أوزجي يورتاش: لننظم أنفسنا من أجل بيئة إعلامية أكثر حرية ومساواة

أكدت أوزجي يورتاش أن الحركة النسائية أظهرت الموقف الأكثر عزماً وإصراراً ضد ممارسات الحكومة المناهضة للديمقراطية وأن الديناميكية التي خلقتها أثرت بدورها على وسائل الإعلام.

روجدا كزكن

مركز الأخبار ـ في العديد من البلدان، تواجه الصحفيات عدة ضغوطات في كل جانب من جوانب قطاع الإعلام تقريباً، كما في الإعلام التركي الذي يشهد تمييزاً وتقييداً للحريات، وتتعرض الصحفيات للانتهاكات كالعنف وعدم المساواة في الأجور وانعدام الأمان الوظيفي وساعات العمل الطويلة والمضايقات والتحرش الجنسي، وتصل إلى حد اعتقالهن ورفع دعوى ضدهن ومحاكمتهن على أساس أنشطتهن المهنية.

وحول ظروف عمل الصحفيات والضغوطات التي تتعرضن لها خاصةً الصحفيات الكرديات، أجرت وكالتنا حوار مع الأمينة العامة لنقابة عمال الصحافة والطباعة في تركيا أوزجي يورتاش.

 

يعد الإعلام أحد القطاعات التي ينتشر فيها عدم المساواة بين الجنسين، ما هي المشاكل التي تواجه الصحفيات في مجال الإعلام؟

في تركيا ظروف العمل في قطاع الإعلام صعبة، على عكس العديد من الأعمال الأخرى، إن الحياة العملية في البلاد كانت محفوفة بالمخاطر على مدار 30 عاماً الماضية، حيث كان من الشائع جداً العمل بأجور زهيدة، وبدون نقابات وحقوق اجتماعية وأمن وظيفي، عندما يسلط الضوء على قطاع الإعلام، فلا بد من إضافة وسط يتواجد فيه الضغط والتدخل في العمل بسبب نوعية العمل المنتج، وحالة من الاعتداء، حيث تكاد حريات الصحفيين تغتصب، وخاصة من قبل الحكومة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالصحفيات، فإن هذه المشاكل تتضاعف، لأن بيئة الإعلام التركي ينتشر فيها العمل المحفوف بالمخاطر والمجازفات، كما وأن الصحفيات تواجهن إلى جانب كل تلك الانتهاكات مشكلة عدم المساواة في الأجور أيضاً.

كما هو الحال في جميع أنحاء العالم وفي البلاد، تحصل النساء في بعض الأحيان على أجور أقل من الرجال في مجال الإعلام، وبالإضافة إلى ذلك، فعندما ننظر إلى الإعلام التركي، نرى أنه لا توجد أي امرأة تقريباً في المناصب الإدارية بما في ذلك وسائل الإعلام المعارضة، وينظر إلى الأمر وكأن  إدارة صحيفة أو قناة تلفزيونية أو موقع إلكتروني هو أمر لا يمكن إدارته إلا من قبل الصحفيين الرجال، وهذا أيضاً من إحدى المؤشرات على التمييز.

من الضروري إضافة حالات التحرش والعنف والمضايقة في مكان العمل إلى كل هذه المشاكل، قد تصبح النساء أكثر عرضة للعنف والمضايقات مرة أخرى بسبب وضعهن الهش في القطاع والحياة الاجتماعية وحياة العمل، وفيما يتعلق بالصحفيين/ات تتمثل المشاكل في التعرض لعنف الدولة في الشارع، وعنف قوات إنفاذ القانون، وعنف المهاجمين الذين يتحركون تحت إشراف مواطنين مدنيين أو عصابات مدنية من وقت لآخر، بالإضافة إلى العمل بدون أمان والعمل بأجور منخفضة، باختصار يمكننا أن نقول إن الصحفيات تعملن في ظل ظروف تتعرضن فيه بشكل متكرر للتمييز من حيث الأجور وظروف العمل والوظائف التي يحق لهن أن يكون لهن رأي فيها.

