أصوات حقوقية من المغرب تدعو إلى حماية القاصرات من العنف الرقمي

ـ دعا حقوقيون مغاربة خلال ندوة حول "الممارسات الفضلى في مجال محاربة العنف الرقمي المبني على النوع... المبادرات والبرامج الهادفة إلى حماية القاصرات والقاصرين"، إلى حماية الأطفال من التحرش والابتزاز والتنمر الذي يتعرضون له على شبكات التواصل

حنان حارت
المغرب ـ دعا حقوقيون مغاربة خلال ندوة حول "الممارسات الفضلى في مجال محاربة العنف الرقمي المبني على النوع... المبادرات والبرامج الهادفة إلى حماية القاصرات والقاصرين"، إلى حماية الأطفال من التحرش والابتزاز والتنمر الذي يتعرضون له على شبكات التواصل، وتكثيف الحملات التحسيسية لحماية القاصرات من العنف الرقمي.
في إطار حماية الفتيات القاصرات من العنف الرقمي، نظمت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة "أتيك"، ندوة حول موضوع "الممارسات الفضلى في مجال محاربة العنف الرقمي المبني على النوع... المبادرات والبرامج الهادفة إلى حماية القاصرات والقاصرين"، يوم الخميس 8 تموز/يوليو، بمدينة الدار البيضاء، بدعم من سفارة هولندا بالمغرب.
ويعد تناول موضوع "العنف الرقمي" سابقة من طرف جمعية "أتيك" التي فتحت هذا الملف منذ عام 2016.
أوضحت مديرة مؤسسة تعليمية والخبيرة في قضايا المرأة والطفل سعاد الطاوسي، أن تنظيم هذه الندوة، يأتي من أجل كشف الستار عن كل المبادرات الهادفة إلى محاربة العنف الرقمي ضد القاصرات والقاصرين، وذلك من أجل مقاربة الموضوع من كل جوانبه داخل المجتمع وتأثيره على الطفولة التي تعد جسراً نحو المستقبل.
وأشارت إلى أن هناك نوعاً من التسلط والرغبة في إقصاء القاصرات والقاصرين وهو الذي يؤدي إلى بروز عنف جديد يطفو على السطح ويتطور، وتشكل أفعاله خطراً على الأفراد والمؤسسات والمجتمع، وبالتالي فكون القاصرات والقاصرين هم المستقبل فإنه يتطلب تظافر الجهود لمحاربة كل العراقيل التي تحد منه، فضلاً عن ضرورة الخروج باستراتيجيات.
 
"دور المرصد الوطني لحقوق الطفل في حماية الطفولة من العنف السيبراني"
ومن جهتها ذكرت المسؤولة القانونية عن المرصد الوطني لحقوق الطفل كنزة العثماني، في مداخلة لها بعنوان "دور المرصد الوطني لحقوق الطفل في حماية الطفولة من العنف السيبراني"، بمجموعة من الدراسات التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني والتي تتناول الظاهرة وتساعد على فهمها، وقالت أن الندوة تعبير صريح عن الرغبة في محاربة الظاهرة.
وللمرصد دور في محاربة الظاهرة منذ إنشائه عام 1995، باعتباره مؤسسة مستقلة تدافع عن حقوق الطفل في المغرب، بعد أن تقرر أن يتحول المؤتمر الوطني لحقوق الطفل إلى مرصد دائم للدفاع عن هذه الحقوق، من خلال التحسيس والتوعية على المستوى الوطني بهذه الحقوق.
وأكدت كنزة العثماني أن العنف السيبراني يعد من بين المواضيع التي عمل عليها المرصد خاصة مدى استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي من طرف الطفولة وذلك من خلال مجموعة من المبادرات واللقاءات التي عقدها المرصد، من أجل تقوية الترسانة القانونية الكفيلة بمحاربة الظاهرة ومنها محاربة كافة المخاطر التي تعترض الطفولة وتحميهم من التعرض له.
وحول ما قام به المرصد لمحاربة العنف السيبراني، نوهت إلى أن المرصد قام بمقاربة تشاركية من خلال توظيف كافة الإمكانيات التي يتوفر عليها المرصد, "نقوم بتوقيع الشراكات مع جهات حكومية وأخرى غير حكومية، منها المديرية العامة للأمن الوطني، والمديرية العامة لأمن المعلومات التابعة لإدارة الدفاع الوطني ووزارة العدل ووزارة التربية الوطنية ومديرية الدرك الملكي ووزارة التضامن والأسرة والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وبنك المغرب والوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات"، مشيرة إلى أن هذه الشراكات مكنت من حماية الأطفال من مخاطر العنف الرقمي.
وأضافت "تم إعداد دليل سيتم توزيعه قريباً فضلاً عن التحسيس المباشر للآباء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما إننا نعمل على إعداد دليل للاستعمال الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي خاص بالأطفال، ويسعى المرصد من خلال كل هذه الإجراءات إلى توفير حماية أفضل للأطفال من مخاطر العنف الرقمي، غير أن ما يتم القيام به يبقى ناقصاً ما لم تتضافر كل الجهود من أجل إدماج كافة الشركاء والمعنيين، وتنظيم فعاليات سنوية لمحاربة الظاهرة".
منوهة إلى أنه بعمل جمعية "أتيك" التي نجحت في كسر تابو الصمت وفتح مسارات التواصل التي تدفع نحو التفكير في ضرورة التحسيس بهذه الظاهرة، وبفضل المبادرات التي قام بها المرصد، احتلت المغرب المرتبة 45 عالمياً في التحسيس بالظاهرة والتوفر على بوابة لمحاربة العنف الرقمي، والثالث عشر إفريقيا، وهي البوابة التي تمكن المغاربة من الدخول الآمن إلى المعلومات خاصة القاصرين وتحفظ خصوصيتهم.
وحول مخاطر الأنترنت، قالت كنزة العثماني أن المرصد ينظم دورات تكوينية وإعلامية من أجل التحسيس بالتنسيق مع عدد من الشركاء، منوهةً إلى أن جل المبادرات ترمي إلى تعزيز وحماية الأطفال من العنف السيبراني كأولوية للمرصد.
 
