'بقيت 5 أيام وأنا أحرس الجثث'

قالت حسرت سكمان التي دمر منزلها في ليلة حدوث الزلزال وفقدت العديد من أفراد عائلتها "بقيت أراقب وأحرس الجثث لمدة ٥ أيام حتى لا تأكلها الكلاب".

مدينة مامد أوغلو

سمسور ـ مرت أيام على حدوث الزلزال، لكن الناس ما زالوا غير قادرين على تجاوز الصدمة الأولى التي أصابتهم. مواطنو منطقة سمسور (أديامان) بشمال كردستان، الذين لا يستطيعون محو ما حدث من ذاكرتهم من الصرخات القادمة من أسفل أنقاض المباني وأصوات طلبات النجدة وتأثير كل قطرة مطر مع البرد القارس، تمنوا لو كان كل ما حدث مجرد كابوس ويستيقظون منه، في المدينة التي لم يتبقى فيها أحد بلا أن يكون له فقيد اختفت الذكريات والماضي والآمال مع الدمار الذي أحاط بالأهالي.

في سمسور حيث فقد آلاف الأشخاص حياتهم وتحولت إلى "مدينة أشباح" كما يسميها الناس، لا توجد أي صورة أو أي كلمة تعبر عن حقيقة ما حدث وما مروا به، إن الزلزال ترك خلفه قصصاً كثيرة، آخر شيء يتذكره أي شخص وهو يطلب المساعدة هو أصوات المطر والصرخات.

 

"لا يمكنني أن أنسى أبداً أصوات الصراخ وطلبات المساعدة"

قالت حسرت سكمان التي فقدت 71 شخصاً من أقاربها في الزلزال "أنا بخير جسدياً، إن جسدي لم يدفن في القبر، لكني لا أعرف كيف أعيش وكيف أسير، يا ترى سوف تفهموني؟".

وأوضحت "خرجنا مع أمي وأبي من تحت الأنقاض في اليوم الأول للزلزال، كان الجميع يصرخون وتتعالى الصرخات، دمر منزلنا وفي اللحظة التي خرجت فيها من المنزل ركضت نحو أقاربي، كان المطر يتساقط في ذلك اليوم، كانت أقدام زوجة عمي تحت الأنقاض، وحينها مات عمي وابنة عمي، جثة ابنة عمي كان جزءاً منها تحت الأنقاض والجزء الآخر في الخارج، حاولنا إخراج زوجة عمي، لكننا لم نستطع، ظلت تتألم هناك لمدة ١٨ ساعة، لم يأت أحد لمساعدتنا، لم يتبقى هناك أحد ولم نتصل به، لكن مراكز الاتصال قطعت الخطوط والشبكات في كل مكان فقط حتى لا نتمكن من الوصول إليهم، حاولنا أن نفعل شيئاً ما بمفردنا مع الناس".

 

"لا يوجد أي وصف لهذا الألم"

وأضافت "ظلت زوجة عمي تحت الأنقاض لمدة ١٨ ساعة، كان علينا إخفاء ابنة عمي التي كان جزء من جسدها في الخارج ظاهراً حتى لا تراها والدتها، لم يتقدم أحد لمساعدتنا ومع مرور الساعات، قلنا في أنفسنا إن المرأة ماتت الآن، كنا نقوم بطلب النجدة والمساعدة لساعات وبلا أي نتيجة، كان الجميع يبكون، وراح الناس يصرخون تحت الأنقاض ويطلبون المساعدة ويستنجدون، عندما لم تأت المساعدة في النهاية، تركنا قدمها هناك وأخرجنا زوجة عمي، لا أستطيع أن أشرح لكم وأصف صورة ذاك الألم، لمدة ثلاثة أيام لم يأت أحد لمساعدتنا لقد أخرجنا كل من زوجة عمي وأبناء عمي الآخرين بجهودنا ووسائلنا الخاصة، كما حاول بقية الناس القيام بشيء ما بأنفسهم وإزالة الأنقاض لإخراج موتاهم".

