أصوات غاضبة ونضال مستمر... التونسيات في مواجهة التهديدات والتراجعات

أكدت الناشطات المشاركات في الندوة التي نظمتها جبهة المساواة وحقوق النساء، على وجود تهديد حقيقي لمكتسبات المرأة في تونس وحذرن من خطورة الوضع، مطالبات الدولة بالاستماع لهن والسماح بتقديم مشاريع تنويرية تنصف النساء.

زهور المشرقي

تونس ـ تشهد مكتسبات المرأة في تونس تهديداً متزايداً نتيجة صعود تيارات محافظة تسعى لتقويض حقوقها التاريخية، مثل المساواة في الزواج والطلاق، وسط حملات على مواقع التواصل وبرامج سياسية تدعو لتعديلات رجعية.

أكدت الندوة التي نظمتها جبهة المساواة وحقوق النساء حول "واقع المساواة بين المكتسبات والتحديات والتهديدات" اليوم الخميس 14 آب/أغسطس تحت شعار "نحبوها مساواة تامة وفعلية مون شعارات ووعود وهمية"، أن النضال مستمر دفاعاً عن حقوق النساء رغم كل التهديدات والعوائق والتضييقات للتأثير على استمرار عمل الجمعيات والمنظمات.

واجمعن على أن المكتسبات مهددة نتيجة مبادرات تشريعية تريد العودة بالنساء إلى الوراء محاولةً ضرب مجلة الأحوال الشخصية التي كانت صارمة في العديد من القضايا، وبالرغم من الدعوات إلى تعديلها وتطويرها وفق رؤية نسوية تقدمية إلا أن المساس بها بهذا الشكل يعتبر خطاً أحمر وفق الناشطات.

وذكرن بأن المجلة كانت نتاج نضال نسوي لجيل من النسويات منذ العشرينات ولا يمكن التفريط فيها، حيث قالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، رجاء الدهماني، إن مرور 69 عام على صدور مجلة الأحوال الشخصية يُترجم عقود المقاومة من أجل حقوق النساء في تونس، وأن النسويات كتبن تاريخاً من النضال من الجيل الأول إلى اليوم وفرضن قوانين كثيرة كانت تونس سباقة فيها على غرار قانون يسمح بالإجهاض الآمن في التسعينات، قانون 58 لمناهضة العنف ضد النساء، قانون يُجرم العنصرية، وكثير من التشريعات الثورية التي كانت نتاج مقاومة حقيقية.

ولفتت إلى أن عيد المرأة الوطني ليس مناسبة احتفالية بل هو يوم غضب بسبب التهديدات التي تلاحق النساء في الشارع ومواقع التواصل وحتى المشاريع التي تُساق إلى مجلس النواب والتي تعتبر تمييزية ولا تراعي النضالات من ضمنها قانون يتعلق بالأسرة التونسية وآخر حول طلاق النساء بعدول الإشهاد وإخراج القضية من أروقة المحاكم في ضرب خطير للحق في تتبع مسار قضائي يضمن حق المرأة.

وأوضحت أن الشارع هو الفيصل للتعبير عن الغضب من هذه القضايا التي تسجن من أجلها الناشطات، مطالبةَ بإطلاق سراح سجينات الرأي، مؤكدةً أن مجلة الأحوال الشخصية مكسب نضالي لكن حان وقت تطويرها بعيداً عن التمييز وتماشياً مع الواقع الحالي حيث تحتاج مراجعة مسألة المهر وإن كان رمزياً وإدارة العائلة والمساواة في الإرث.

وشددت على أن المقاومة متواصلة لإرساء العدالة الاقتصادية والاجتماعية للنساء "نرفع الصوت عالياً ضد المس بالمكتسبات، وضد تكريس الفقر والتهميش عبر مبادرات غير مسؤولة، اليوم صوتنا غاضب نتيجة تأثر النساء بهذه الإمكانيات الضئيلة التي لا تزيد إلا من تأنيث الفقر والمس من كرامتهن".

ولفتت إلى خطورة المس بمبدأ التناصف الأفقي والعمودي وتأثير ذلك على تواجد النساء في الفضاء العام ومواقع القرار، مطالبةً بالحوار لحل هذه القضايا "لا مجال أن نبقى في عزلة وتبقى مطالباتنا معلقة، افتحوا أبواب البرلمان من أجل تقديم مشاريع تنويرية تقدمية تحقق المساواة للنساء، افتحوا منابر الحوار للجمعيات للتحاور والنقاش، لا يمكن أن نستمر وكل هذه التهديدات والتراجعات موجودة".

