إيران... نساء يُقتلن في العلن ويُدفن في صمت

عندما يتلاشى الخط الفاصل بين "الرجولة" و"الجريمة" في هالة من العادات والقانون، يُطرح سؤال ما الذي سيتذكره مجتمع عن امرأة لم يسمع صرخاتها قبل وفاتها؟

نسيم أحمدي

كرماشان ـ في أكثر أجزاء المقابر نسياناً، حيث لا يُذكر أي شيء عن شواهد القبور أو الأضرحة الفخمة، تُدفن جثث مجهولة الهوية، ضحايا لواء الشرف الدموي الذي يُرفع في العائلة.

في القبور المهجورة، دُفنت نساء أحياء، لا ذنب لهن سوى كونهن ولدن نساءً، والرأي العام والقانون؛ يجعلون من القتلة أبطالاً، لذلك لا حاجة للإحصائيات ومصادر المعلومات، فمئات النساء في جميع أنحاء إيران يُقتلن بأبشع الطرق على يد أشقائهن وآبائهن وأزواجهن بدافع الشرف.

ونظراً لغياب القوانين الصارمة في هذا الصدد ودعم الرأي العام، فإن القتلة لا يُحاكمون فحسب، بل يُشاد بهم في مجتمع تسيطر عليه القوانين الذكورية، ويضع الرجال جميع الخطوط الحمراء والأُطر، فكلما خالفت امرأة القوانين، يسمح الرجل لنفسه بمحاكمتها، عادةً ما تكون هذه المحاكمات قرارات فورية، وطريقة القتل مروعة للغاية من حيث بشاعة نتائجها.

تروي راضية أحمدي "اسم مستعار" من محافظة كرماشان قصة مقتل فتاة "كانت نوشين فتاة طيبة القلب ذات وجه جميل تعاني من تخلف عقلي طفيف، فجأة أصبحت عدائية، وفي أحد الأيام، نُقلت إلى المستشفى وهي تعاني من آلام شديدة في البطن، وتبين للأسف أنها حامل، ولم يكن أحد يعرف والد الطفل، مع انتشار القصة، انتشرت الشائعات، واعتبرت عائلتها أن هذا الفعل عاراً سيلاحقهم مدى الحياة، لذلك في إحدى الليالي، قام عمها وابن عمها ووالدها وشقيقها بضربها حتى الموت، ودسوا لها السم، وفي الليلة نفسها قالوا إنها انتحرت ودفنوها حتى دون تغسيل أو تكفين، وكانت شقيقة نوشين قد أحرقت نفسها قبل عام، ولكن بعد وفاة نوشين تيقن الجميع أنها قُتلت أيضاً".

تُرتكب أعلى نسبة من الاعتداءات الجنسية والاغتصابات على يد الأقارب، وفي قصة حياة نوشين، ليس من المستبعد أن يكون المغتصب نفسه أحد قتلتها، حتى لا يترك أي أثر للجريمة التي ارتكبها.

وكانت قد قالت الطبيبة والكاتبة نوال السعداوي في كتابها "الوجه العاري للمرأة العربية"، "في مجتمعنا، يُعد خطر الاعتداء الجنسي على الفتيات حقيقةً مُسلّماً بها، والشيء الوحيد الذي يُمكن التشكيك فيه هو شدته، غالباً ما لا تكون الفتيات دون سن السابعة غير محصنات من خطر الاعتداءات من قِبل شباب أو بالغين في الأسرة، أو من قِبل الخدم والبوابين، وتكمن ذروة مأساة هذه الحوادث عندما لا يرفض المغتصب دعم ضحيته فحسب، بل يشارك أحياناً في تحديد عقوبتها وحتى تنفيذها عملياً، بمعنى آخر، يحاول درء أي شبهة بالتظاهر بالغيرة والحرص على شرف العائلة".

السبب الذي يمنح الرجال الشجاعة على الاغتصاب والقتل هو أن القوانين مهدت لهم الطريق، وحتى لو لم نأخذ القوانين في الاعتبار، فبسبب الثقافة السائدة في المجتمع، يتمتع رجال الأسرة بسلطة اتخاذ قرار قتل النساء من حولهم، ففي قصة حياة نوشين، ما هو أوضح من أي دليل آخر هو أن المغتصب كان بالتأكيد أحد أقاربها، وربما كان حاضراً ليلة مقتلها، لقد قُتلت فتاتان من هذه العائلة، إحداهما بالحرق والأخرى بالتسميم، ولم يُعاقب القاتلان فحسب، بل ذكرهما الناس في قصصهم كمثال على النخوة والرجولة.

 

متفرجون صامتون ومجتمع لا يسمع صرخاتهن

راضية أحمدي روت قصة نوشين، أي أنها كانت على علم بتعذيبها وموتها، وبالتأكيد سمع صراخها كثيرون غيرها، لكن المثير للدهشة أن أحداً لم يجرؤ على إيقاف قتلها، مع أنهم كانوا يسيطرون تماماً على مجريات الأحداث، وكانوا يعلمون أن نوشين تُعذب وأنها على وشك الموت، في الواقع، أن الأمر الأكثر رعباً من هؤلاء القتلة والمغتصبين هم أولئك الذين قد يتعاطفون ظاهرياً مع قتل هؤلاء الفتيات، لكنهم في أعماق نفوسهم لا يعتبرونهن جديرات بأي شيء سوى الموت.

