باحثات مغربيات تؤكدن على أهمية التدابير الاستباقية للحد من الكوارث الطبيعية
تحت عنوان "تدبير مخاطر الكوارث الطبيعية وصناعة السياسات العمومية" نظم مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات ندوة عن الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعة.
رجاء خيرات
المغرب ـ أكد المشاركون في الندوة أن الكوارث الطبيعية تمثل لحظات ضاغطة على حياة السكان في المناطق المنكوبة، إذ تلقي الخسائر البشرية والمادية بثقلها على اقتصادات الدول، خاصة النامية منها، وهو ما يشكل تحديات كبيرة على واقع ومستقبل التنمية البشرية المستدامة.
نظم مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل، أمس الخميس 21 تشرين الثاني/نوفمبر بمدينة مراكش ندوة تحت عنوان "تدبير مخاطر الكوارث الطبيعية وصناعة السياسات العمومية" وأجمع المتداخلون في الندوة على أن الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعة غالباً ما تلحق بالفئات الفقيرة والأكثر هشاشة مثل النساء والأطفال والفتيات.
وأضاف المشاركون أن الكوارث الطبيعية تزيد من حدة الفقر والهشاشة الاجتماعية، خصوصاً في الدول والجماعات التي تعيش ويلات الصراع والعنف، وهو ما يطرح تحديات كبيرة على واقع ومستقبل التنمية البشرية المستدامة.
وأشاروا إلى أن الكوارث الطبيعية (كالزلازل، الفيضانات، الأعاصير، الجفاف والأوبئة…) تمثل لحظات قاسية وضاغطة على حياة السكان في المناطق المنكوبة، إذ تلقي الخسائر البشرية والمادية بثقلها على اقتصادات الدول، خاصة النامية منها، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب بالنظر إلى كلفتها المادية الآنية (ذات الصلة بالتدخل الإنساني العاجل لإغاثة وحماية المتضررين) والمستقبلية (مثل احتياجات الإنفاق للبناء وإعادة الإعمار).
وقال المنظمون إن تقارير البنك الدولي والمنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث، تشير إلى أن أنسب وأنجع الأساليب لتدبير الكوارث لا يمكن أن تحول دون وقوع هذه الأخيرة، بقدر ما تقلل من انعكاساتها وتوفر أجواء سليمة لاتخاذ قرارات صائبة تتحول معها هذه المحطات الصعبة إلى فرص لتحصين الذات، وتقييم ومراجعة حالة الأزمات والتعلم تباعاً لذلك.
من جانبها أوضحت الباحثة في العلوم السياسية سميرة ألحيان أن المغرب يتوفر نظام قانوني ومؤسساتي لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية، حيث أطلق مجموعة من الإصلاحات لتطوير نظام متكامل للوقاية من الكوارث وتدبير مخاطرها، لتعزيز الدولة على الصمود في وجه الكوارث خاصة بعد تصنيف المغرب من ضمن الدول المهددة بالكوارث الطبيعية.
وبشأن مخاطر الكوارث في السياق الوطني، قالت إن تاريخها قصير نسبياً وليس موثقاً بشكل جيد، ومع ذلك فهناك مجموعة من الأحداث وبالنظر إلى حجم الخسائر التي خلفتها مثل زلزال أغادير (جنوب) عام 1960، وزلزال إقليم الحوز عام 2023، وغزو الجراد في جنوب البلاد والشرق ما بين 2003 ـ 2004، ثم الفيضانات التي اجتاحت البلاد في عام 2002 ـ 2008 بطنجة (شمال) و 2014 بكلميم (الصحراء)، وجائحة كوفيد ـ 19 في عام 2020، والتي خلفت خسائر بشرية (وفيات) واقتصادية.
ولفتت إلى أن الزلازل تحتل المرتبة الأولى من حيث الخسائر، إلا أنها تبقى أقل مرتبة من حيث ترددها مقارنة بالفيضانات والجفاف الذي لا تزال الأكثر تردداً والأشد خطورة على المغرب.
وفيما يتعلق بالنظام القانوني والاستراتيجي والمؤسساتي الذي اتبعه المغرب للوقاية من هذه الكوارث، أشارت إلى أنه على الرغم من شروع المغرب في تطوير هذا النظام منذ مستهل القرن الحالي، إلا أن أهم إصلاح شهده هذا النظام كان في إطار التوجه الجديد وهو الانتقال إلى الممانعة والتكيف مع الصدمات والأحداث الطارئة، وقد تم إصدار قوانين مثل قانون 110/14 المتعلق بإحداث التعويضات للمتضررين وإحداث صندوق مكافحة أضرار الكوارث الطبيعية لدعم المتضررين وتمويل برامج للاستثمار للتخفيف من الأضرار الناجمة عن الكوارث.
وعلى المستوى الاستراتيجي أكدت أن المغرب أحدث ما يسمى بالاستراتيجية الوطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية للفترة الممتدة ما بين 2020 ـ 2030، ومن أهدافها الرئيسية تحسين الاستعداد لمواجهة الكوارث وتقييم المخاطر وتعزيز الوقاية منها، ثم إعادة الإعمار الفعال، حيث وضعت على ضوئها مجموعة من المشاريع التي تعد قيد التنفيذ حالياً.
