بين الطموح والتحديات... تونسيات تسعين إلى الاستقلال الاقتصادي عبر المشاريع الصغرى
يساهم معرض "ريادة" بتونس في تحقيق الاستقلال الاقتصادي للنساء وبناء شبكة علاقات مهنية تعمل في تطوير المشاريع الناشئة.
زهور المشرقي
تونس ـ أصبحت المشاريع الصغرى خياراً استراتيجياً للعديد من التونسيات الباحثات عن مصدر دخل مستدام دون الحاجة إلى انتظار وظيفة في القطاعين العام أو الخاص، في ظل تفاقم معدلات البطالة، وارتفاع مستويات التضخم، وتقلص فرص الاندماج الاقتصادي.
برز معرض "ريادة" الذي أنطلق في 31 كانون الثاني/يناير الفائت واستمر حتى أمس الاثنين 3شباط/فبراير تحت شعار "ريادة الأعمال والابتكار" كمنصة لدعم صاحبات المشاريع الصغرى، حيث جمع نساء من مختلف التخصصات والخلفيات، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز مساهمتهن في الاقتصاد الوطني، وتتيح هذه الفعالية فرصة لتبادل الخبرات، والترويج للمنتجات، وبناء شبكة علاقات مهنية تساهم في تطوير المشاريع الناشئة.
ريادة الأعمال النسائية في ظل الأزمة الاقتصادية
تشير بيانات اقتصادية إلى أن النساء في تونس تواجهن تحديات مضاعفة مقارنة بالرجال في سوق العمل، سواء من حيث فرص التوظيف أو الحصول على التمويل اللازم لإطلاق مشاريعهن الخاصة، وتبرز المشاريع الصغرى كحل عملي، حيث تتيح للمرأة العمل وفق إمكانياتها وظروفها، خاصة في المناطق الداخلية التي تعاني من تراجع الاستثمار وضعف البنية التحتية الاقتصادية.
في هذا الإطار، تقدم بعض المؤسسات المالية دعماً للنساء الراغبات في إطلاق مشاريعهن، على غرار المؤسسة التي تعمل بها رؤية "اللواتي"، والتي تقدم قروضا صغيرة لمساعدة النساء على إنشاء مشاريع منزلية مثل تربية النحل أو الخياطة، وتؤكد "اللواتي" أن الهدف الأساسي هو تمكين النساء من تحقيق الاستقلالية المالية بعيداً عن أي تبعية اقتصادية.
ابتكار واستثمار في المنتجات المحلية
نماذج النجاح التي برزت في المعرض تعكس تنوع المشاريع النسائية، من الحرف التقليدية إلى المنتجات الغذائية المبتكرة، واحدة منهن نهلة عتيقة، شابة من ولاية قبلي، لم تدع عدم حصولها على وظيفة في القطاع العام يثنيها عن تحقيق ذاتها، فاستثمرت في مجال تثمين التمور، وطورت منتجات جديدة مثل "رب التمر"، وشوكولاتة التمر، وقهوة وسكر نواة التمر، إضافة إلى زيت نواة التمر، مستفيدة من الموارد المحلية لإنتاج مواد طبيعية صحية، وترى أن ريادة الأعمال تتيح للمرأة التحرر من التبعية الاقتصادية والاستفادة من الموارد المتاحة لتطوير مشاريع مستدامة.
الحفاظ على التراث الحرفي... فرصة اقتصادية واعدة
من جهة أخرى، تسلط منية العباسي الضوء على أهمية الحفاظ على الحرف التقليدية كوسيلة لتحقيق الاستقلال المالي، وهي التي ورثت صناعة الفخار عن عائلتها، واستطاعت إلى جانب حرفيات أخريات أن تساهم في إدراج فخار سجنان ضمن قائمة التراث اللامادي لليونسكو، وبالرغم من ذلك تؤكد أن التحدي الأكبر يتمثل في التسويق، حيث تعاني العديد من الحرفيات من قلة الفرص للترويج لمنتجاتهن، مما يدفعهن للمطالبة بتنظيم المزيد من المعارض الداعمة.
معيقات تواجه النساء في المناطق الداخلية
في المناطق الداخلية، حيث تعاني النساء من معدلات بطالة مرتفعة وظروف اقتصادية صعبة، يصبح إطلاق المشاريع تحديا أكبر، ومن جانب أخر تشير عضوة في مجمع نسائي بولاية الكاف ليلى الشيخاوي إلى أن النساء في هذه المناطق تواجهن عقبات تتعلق بالعقلية المجتمعية والتهميش الاقتصادي، ورغم ذلك استطاعت بعض النساء إطلاق مشاريعهن من منازلهن بفضل دعم محلي محدود، لكنها تأمل في أن تحصل باقي النساء في المناطق المهمشة على نفس الفرص.
الحاجة إلى دعم أكبر لريادة الأعمال النسائية
لطيفة السعيداني صاحبة مشروع في صناعة الفخار، ترى أن معرض "ريادة" كان نافذة مهمة للوصول إلى المستثمرين والعملاء المحتملين، لكنه يبقى غير كاف، وتطالب بتوسيع نطاق هذه الفعاليات، لافت إلى أن تسويق المنتجات هو العائق الأكبر أمام نمو المشاريع الصغيرة.
ورغم الجهود التي تبذلها النساء في تونس لإطلاق مشاريعهن الخاصة، لا تزال الحاجة ملحة إلى دعم مؤسسي أكثر فاعلية، سواء من خلال توفير تمويل ميسر، أو إنشاء منصات تسويق دائمة، أو تبني سياسات تشجع ريادة الأعمال النسائية، خاصة في المناطق المهمشة، ومع ذلك يبقى السؤال المطروح هل ستدرك الحكومة والمؤسسات أهمية هذه الطاقات الكامنة وتوفر لها الدعم اللازم، أم ستظل هذه المبادرات مجرد محاولات فردية تصارع الظروف وحدها؟