرد.
وتمنت سوزان حمه صالح في ختام حديثها أن تستمر النساء في ممارسة هذا الفن، "من خلال تنظيم الدورات التدريبية أسعى للحفاظ على فن السيراميك، ومنح الشباب فرصة لاكتشافه وتعلمه، لذلك، أطمح أن ينخرط الشباب والنساء في هذا المجال ليكونوا امتداداً حياً لهذا الفن العريق".