أزمة المياه في إيران... إلى أين تتجه؟
فجرت أزمة المياه التي تمر بها إيران، موجة واسعة من الاضطرابات والاحتجاجات العنيفة في محافظاتها، ودعوات للإطاحة بالسلطة، وكان للنساء حضور بارز في تلك الاحتجاجات
![](https://test.jinhaagency.com/uploads/ar/articles/2021/07/20220306-584111-jpg0581c0-image.jpg)
مركز الأخبار ـ .
عانت إيران موجات جفاف متكررة خلال العقد الماضي، أدى ذلك الجفاف إلى جانب عقود من سوء إدارة الحكومة للموارد الطبيعية وسوء التخطيط المزعوم، بما في ذلك تحويل المياه إلى أجزاء أخرى من البلاد، كل ذلك استنزف الموارد الثمينة في المقاطعة، وفي الأشهر الأخيرة، جف مجرى نهري الكرخة وزهرة في غرب خوزستان، وكذلك أراضي حور الحويزة الرطبة.
أزمة تلوى الأخرى
أضافت أزمة المياه والجفاف محنة فوق أخرى في دوامة التحديات التي تواجهها السلطات في طهران، ما فجر موجات من الاضطرابات والاحتجاجات العنيفة تعم مدن إيران شمالاً وجنوباً.
منذ نحو أسبوع، تشهد مناطق مختلفة في محافظة خوزستان تجمعات احتجاجية بسبب أزمة نقص المياه بالمحافظة، والتي تعتبر مصدر المياه الرئيسي، لكنها تعاني جفافاً مستمراً غير مسبوق، أدى إلى توترات متصاعدة منذ أواخر آذار/مارس من العام الجاري.
تظهر الدراسات الدولية أن جداول المياه الجوفية الإيرانية تم تفريغها بشدة بسبب الاستخدام الواسع لها، إذ أعلنت المجلة العلمية "نيجر" استخراج 74 كيلومتراً مربعاً من المياه من جداول المياه الجوفية تحت الأرض الإيرانية منذ عام 2002 إلى عام 2015.
وشهدت مدينة الأحواز أبرز الأحداث، لتأثرها البالغ بموجة الجفاف التي ضربت إيران، وصاحبتها عدة أزمات كانقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع معدلات البطالة، وزيادة نسبة التضخم بواقع أكثر من 50 بالمئة، ودمار الزراعة وتربية الماشية.
وخلال الشهر الجاري تكرر انقطاع التيار الكهربائي في العاصمة طهران وفي العديد من المدن الكبرى الأخرى، وألقى مسؤولون في ذلك باللوم على تأثير الجفاف في توليد الطاقة الكهرومائية.
قمع وعنف السلطات يزيد حنق الاحتجاجات
تشهد إيران سلسلة من الاحتجاجات الحانقة عمت مدنها الكبرى لأسبوع كامل بداً من 15 تموز/يوليو الجاري، بسبب شح المياه بمقاطعة خوزستان، إلا أن تصاعد غضب الإيرانيين ووقوع ضحايا أدى إلى توسع دائرة الاحتجاجات في العديد من مدن إيران بما في ذلك في طهران وإقليم لرستان، تضامناً مع أهالي خوزستان ووقوع ضحايا، حيث أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم "أنا عطشان"، استخدام القوات الأمنية العنف لتفريق المتظاهرين.
لعبت النساء أيضاً دوراً مهماً، حيث كان حضورهن طاغياً على الاحتجاجات، ففي الخفاجية انضمت عدد من النساء إلى احتجاجات الشوارع بين الرجال والشباب المتظاهرين، وكذلك الحال في الأحواز، شاركت النساء في تظاهرات حي علوي، ودعت إحداهن الناس إلى الاحتجاج على قمع أهالي الخفاجية.
كل ذلك أدى بالنساء إلى الخروج عن صمتهن، وبعد أن دعت مجموعات ونشطاء في طهران إلى مظاهرات لدعم متظاهري خوزستان، أظهرت مقاطع فيديو لنساء يهتفن "تسقط الجمهورية الإسلامية" في محطة لمترو الأنفاق بالعاصمة الإيرانية.
وفيما تواصلت الاحتجاجات في الأهواز جنوب غرب إيران اعتقلت السلطات الإيرانية ناشطين، وكشفت مقاطع الفيديو التي نشرها ناشطون من حي الثورة في الأحواز، عن حجم التظاهرات الشعبية اليومية التي خرجت متحدية قوات الأمن، وكذلك إطلاق القوات الأمنية وابلاً من الرصاص على المتظاهرين مما أدى لسقوط جرحى.