 

 

واعتبرت الناشطة النسوية والباحثة في علم الاجتماع، نجاة عرعاري، أن المكتسبات التي حققتها النساء باتت مهددة بدايةً من تنامي خطاب الكراهية والخطاب المعادي لحقوق النساء والمساواة الذي يعيد المرأة إلى مربع الأدوار التقليدية واقصائها من الحياة العامة.

ونوهت إلى أنه على مستوى السياسات العمومية لم تعد النساء ذات أولوية واهتمام رغم ما تعانينه من فقر وتهميش وأوضاع اقتصادية صعبة وعنف بلغ نسبة80%، لافتةً الى أن الميزانيات المرصودة تفسر عدم إيلاء ملف قضايا النساء أهمية من كل النواحي وبالتالي تعتبر من التهديدات.

وأشارت نجاة عرعاري إلى المبادرات وحركة المد والجزر التي تؤدي إلى العودة للوراء بهن والنظرة الدونية وشرعنة التمييز ضد النساء، مؤكدةً أنه رغم ذلك إلا أن منظمات المجتمع المدني لا زالت تناضل دفاعاً عن المكتسبات وحقوق النساء وقضية المساواة والعدالة الاجتماعية باعتبارها مسألة مرتبطة بتصور اجتماعي كامل لذلك ترفع النسويات شعار "نحبوها مساواة تامة وفعلية مون شعارات ووعود وهمية"، خاصة وأن الدستور يثمن المساواة وصادقت تونس على الاتفاقيات الدولية المكرسة للمساواة منها "سيداو" لكن القوانين الوطنية لاتزال غير متلائمة وإن وجدت فهي غير مُفعلة ولا يوجد تدابير لتفعليها لذلك لازال التمسك بالمساواة التامة والفعلية مستمراً.

 

 

بدورها، قالت الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نايلة الزغلامي، إن الثالث عشر من آب/أغسطس من كل عام هو يوم نضال وتذكير بالوضع الصعب الذي تعيشه النساء في تونس وبوجود سجينات رأي وراء القضبان وتذكير بمعاناة الكادحات والفلاحات، وبإقصاء النساء من الحياة السياسية وترهيبهن لرفض الانضمام للحياة العامة.

 وشددت على أنها مناسبة للتذكير بأنه لا تراجع عن المكتسبات التي حققتها الحركة النسوية بتضحيات كبيرة منذ عقود، لافتةً إلى مطالب إعادة إشراك المرأة في الحياة العامة وإعادة المناصفة للحياة السياسية، فضلاً عن إطلاق صيحة فزع تضامناً مع السجينات والتنبيه بخطورة الخروقات والتجاوزات الحاصلة والتي تصب جلها في المس واستهداف حقوق ومكتسبات النساء.

وعبرت عن تضامنها التام مع التونسيات المهجرات قسراً مثل أيقونة العمل النسوي والحقوقي بشرى بلحاج حميدة التي حرمت من وطنها بتهم كيدية، وفق قولها.

 

 

من جانبها، أوردت الناشطة النسوية والحقوقية بجمعية تقاطع، جنين التليلي، أنه تم تسجيل تراجعاً في مكتسبات النساء ونوع من الإقصاء الممهنج ضدهن علاوة عن اعتقال الناشطات بسبب مواقفهن السياسية وتم ملاحظة رقابة على نشاط المرأة في المجال العام، فضلاً عن تراجع عدد النساء الممثلات في البرلمان من21% إلى 15،6% لهذه الدورة، ما يفسر إبعادهن عن المشهد السياسي وقد دق المجتمع المدني ناقوس الخطر وحذرت الجمعيات النسوية والحقوقية من استمرار ذلك التقهقر ومس مكتسبات التونسيات.

وأكدت أن النضال من أجل مجتمع ديمقراطي لازال مستمراً، لافتةً إلى مخاوف الشابات اللواتي يرغبن في الالتحاق بالمجال العام لكنهن تخشين الواقع خاصة حين تشاهدهن ضريبة الصوت الحر والدفاع عن الحريات.