 

"لن تنسى أديامان أننا تركنا لوحدنا"

وأشارت إلى أنه كانت هناك "امرأة في المبنى المجاور ظلت تنادي وتستنجد لمدة 3 أيام، لا أحد منا يستطيع فعل أي شيء من أجلها، ثم توقف صوتها ونفدت طاقتها، وبدأت تضرب الحائط بالحجارة لعلها تلقى منقذ لها، ولكن لا أحد يستطيع فعل أي شيء وفي النهاية اخرجوا جثة المرأة من هناك، لن ننسى تلك الصرخات، ولن تنسى أديامان ذلك، لا يمكن لأحد أن ينسى أننا بقينا بمفردنا لمدة ثلاثة أيام، لقد تمكنا من إخراج جثث أبناء عمومتي بعد مرور ٧ أيام، دعوت للوصول إلى جثث أحبتي دعوت كثيرة ليتمكنوا من إخراج أجسادهم".

وأضافت "لم نتمكن من إخراج ابنة عمي المتوفية من تحت الأنقاض إلا بعد مرور ٥ أيام، كان جسدها مجزأ إلى ثلاثة أجزاء، من شدة الألم الذي كان بداخلنا لم نستطع قول أي شيء، لم نكن في حالة تمكننا من البكاء، وقفت أمام هذا الحطام لمدة خمسة أيام أحرس حتى لا تأكل الكلاب جسد ابنة عمي، لم أستطع النوم لمدة خمسة أيام، هل سبق لك أن كنت بلا نوم لمدة يومين؟ لم أنم لمدة خمسة أيام، كل الناس هنا هكذا، كلهم يأكلون ويشربون الماء، لكنهم لا يعرفون كيف يعيشون حتى، أصبحنا بلا منازل وبلا أمان وسلام، وفقدنا جميع أحبائنا، كان يوماً صعباً وقاسياً للغاية، نعم أنا بخير جسدياً لم يدفنوا جسدي لكنني لا أعرف كيف أسير أو كيف أعيش، لقد فقدنا ٧١ روحاً من أحبتنا، كان من بينهم أشخاص تحدثت إليهم في المساء وكنا سنلتقي في اليوم الآخر، وفقدناهم لأن المساعدة لم تأت ولم يقدم أي عون بأي شكل من الأشكال".

 

"الدولة التي لم تساعد من هم تحت الأنقاض ما معنى توزيعها للخبز بعد ذلك؟"

وقالت في ختام حديثها "لم تأت الحكومة لمساعدتنا أبداً، إن الدولة التي لم تساعدني وأنا على قيد الحياة ماذا لو مت؟ وبكلا الحالتين لقد تحولت إلى تربة، لا أستطيع أن أنسى صرخة زوجة عمي وتلك المرأة ونجدتهم، لم يتدخلوا عندما كان ينبغي عليهم ذلك، فمن سوف يهتم بما يفعلونه الآن أو ما سيقومون به بعد ذلك، الدولة التي لم تساعد وتخرج امرأة ورجل أو طفلاً أصدروا أصواتا وصرخات النجدة من تحت الأنقاض لمدة ثلاثة أيام، إن مساعداتها بعد كل هذا لا معنى لها. ماذا يعني إن أعطيتني رغيف خبز. أنا أعيش كما لو كنت ميتاً، الناس الذين كانوا يأملون في العيش لم يتمكنوا من أن يعيشوا لأن أيادي العون والمساعدة لم تمد لهم، إما أنهم ماتوا من الجوع أو البرد أو العطش، لا نعلم ولا نستطيع معرفة ما الذي مروا به حينها، لن تستطيع فعل أي شيء وأنت محاصر بين الجدران ستصرخ وستنادي النجدة والمساعدة ولكن الدولة لا تأتي ولا  تساعد".