 

عندما تكون الصحفيات هن موضع النقاش تتضاعف المشاكل، ما الذي تقترحينه بخصوص حل هذه المشاكل التي ذكرتها؟

من واجب كل صحفي، أن يكون منظماً، وأن يكون نقابياً، لأن النقابة هي أداة النضال الجماعي ضد المشاكل، ولكن للأسف تعد صناعة الإعلام واحدة من خمسة فروع أعمال لديها أقل معدل نقابات من بين 21 فرعاً تجارياً في البلاد، على الرغم من أنها صناعة صغيرة جداً، إن هذا في الواقع محزنٌ جداً، أعتقد بأن أهم مهمة تقع على عاتقنا كأفراد وعلى عاتق العاملين في هذا القطاع من أجل وضع حلول لهذه المشاكل هي السعي للحصول على الحقوق على الصعيدين الفردي والجماعي، والنضال معاً من أجل تحسين ظروف العمل، ومع ذلك وبطبيعة الحال، فإن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الحكومة والمشرعين، ولكن في الظروف الحالية الحكومة ليست مؤسسة تنظيمية، إنها تستخدم جميع الأدوات لديها ضد الصحفيين/ات، لإخضاع عالم الإعلام. إن الإعلان عن السلطة السياسية كمطلب منظم لن تكون طريقة فعالة للغاية لتركيا في هذه اللحظة من التاريخ.

هناك أيضاً أمور تقع على عاتق أصحاب العمل فيما يتعلق بحل المشكلات، من الممكن للمنظمات الإعلامية التي تقول إن وسائل الإعلام المعارضة هي بديل لوسائل الإعلام السائدة، وتقوم باقتراح خيارات مثل تحسين ظروف العمل، وخلق بيئة عمل أكثر ديمقراطية، والقضاء على ظروف العمل الغير متكافئة، وخلق آليات من أجل دعم الصحفيات، في الواقع إن البديل الحقيقي ليس فقط مع محتوى الأخبار التي تم إعدادها، ولكن برأيي يكون أيضاً مع هذه المؤسسات الإعلامية وبناء هياكلها التنظيمية الخاصة كنموذج بديل وأن تكون أكثر مساواة، فإن وجود وظيفة تحترم الحقوق الأساسية للموظفين وإدارة عملية إعداد الأخبار بمفهوم أكثر ديمقراطية وشفافية سيكون رائداً في حل هذه المشكلات.

 

ماذا عن مشاركة الصحفيات في المنظمات المهنية؟ وهل يمكنهن المشاركة في آليات صنع القرار؟

يكاد ينعدم وجود الصحفيات في المناصب الإدارية، فإدارة صحيفة أو قناة تلفزيونية أو موقع إلكتروني يُنظر إليه على أنه أمر لا يمكن إلا للصحفيين الرجال القيام به وإدارته، من الممكن للمنظمات الإعلامية اقتراح بدائل لوسائل الإعلام السائدة لتقديم الدعم للصحفيات، إن البديل الحقيقي ليس فقط مع محتوى الأخبار، ولكن أيضاً يجب على هذه المؤسسات الإعلامية بناء هياكلها التنظيمية الخاصة كنموذج بديل وأكثر مساواة، للحصول على عملية تحترم الحقوق الأساسية للموظفين/ات، وأن يمتلك مفاهيم أكثر ديمقراطية في إدارة عملية إعداد الأخبار، أعتقد بأن تحقيق هذا الأمر سيكون بمثابة مفتاح للحل لهذه المشاكل".

ليس من قبيل الصدفة أن يتم اعتقال صحفيين/ات كرد في العملية التي تمت تنفيذها في 25 نيسان/أبريل الجاري، في نفس الوقت من عملية إجراء الانتخابات في تركيا، إن كل خطوة قاموا بها لإسكات صوت الصحفيين/ات الكرد كانت لها نية يمكن أن تتحول قريباً إلى موجة من الهجمات التي من شأنها أن تشمل جميع الصحفيين/ات وكافة وسائل الإعلام.

