بروار ديرسم... قيادية حرب الشعب الثورية

.

مقال بقلم الكاتبة والصحفية هيفيدار خالد

لا أعلم من أين أبدأ الكتابة عنك... من نظرات عينيك المليئة بالنشاط والعنفوان والحماس الذي يشعّ نوراً وضياء! أم من صفاء روحك ونقاء قلبك! أم من سمو أخلاقك! أم من جمال روحك الثورية وصلابة إرادتك الفولاذية... أأبدأ من صمودك ورجاحة عقلك في مواصلة النضال واتخاذ القرارات، والمضي نحو الهدف المنشود بأي طريقة كانت؟ أم من شجاعتك اللامحدودة وعطائك الفريد؟ لا أريد أن أغفل أياً من صفاتك الجميلة وخصالك الرزينة، كيف لي أن أنسى محطات حياتك الراسخة ومسيرة نضالك الذي دائماً ما كان يتكلل بالنصر والنجاح في جميع الجبهات وكل الظروف بفضل براعتك وتفوقك على العوائق بكل سهولة ويسر.

سأبدأ الكتابة عنك من حيث انتهيت... أيتها المناضلة الكردية والثورية القيادية الرائدة والخلوقة ذات الكفاءات العالية بروار ديرسم... كنتِ المقاتلة الشجاعة التي أظهرت الصلابة والتصميم والقوة والعزيمة، كنتِ مصدر إلهام لجميع المقاتلات والمقاتلين من حولك، وخير من جسّد هذه الصفات الحميدة في ذاتها طوال مسيرتها النضالية في جبال كردستان الحرة وضمن صفوف حركة حرية كردستان وحتى آخر لحظة في حياتها. 

عاشت بروار ديرسم حياة مليئة بالنضال الثوري وفلسفة المقاومة والحياة الحرة، كامرأة كردية وكمقاتلة ثورية لم تثن عزيمتها عن النضال والكفاح لحظة واحدة، بل ساهمت بكل قوة وجدارة في إثراء مسيرتها النضالية؛ إذ كرست جل حياتها لحركة حرية كردستان والكفاح من أجل شعبها وقضيتها العادلة والسعي لتحقيق مبادئ حرية المرأة والحياة الكريمة، وسارت على نهج الشهداء الفدائيين الذين ذخروا حياتهم من أجل تحقيق الحرية للقائد عبد الله أوجلان، والدفاع عن هويتهم الثقافية القيمة من هجمات الإبادة الثقافية التي يشنها الاحتلال التركي ضدهم على مدى عقود.  

نظرات عينيها الثاقبة... كانت كالبركان الثائر، تجاه مناصرتها قضايا شعبها العادلة، وفي الوقت نفسه يجد مُتأمِّلُ تلك العينين الأمل والاطمئنان والسلام والتفاؤل...نعم في نظرات عينيها تفاصل لا يفهمها سوى الذين تخرجوا من المدرسة التي تخرجت منها بروار ديرسم صاحبة الابتسامة الهادئة والروح المرحة التي تغمر بها من حولها وتسعد الجميع بطيبة قلبها بكلماتها الجميلة وعباراتها المؤثرة ومعانيها العميقة التي اكتسبتها من فلسفة الحياة الحرة من فكر القائد عبد الله أوجلان. بروار ديرسم كانت في سعي دؤوب ورؤية طموحة كرست جل قدراتها للنضال من أجل حرية المرأة؛ لذا كانت السباقة في نشر هذا النضال أينما حلّت. 

تجولت في أنحاء جغرافيا كردستان من شرقها إلى جنوبها ومن جنوبها إلى شمالها، وتميزت ببراعتها بالسير في التضاريس الأكثر قسوة ووعورة؛ إذ كانت قادرةً على مواجهة كافة التحديات والصعوبات التي تعترض طريقها. فهي من قادت المقاومة في ساحات النضال ضد هجمات الاحتلال التركي وكافة أنواع سياسات الإبادة بحق الشعب الكردي فلم تتوقف لحظة واحدة عن أداء واجبها الأخلاقي إزاء أبناء جلدتها، حيث عملت بشكل دؤوب ومتواصل لوضع استراتيجيات بناءة لضرب العدو والإحاطة به والقضاء عليه، وبذلك ارتسمت ذكراها في عقول أبناء شعبها كواحدة من خيرة القيادات النسائية اللاتي تميزن بروح المسؤولية العالية.

بروار ديرسم استطاعت بالمهارات الشخصية والروح الرفاقية والعمل الجماعي بالعطاء والتضحية والاحترام، إلحاق ضربات قاضية بأوكار أعداء الإنسانية، فكانت السباقة إلى الصفوف الأمامية وخطوط المواجهة، إذ لم تخش يوماً مواجهة هجمات الجيش التركي الجبان، الذي تلقى على يديها وأيدي المقاتلين الأحرار من حولها دورساً في المقاومة ومبادئ حرب الشعب الثورية في كافة الظروف الصعبة والقاسية، فرحها وحماسها منحا مَن حولها معنويات قتالية كبيرة كان لها دور بارز في تحقيق الانتصار في الكثير من المواجهات، لتصبح بذلك مهندسة حرب الشعب الثورية في كردستان وقائدة نسائية حرة بفكرها وروحها ونضالها ومقاومتها التاريخية في كافة ساحات النضال والحرب وخاصة من ناحية تطوير حرب الكريلا في كردستان بكافة الطرق والأساليب الحديثة التي تتطلبها المرحلة الحالية. 

نعم استشهدت بروار ديرسم خلال معركة ضارية مع جيش الاحتلال التركي في منطقة كليداخ التابعة لمنطقة سرحد بتاريخ 8 آب 2024، لكنها تركت من ورائها إرثاً لا مثيل له من الذين دربتهم وكانت مثلهم وعونهم وسندهم... من الذين عاهدوها على المضي في طريق الحرية... من السائرين على درب الحقيقة والحياة الحرة وفلسفة القائد عبد الله أوجلان وخاصة المرأة الكردية المنظمة صاحبة الإرادة والإدارة؛ لذا فإن تلك المسيرة الحافلة بالتضحيات والإنجازات والبطولات مسيرة القيادية الفدائية والآبوجية بروار ديرسم تفرض على الجميع وخاصة المرأة الانخراط في النضال الثوري والكفاح من أجل تحقيق الحرية والكرامة لدى الجميع من الآن فصاعداً.