في الواقع، تُفضل كلمة الشرف على الإنسانية في إيران، وكل ما يحفظ شرف ومكانة العائلة أثمن حتى من أرواح أفرادها، لذلك، عندما تُعتبر فتاة في عائلة ما تهديداً لصون الشرف، يمكن لرجال العائلة إصدار حكم الإعدام عليها.

 

حكم الرجال عدالة مبنية على الشرف لا على الإنسانية

قالت ليلى فاطمي "اسم مستعار"، طالبة قانون، بشأن محاكمة مرتكبي جرائم الشرف "من المثير للاهتمام معرفة أن مرتكبي جرائم الشرف الذين يُحكم عليهم بالسجن يتمتعون بمكانة مرموقة بين السجناء الآخرين؛ خاصةً السجناء الذين يقتلون زوجاتهم، ويُشاد بهم في السجن كرمز للشجاعة والرجولة، وقد سهّلت الأنظمة السائدة في البلاد، بالاعتماد على القوانين السارية، الطريق أمام قتل النساء".

وأفادت أنه "وفقاً للقوانين واللوائح، إذا قتل الأب ابنته، فلا قصاص، بينما إذا ارتكبت الأم جريمة قتل، فعقوبتها الإعدام، وقد دفعت هذه المسألة، وتساهل العقوبة على الرجال مقارنةً بالنساء على نفس الجريمة، العديد من الآباء إلى استنباط الشجاعة لقتل بناتهم"، مضيفةً "من ناحية أخرى، ووفقاً للقوانين، إذا قتل الأخ أخته، بموافقة الوالدين، فلا يُعاقب، ففي معظم حالات جرائم الشرف التي تُقتل فيها الأخت على يد أخيها، فإن دعم الأب وموافقته لا يتركان مجالاً لعقاب القاتل، وفي النهاية، يُصبح حراً في مواصلة حياته".

 

إظهار القوة بالقتل تعني رجل يحمي أرضه بدم امرأة

في المجتمعات البشرية، يسعى كثير من الرجال لإظهار قوتهم بالعنف والقسوة والقتل، وإقامة سيادتهم على أراضيهم بتعنيف الجنس الآخر، من خلال قتل أخته أو زوجته أو أمه أو عشيقته، وما إلى ذلك، يحاول الرجل إظهار أن السلطة المطلقة في يديه، وأن من حقه إزالة أي عائق يشكك في قوته، ذكرنا سابقاً أن سعيه لإثبات قوته ناجم عن تشجيع من جنسه، وعادةً ما يقتل الرجال النساء من حولهم حتى لا يخجلوا من الآخرين، وحتى لا يُشكك في عظمة رجولتهم وقوتهم الذكورية.

تقول نرجس.م ، ممرضة في أحد مستشفيات كرماشان "دخلت نساء كثيرات المستشفى مصابات بكدمات وكسور مختلفة، لكن أسوأ ما رأيته حتى الآن كان فتاة في السادسة عشرة من عمرها نُقلت إلى المستشفى وعليها علامات اختناق، وقالت عائلتها إنها شنقت نفسها، لكن اتضح أن زوجها حرض شقيقها على قتلها بقوله إن أختك عاهرة وتريد الطلاق، وأقول لك أن توقف أختك حفاظاً على شرفك"، مضيفةً "للأسف، خنق الأخ شقيقته بغطاء رأسها، لكن اتضح لاحقاً أن الرجل حرض على قتل زوجته عمداً باتهامات مختلفة ليتزوج من أخرى".

في قصة وفاة هذه الفتاة، إذا تركنا مسألة زواجها وهي طفلة جانباً، نصل إلى تحريف وتحريض ومديح عدد من الرجال الذين لعبوا دوراً في قتلها، الأخ، متأثراً بتحريض الصهر، قتل أخته، واستطاع الصهر تغيير الأمر لصالحه بتحريف قصة الطلاق والتشهير، وفي النهاية، أشاد الأب بابنه دون شكوى، واصفاً إياه بأنه بطل في الحفاظ على شرف وكرامة العائلة، لكن ما هو واضح في النهاية هو أن كل هذه القسوة والقتل ما هي إلا استعراض للسلطة من قبل النظام الأبوي، الذي دون أدنى تفكير، لا يهدف إلا إلى الحفاظ على منطقة لا يوجد فيها سوى القتل والذبح، منطقة تمتلئ كل زاوية من حدودها (دولة - أمة - عائلة - مجتمع) بجثث نساء لا يملكن حتى الحق في ترك نصب تذكاري بعد وفاتهن.

 

قتل النساء ثمرة صمت القانون والأسرة والمجتمع

إن تكرار العنف المبني على الشرف هو نتيجة مزيج من الثغرات القانونية، وسيطرة البنى الأبوية، واللامبالاة الاجتماعية، وتتطلب مواجهة هذه الدورة مراجعة جادة للقوانين، ورفع مستوى الوعي العام، ومساءلة شاملة، ولمنع تكرار مثل هذه المآسي، تُعد المشاركة الفعالة للنساء والرجال، ونشطاء المجتمع المدني، والمؤسسات القانونية والثقافية، ضرورة لا غنى عنها.