إن عدد النساء في العمليات الإدارية للنقابات العمالية في تركيا قليل، عندما ننظر إلى النقابات المستقلة عن الدولة ورأس المال في مجال عملنا، هناك نقابتان في مجال العمال، وعندما ننظر إلى المنظمات المهنية، نرى أن عدد النساء يتساوى مع الرجال، وبالإمكان رؤية أنه يمكنهن أن تشاركن في مناصب فعالة في الآليات الإدارية أيضاً.

أعتقد أن هذا يعود جزئياً إلى طبيعة مهنة الصحافة في تركيا، واعتقد أيضاً أن الحركة النسائية تمهد الطريق أمام الجميع في البلاد، وهناك حقيقة أن المنظمات المهنية تلعب دوراً فعالاً في تحول النقابات وتأنيثها أيضاً.

على سبيل المثال، فإن نقابة الصحافة والطباعة ليست نقابة كبيرة جداً، قد يكون ثالث أو رابع أكبر اتحاد في صناعة الإعلام، إلا أن ثلاثة من إداراتنا المكونة من سبعة أشخاص هم من النساء، كما وأن عدد النساء في مجموعات أعمالنا تكاد تساوي عدد الرجال، أعلم أن هناك صورة مماثلة في الجمعيات ونقابات الصحفيين الأخرى، بقدر ما أعلم فأنه لدى النساء منظمات خاصة بهن منفصلة أو مجموعات إخبارية في هذا الإطار، وأعتقد أن المنظمات في مجال الصحافة مقارنة بالمنظمات في المجالات الأخرى في وضع أفضل بقليل.

 

تزداد ممارسة مهنة الصحافة في تركيا صعوبة يوماً بعد يوم، ما هي توقعاتكِ فيما يتعلق بحقوق الصحفيين/ات وحرياتهم/ن بعد الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 14 أيار/مايو المقبل؟

أعتقد بأنه سيكون من الأنسب تعيين مهمة بدلاً من ذكر التوقعات بشأن هذه المسألة، لأنه بغض النظر عمن يكون في السلطة، سنطالب بحرية الصحافة، وإنهاء الرقابة، ووضع حد لاستهداف الصحفيين/ات من خلال العمليات القانونية، وسنعمل على رفع يد الحكومة والقضاء من على الصحفيين.

نعلم أنه أياً كان الخيار في السلطة، فلن يتم تحقيقه ما لم نطالب به بطريقة منظمة، لأن تحقيق حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية الشعب في تلقي المعلومات، والتي يجب أن تكون في بلد ديمقراطي، إن هذا الطلب الذي هناك إصرار عليه في بلدان مثل بلدنا بالإمكان تحقيقه من خلال الانفتاح التدريجي والتقدم خطوة خطوة في هذه القضية.

من مطالبنا في النضال بعد 14 أيار هي حكومة تحترم قبل كل شيء حق تلقي المعلومات، وحرية الصحافة يوجد عدد كبير جداً من زملائنا الصحفيين في السجن الآن، هناك زملاء تم اعتقالهم بعد العملية التي نفذت في حزيران وبعدها في تشرين الأول من العام الماضي ضد أصدقائنا الصحفيين من مبدأ الصحافة الحرة، حيث يحاكم العشرات من الصحفيين بحكم يطالب بالسجن لعشرات السنوات، ويحضر في كل يوم تقريباً صحفي إلى قاعات المحكمة للإدلاء بشهادته أو من أجل حضور محاكمته،  سنستمر في المطالبة بالإفراج عن الصحفيين المسجونين وعدم ترهيب مهنة الصحافة، والتوقف عن القيام بترهيب زملائنا أثناء أدائهم لوظائفهم، وعدم إعاقتهم ومنعهم أثناء قيامهم بمتابعة الأخبار، وجعلهم هدفاً للأمن وقوات إنفاذ القانون، ونطالب بالتوقف عن محاولة إسكات صوت الصحفيين من خلال المجالس والسلطات التي تمتلكها الحكومة.