"الممارسات الفضلى في مجال محاربة العنف الرقمي ضد القاصرات والقاصرين ـ مقارنة معيارية"
فيما استعرضت الناشطة النسوية ومديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو، في مداخلة لها بعنوان "الممارسات الفضلى في مجال محاربة العنف الرقمي ضد القاصرات والقاصرين ـ مقارنة معيارية"، عمل جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، على موضوع العنف الرقمي الذي مكن من الإنصات لهموم فئات أخرى خاصة داخل المدارس.
وأشارت إلى أن التجارب التي تم الكشف عنها من خلال هذه الندوة في حاجة إلى التعميم من أجل تعريف المجتمع بها، مضيفةً أنه يجب مساءلة الدولة حول آليات الحماية التي توفرها للقاصرين والقاصرات خاصة وزارة التربية الوطنية وهل فكرت في وضع آليات جديدة مثل إنشاء مراكز الاستماع أو الأرقام الخضراء.
وأوضحت بشرى عبدو أن هناك تجارب رائدة في مجال محاربة العنف الرقمي بدأت قبل عام 2000، منوهة إلى بعض البرامج التي قامت بها المملكة المتحدة من خلال أربعة مشاريع كانت عبارة عن أفلام قصيرة مثل "دعونا نحاربه معاً" والذي لا تتجاوز مدته 6 دقائق و30 ثانية لفائدة الأطفال والمدارس والأسر البريطانية عام 2005، والذي يهدف إلى زيادة الوعي بين جميع مرتكبي ومرتكبات الجرائم الإلكترونية وفهم الألم الذي يمكن أن يشعر به الضحايا.
وأكدت بشرى عبدو أن الحكومة المغربية يمكنها أن تستفاد من تلك البرامج إلى جانب تجارب منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال محاربة العنف الرقمي والتي يمكنها أن تساهم في وضع ترسانة قانونية وعملية، من أجل محاربة هذه الظاهرة ودعم الضحايا في الاتصال بمختلف المنصات ضاربة المثال بمشروع "سطوب العنف الرقمي"، لجمعية التحدي الذي يمكن الضحايا من التواصل مع الجمعية ومرافقتهن ذهنياً ونفسياً وقانونياً إن اقتضى الأمر.
 