وفي كل مرة تندلع فيها الاحتجاجات في البلاد على إثر أزمة ما، تعمد السلطات إلى قطع الإنترنت وحظر الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي في كثير من المناطق لمنع النشطاء من التواصل والتحشيد للتظاهرات، وعبر ناشطون عن خشيتهم من أن هذا الحظر يخفي خلفه مشاهد لحجم العنف والقمع الذي تمارسه السلطات الأمنية بحق المتظاهرين.
ويرى مراقبون أن حالة عدم قدرة السلطات الإيرانية على احتواء الأزمات تزيد حنق وغليان الشارع الإيراني، كما تضفي إحساساً لدى الإيرانيين بأن السلطات في بلادهم لا تعبأ بمشكلاتهم الحيوية، بل كل ما يشغلها هو إخماد أي مساحة للتعبير عن رأيهم.
وأظهرت مقاطع فيديو أخرى ترديد المحتجين شعار "الموت لخامنئي"، فيما هتف آخرون "أبناء اللور والعرب أخوة لا يفترقان"، في تأكيد على رفض مساعي النظام ومؤيديه إثارة النعرات القومية والعنصرية في خوزستان، وجاءت هذه الشعارات المناهضة للمرشد الإيراني علي خامنئي وسط تواجد كثيف للقوات الأمنية.
صاحبت التظاهرات هتافات تسمع لأول مرة في إيران، فمنذ قيام "الثورة الإسلامية الإيرانية"، ما كان الإيرانيون بقادرين على أن يرددوا علناً أي هتافٍ بحق المرشد الأعلى الإيراني، أو أخرى تعكس تحسراً على العهد الملكي ما قبل الجمهورية الإسلامية.
وعلى الرغم من الأجواء الأمنية المشددة والوجود الكبير للقوات الخاصة في الحميدية، احتج أهالي المدينة، وكانت مشاركة النساء أكثر وضوحاً في مظاهرات مساء الاثنين 19 تموز/يوليو، بحسب ما نقله "إيران إنترناشيونال" عن مصادر محلية.
انتقادات حقوقية
قالت منظمات حقوقية إن إيران تستخدم بشكل غير قانوني القوة المفرطة في تصديها للاحتجاجات، وأعلنت منظمة العفو الدولية أنها تأكدت من مقتل 8 أشخاص على الأقل من المتظاهرين والمارة، بينهم مراهق، واعتبرت أن "قوات الأمن الإيرانية استخدمت القوة بشكل غير قانوني، بما يشمل إطلاق الذخيرة الحية وذخيرة الصيد، لسحق مظاهرات سلمية في غالبيتها".
فيما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان منفصل إن السلطات الإيرانية استخدمت على ما يبدو "القوة المفرطة ضد المتظاهرين" وإن على الحكومة إجراء "تحقيق شفاف" في الوفيات المفترضة، كما أشارت إلى أن تقارير وردت عن انقطاع الإنترنت في المنطقة، "خلال السنوات الثلاث الماضية عمدت السلطات بشكل متكرر إلى تقييد الوصول للمعلومات خلال الاحتجاجات".
ودعت مفوضة حقوق الإنسان ميشيل باشيليت، السلطات الإيرانية إلى التركيز على اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة النقص المزمن في المياه، بدلاً من استخدام القوة المفرطة والاعتقالات واسعة النطاق لقمع الاحتجاجات.
وشددت على أن السلطات ملزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بضمان أن يكون أي استخدام للقوة رداً على الاحتجاجات الملاذ الأخير، مشيرةً إلى أن "إيران تفتقر بشكل عام إلى قنوات فعالة تتيح للناس رفع مظالمهم بأي طريقة أخرى بخلاف الاحتجاجات فالمساحة المدنية مقيدة بشدة، وثمة افتقار إلى سائل إعلام حرة".
وكانت منظمات حقوقية اتهمت إيران بقمع مظاهرات واسعة خرجت في 2019 احتجاجاً على رفع أسعار الوقود، بحسب منظمة العفو، أدت إلى مقتل 304 أشخاص على الأقل.
ولا يُعرف إلى أي مدى يمكن أن تتوسع الاحتجاجات الحالية في إيران، إذ يتوقع أن تكشف الأيام المقبلة مدى قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة واحتوائها أو زيادة استخدام العنف بما قد يؤدي إلى إخماد التظاهرات بالقوة، أو توسعها.