 

كيف تقيمين الضغوط التي يتعرض لها الصحفيون بشكل عام، والكرد بشكل خاص؟

نعم لقد تم اعتقال العديد من الصحفيين في هذه العملية بمن فيهم أعضاء من نقابتنا، إن عمليات الحكومة التي تهدف إلى تضييق المجال الديمقراطي وحرية الصحافة والتعبير تنطلق دائماً من الصحافة الكردية ثم تمتد إلى الدولة بأكملها، فقبل كل شيء أعتقد أن هذا الهجوم لم يكن من قبيل الصدفة تزامناً مع سير عملية الانتخابات، يمكننا أن نلاحظ بأنه من خلال قيامه بإسكات الشعب الكردي، والمؤسسات الإعلامية الكردية، يهدف في الواقع إلى التقليل من زخم الحملات الانتخابية الناجحة والتي وصلت صداها لأبعد مدى في البلاد، وبالإضافة لهذا أعتقد بأنه يحاول بشتى الوسائل ترهيب زملائنا العاملين في المؤسسات الإعلامية التي تمثل صوت الحركة الكردية، وعلى الرغم من وجود قرار تقييد في الملف في الوقت الحالي، إلا أن ادعاءات مثل "العضوية في التنظيم" و"الدعاية للتنظيم" يتم ذكرها كالمعتاد.

أعتقد أن الحكومة تقوم بترهيب المعارضة في كل فترة من خلال الحركة الكردية، في الحقيقة فإن كل خطوة لكتم أصواتهم تهدف إلى التحول إلى موجة من الهجمات التي ستشمل قريباً جميع الصحفيين وجميع وسائل الإعلام، إننا قلقون وغاضبون للغاية بهذا الخصوص، ولأن الصحفيين الذين اعتقلوا في 8 حزيران 2022 سيقدمون للمحاكمة بعد عام وشهر تقريباً، فليس من الواضح حتى ما هو الأمر الذي هم متهمون به، نرى أن بعض زملائنا الذين اعتقلوا في تشرين الأول الماضي يواجهون اتهامات مختلفة لمجرد قيامهم بممارسة أنشطتهم الصحفية.

لكن بطبيعة الحال، فإن حقيقة استهداف الشعب الكردي الذي كتم صوته والذي يحمل دوراً حاسماً في كل من  تركيا والمعارضة والمفتاح للتحول الديمقراطي في تركيا، يظهر لنا المزيد، فأنا شخصياً أفكر مثل الكثير من الناس هنا، لا أعتقد بأن الديمقراطية الكاملة ستتواجد في هذا البلد، إلا إذا تمت تلبية مطالب الشعب الكردي، وإحدى المؤشرات الأساسية على ذلك هو الإعلام، فبينما يتم اعتقال زملائنا في آمد وإسكاتهم وتصوير أنشطتهم الصحفية على أنها جرائم، ومع تكرار هذه العمليات كل ستة أشهر تقريباً، لا أعتقد أنه يمكننا القيام بنشاط صحفي حقيقي في البلاد بشكل كامل وبحرية، لهذا السبب أعتقد أنه من المهم أن نكون متحدين كجسد واحد في مواجهة الهجمات.

 

ما الرسالة التي توجهينها إلى النساء اللواتي تصممن على الاستمرار في ممارسة مهنتهن في الصحافة رغم كل الصعوبات التي تواجههن؟

يجب على الصحفيات أن تكنّ منظمات وتصبحن عضوات في اتحاد الصحافة والنشر في اتحاد النقابات العمالية الثورية، لأن قوتنا تأتي من وحدتنا كنساء، وتضامننا في الواقع، أعتقد أن الحركة النسائية في تركيا هي أحد المكونات الاجتماعية التي أظهرت الموقف الأكثر تصميماً واعتدالاً ضد ممارسات الحكومة المناهضة للديمقراطية، خاصة في الأعوام الـ 15 الماضية، وأعتقد أيضاً بأنه ومن خلال نقل هذه الديناميكية إلى نقاباتنا ومنظماتنا المهنية سيكون له تأثيراً كبيراً في دمقرطة الإعلام في تركيا واكتساب صفة أكثر مساواة، ولهذا السبب أناشد جميع زملائي أن يكونوا منظمين من أجل بيئة إعلامية أكثر حرية ومساواة، وأن يستمروا بالنضال معاً من أجل حرية الصحافة والعمل في بيئات آمنة وتسودها الحرية.