"القاصرات والقاصرين بين العنف الرقمي والخوف من البوح"
وفيما يتعلق بالشق القانوني أوضحت المحامية بهيئة الدار البيضاء الزاهية اعمومو، خلال مداخلتها التي جاءت تحت عنوان "القاصرات والقاصرين بين العنف الرقمي والخوف من البوح"، تحدثت عن الإطار القانوني المؤطر لهذه الظاهرة مثل القانون الجنائي والقانون رقم 103.13، والخلايا التي تعمل في مجال محاربة العنف ضد النساء والأطفال، كما تطرقت إلى المستجدات التي حملها دستور 2011، الذي شكل مدخلاً من أجل المطالبة بتعديل بعض القوانين فضلاً عن الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب وعلى رأسها اتفاقية حماية حقوق الطفل.
ومن جهتها تحدثت الأخصائية النفسية سكينة زرادي، حول العنف الرقمي من مختلف جوانبه وتأثيراته على الأطفال والصعوبات التي يواجها الأطفال ضحايا العنف، موضحة أن "العنف الرقمي  يختلف عن العنف العادي، خاصة وأنه يكون من وراء مواقع الانترنت ما يسهل عملية الولوج للتواصل مع الضحايا، عبر المحتويات التي يمكنها أن توثر مثل مقاطع الفيديو والصور التي تبقى حبيسة صفحات التواصل الاجتماعي، مما يشجع المتحرش على مواصلة ممارساته خاصة وأن اكتشاف الأمر يتطلب وقتاً، مما يمكنه من إسقاط المزيد من الضحايا".
وأكدت على أن شبكات الأنترنت تمكن المتحرش من ممارسة ساديته التي لا يسمح له الواقع بها، والوصول بسهولة إلى الضحية، "مثلاً عندما نلاحظ طفلاً قد تعرض للتحرش داخل المدرسة فإنه ينكشف، لكن من خلال الانترنت يمكن أن يتم اقتحام حياة الضحية حتى داخل بيته وتشويه سمعته دون إدراك الأمر، مما يقتضي ضرورة العمل من أجل وضع حد لهذا الأمر".
وحول المخاطر الناجمة عن غياب المراقبة الأبوية تقول أن لذلك دور في زيادة المخاطر على القاصرين الذين يتعرضون للعنف السيبراني، "لن يتوقف الأمر عند نشر الصور والفيديوهات الشخصية، بل قد يصل الأمر إلى حد الدخول إلى عوالم أخرى قد يكون أسوأها التحريض على الكراهية، حيث يتحول الشخص القاصر الذي يعاني من العنف الرقمي إلى ممارس له بدافع الانتقام من مجتمعه ومن محيطه".
وأشارت إلى أن القاصر الذي يتعرض لتوتر نفسي، وعرض صوره خاصة ذات الطابع بورنوغرافي في بعض الأحيان ترفع إمكانية تعرضه على أرض الواقع لما يتعرض له في المجال الرقمي خاصة إذا عمل المتحرش على نقل نشاطه من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، من خلال استغلال الصور التي قد يحصل عليها من طرف الضحية لتحقيق مآربه.
ونوهت إلى أن أغلب الضحايا يكونون في البداية ضحية لمتحرشين في نفس سنهم أو من زملاء الدراسة، مما يعرضهم لتبعات النفسية، مؤكدة أن ضحية التحرش والعنف في معظم الأحيان تكون لديه قابلية أكبر لممارسة نفس ما مورس عليه على الآخرين، خاصة في ظل سهولة الولوج إلى الانترنت، "إن الانعزال الذي قد يقع فيه الضحية قد يؤدي إلى سوء استعمال الانترنت، وما يستتبع ذلك من مخاطر جنسية قد يتعرض لها من طرف من يتواصلون معه من أجل تفريغ شحنة التراكمات المكونة لديهم، وبالتالي فإنه ينبغي العمل من أجل مرافقتهم نفسياً للتخلص من كل الصور النمطية التي يكونونها".
وتابعت "هناك صورة نمطية سائدة تتمثل في التمييز الجنسي خاصةً وأن أغلب من يتعرضن للابتزاز داخل الوسائل الرقمية هن الفتيات اللواتي يوجه لهن اللوم دائماً في النهاية فقط لكونهن فتيات سواء في الواقع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحكم الصورة الذهنية التي يحملها المجتمع حول الأنثى عموماً".
ومن التداعيات النفسية التي يخلفها التعرض للتحرش والعنف السيبراني على القاصرين، الميل نحو العزلة والانتحار، الشعور بعدم الارتياح داخل المجتمع، المعاناة من الرهاب الاجتماعي، فقدان الشهية والوزن وصعوبة التأقلم اجتماعياً والتوجه نحو إدمان المخدرات والكحول.
 
"حماية القاصرات والقاصرين من العنف الرقمي نموذجاً"
وحاولت نائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء مرية بن عبدالله، في مداخلة لها بعنوان "دور خلية التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف.. حماية القاصرات والقاصرين من العنف الرقمي نموذجاً"، الحديث عن موقع الطفل الذي يحتله في مسلسل الإصلاح داخل الاستراتيجيات الدولية وقضايا الطفل من أجل ضمان حقوقه كافة، مشيرة إلى أنه لوحظ في الآونة الأخيرة ازدياد ظاهرة العنف ضد الأطفال الذين ذهب عدد منهم ضحية الجرائم مثل القتل والضرب والجرح والاغتصاب وغيره، رغم التطور الذي عرفه المجتمع في مجال حقوق الإنسان وانتشار ثقافة السلام والرحمة والعدل والتسامح بين البشر.
ونوهت إلى أن "الأهم هو مواجهة تلك السلوكيات التي تؤثر على نفسياتهم خاصة وأن اللوم كله يوجه للطفل لا الجاني وهو ما يعرضه لتداعيات نفسية"، مذكرة بأن نشر صور الشخص دون رضاه جرائم يعاقب عليها القانون كما أن الجاني حتى ولو استعمل هوية مزورة سيتم كشفه.
وعن  دور خلية التكفل بالنساء والأطفال تقول أنه يتمثل بالأساس في حماية الأطفال من العنف وتقديم الدعم لهم من خلال مجموعة من الإجراءات أولها التبليغ حول أي واقعة مع ذكر أكبر قدر من المعلومات حولها، علماً أن الجميع ملزم بالتبليغ طبقاً لمقتضيات فصول المسطرة الجنائية.