وبشأن التحديات التي لازال المغرب مدعواً لتجاوزها، لفتت إلى أن زلزال الحوز كشف قصور وضعف الخبرة في التعاطي مع هذه الكوارث، وبالتالي فالمغرب مدعو إلى تحدي حكامة التدبير وتحدي التقنية الذي يمكن بلوغه من خلال إنشاء مراكز على المستوى الوطني والمحلي، واعتماد تقنيات أجهزة الإنذار والذكاء الاصطناعي، ثم تحدي التمويل، حيث تدبير مخاطر الكوارث يحتاج إلى تمويلات مهمة تتجاوز في حالات كثيرة إمكانيات البلد المعني، لذا لا بد من تطوير هيكل مالي مستدام قادر على تعزيز صمود البلاد ضد مخاطر الكوارث الطبيعية من خلال تأمين تمويل موثوق لصندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية والتحسين المستمر لهذا النظام للاستجابة بشكل أفضل لأن الكوارث تتغير.
بدورها أكدت الباحثة في مجال التعمير وتدبير الكوارث الطبيعية مليكة بو عويد على أهمية الآليات القانونية الاستباقية لتدبير المخاطر الطبيعية في مجال البناء والتعمير بالنسبة للزلازل، وذلك من خلال ضوابط وقواعد المنظومة القانونية للتعمير ودورها في دعم الاستراتيجية الوطنية للوقاية من مخاطر الكوارث الطبيعية.
وبالنسبة للإجراءات التشريعية التي اتخذها المشروع المغربي في مجال التعمير لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية وتدبيرها بشكل استشرافي ووقائي، هناك ضوابط البناء المضادة للزلزال، حيث كان أول ضابط مقاوم للزلزال عام 2002، من خلال تحديد قواعد البناء وفق هذه الضوابط بحسب كل منطقة واحتمال وقوع الزلازل بها.
وأضافت أنه في هذا الإطار تم إحداث اللجنة الوطنية لهندسة الوقاية من الزلازل، والمكلفة بمهمة ترتيب البنايات وخرائط توزيع الجماعات داخل المناطق المهددة بالزلزال، كما تم إصدار ضابط البناء المضاد للزلازل المطبق على المباني المشيدة بالطين، ويتضمن هذا الضابط كذلك مجموعة من القواعد التقنية وشروط هندسية وقانونية صارمة للوقاية من خطر الزلازل في مباني القرى والبوادي المغربية، حيث ألزم الأهالي بشروط وقواعد البناء المضادة للزلازل.
أما بالنسبة للإجراءات التقنية والوقائية التي اتخذها الفاعل العمومي لمواجهة هذه المخاطر والتي تسهر عليها مجموعة من القطاعات الوزارية، مثل وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بشراكة مع مجموعة من القطاعات الأخرى، والمتمثلة أساسا في تحديد آلية الدراسات القادمة في مجال التعمير، حيث ينبغي أن تضمن هذه الدراسة ما إذا كان تراب معين قابل لاحتضان أجهزة مكونة من بناءات ومرافق متنوعة أم لا.
ولفتت إلى أن من الآليات الأخرى تعزيز البعد الاستباقي والاستشرافي في تدبير المجال والبنايات السكنية والحد من الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة عن هذه الكوارث.
وأضافت أن هذه الدراسات تتم من قبل مختصين وباحثين في الجيولوجيا والجيو تقنية وهو (العلم الذي يختص بدراسة علم التأسيس والأثر المتبادل بين التربة والأساسات)، وعلم الزلازل والبنايات والهندسة المعمارية، حيث يتم وضع بطاقات طوبوغرافية بناءً عليها ويتم تحديد القابلية للتعمير، حيث تضم خمس مناطق أساسية بحسب درجة الخطر الذي تمثله هذه المناطق، وتبقى المرتبة الخامسة هي الأكثر خطورة ويمنع تشييد المباني فوقها.
وخلص المشاركون إلى أن "إدماج إدارة مخاطر الكوارث في التخطيط الإنمائي ضرورة ملحة واستراتيجية لتحصين الدول وسياساتها العمومية، لأن الحكومات التي تعمل على تطوير قدراتها المؤسسية تكون مؤهلة أكثر من غيرها للاستجابة بشكل أفضل للصدمات، بمعنى أنها تضمن جاهزية أكبر للتدبير المحكم لآليات الإنذار المبكر، والبنيات التحتية، وأنظمة الرعاية الصحية، وطواقم الوقاية المدنية، ومن هنا فإن سياسات التنمية المستدامة، وما توفره من بنيات تحتية، وخدمات صحية واجتماعية واقتصادية وأمنية خاصة في وسط النساء و رفاه للمجتمع، هي بمثابة الصخرة التي تتحطم فوقها الكوارث والأزمات ما يجعل الأضرار أقل كلفة".