استياء واسع... ناشطات ترفضن تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية

عبرت الناشطات العراقيات عن استيائهن من تمرير تعديد قانون الأحوال الشخصية، وترين أن هذه التعديلات تمثل انتكاسة تعيد المجتمع إلى عصور التمييز والإجحاف، وتُشرّع القمع ضد الفئات الضعيفة.

رجاء حميد رشيد

العراق ـ في خطوة أثارت موجة من الاستياء بين النساء والناشطات الحقوقيات، قام مجلس النواب العراقي بإقرار ثلاثة قوانين مثيرة للجدل خلال جلسته المنعقدة في 21 كانون الثاني/يناير الجاري، وكان أبرزها تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، ما تسبب في ردود فعل قوية من قبل المدافعات عن حقوق المرأة.

اعتبرت العديد من الناشطات أن هذا التعديل يمثل تراجعاً خطيراً في حقوق النساء والأطفال، ويُهدد المساواة القانونية، التعديلات التي تم إقرارها تضمنت جوانب مثيرة للجدل، مثل إضفاء الشرعية على زواج القاصرات وتوسيع صلاحيات تعدد الزوجات، مما أثار قلقاً واسعاً بشأن تأثيرها السلبي على الأسرة العراقية عامة وحياة النساء خاصة.

أعربت المحامية هند كريم عن استياءها من تعديل قانون الأحوال الشخصية من قبل مجلس النواب، وقالت "فوجئنا كناشطات وحقوقيات بإقرار مجلس النواب للقوانين الثلاثة في سلة واحدة مشبوهة وبشكل غير دستوري إذ لم يعتمد مجلس النواب آلية التصويت المعتمدة حسب النظام الداخلي بحسب حديث النواب من داخل المجلس الرافضين لإقرار التعديل، إذ تمت قراءة الأسباب الموجبة بدون قراءة مواد وفقرات القانون وإضافة فقرات لم تكن ضمن المسودة المرفوضة أساساً من قبل غالبية الأسر العراقية وأثناء خروج النواب البالغ عددهم 180 تم تمرير القوانين بقرار من رئيس البرلمان ولم يتم التصويت لا برفع الأيادي ولا بأي صيغة قانونية، هذا الخرق الدستوري يستدعي اللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا للفصل في مدى قانونية هذه القوانين بناءً على الأدلة والشهادات المتوفرة".

وأشارت إلى أن إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية أثار قلق العديد من النساء العراقيات اللواتي تعانين من التقاليد العشائرية، وتخشين أن تتحول حياتهن إلى رحمة المدونات الشرعية التي قد تُقيد حقوقهن "كنساء وناشطات حقوقيات، نرفض هذه التعديلات بشدة، وندعو المحكمة الاتحادية العليا إلى الفصل في هذا الملف بعيداً عن أي تأثيرات سياسية أو ضغوط داخلية، وإلغاء الجلسة التي تم فيها التصويت".

فيما أكدت الإعلامية بنين الياس أن البرلمان العراقي "خيب آمال" النساء بمصادقته على تعديل قانون الأحوال الشخصية، مما سيؤدي إلى العديد من الحوادث نتيجة حرمان الأمهات من حضانة أطفالهن وفقاً للتعديل، مضيفةً أن هذه التعديلات ستزيد من حالات الانتحار، والرفض المجتمعي، والعزوف عن الزواج، وقد تدفع البعض للتخلي عن مبادئهم ومذاهبهم، كما شددت على أن المرأة العراقية قوية ومصرة على المجابهة، ولن تسمح بحرمان أطفالها من حقوقهم.

وترى الناشطة إسراء الراوي ضرورة تعديل بعض بنود القانون التي تضر بالمرأة العراقية وتعرقل تحقيق العدالة "القانون الحالي لا يتماشى مع تطورات المجتمع، ويقيد حقوق المرأة في الحضانة والوصاية، مما يؤثر على استقرار الأسرة"، مشيرة إلى التعديلات المطلوبة تكمن في تعزيز حقوق المرأة في الحضانة والوصاية بما يتماشى مع مصلحة الطفل، وتوفير حماية قانونية واقتصادية للمرأة المطلقة أو الأرملة، وضمان نصوص قانونية منصفة للمرأة في النزاعات الأسرية.

وأكدت الناشطة نضال توما أن التصويت على تعديلات قانون الأحوال الشخصية كان صدمة للمجتمع، وخاصة للنساء المطلقات، لافتةً إلى أن المطالبين بالتعديلات لم يأخذوا في اعتبارهم وضع الأمهات، وكيف سيتم ترك الأطفال مع الأب، رغم أن الأب قد لا يكون قادراً على تربية الأطفال وتحمل مسؤولياتهم مثل الأم. ونتيجة لذلك، ستكون المرأة مجبرة على تحمل جميع أشكال العنف من أجل الحفاظ على أطفالها.

وأشارت الناشطة أحلام الباجه جي إلى أن التعديلات على قانون الأحوال الشخصية لاقت معارضة كبيرة ووقفات احتجاجية في الأشهر الماضية، ومع ذلك تم إقرارها وأصبحت واقعاً، وتمنت أن يكون التعديل منصفاً وأن تخدم بنوده الصالح العام، مؤكدة على ضرورة أن يكون هناك وضوح في الفترة القادمة حول النقاط المثيرة للجدل، مثل حق المرأة في الحضانة، وعدم السماح بزواج القاصرات، وأن يتم تجنب أي إجحاف بحق المرأة والمطلقة، ودعت إلى ضرورة ألا يُخذل النساء في صياغة القوانين.

فيما اعتبرت الناشطة دينا الطائي أن تمرير تعديلات قانون الأحوال الشخصية في البرلمان العراقي هو تجاوز لحقوق المرأة والطفل و"ضربة للدستور ومبادئ العدالة"، ورأت أن هذه التعديلات تمثل انتكاسة تعيد المجتمع إلى عصور التمييز والإجحاف، وتُشرّع القمع ضد الفئات الضعيفة.

وأكدت أن البرلمان أصبح منصة لتكريس هيمنة التحالف الحاكم بأجندات طائفية ضيقة، وأن التصويت على التعديلات دون تحقيق النصاب القانوني أو احترام النظام الداخلي يعكس غياب المسؤولية الوطنية، داعية السلطة القضائية إلى التصدي لهذه التعديلات، محذرة من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى تراجع العدالة الاجتماعية وزيادة الظلم.

وترى الناشطة رشا الجبوري أن قانون تعديل الأحوال الشخصية العراقي يهدف إلى تنظيم قضايا الزواج، الطلاق، النفقة، حضانة الأطفال، والميراث مع التركيز على حقوق المرأة والطفل وأن التعديلات تشمل تحسين وضع المرأة في الطلاق والنفقة والحضانة، وتنظيم التعدد لضمان حقوق الزوجة الأولى وأطفالها، بالإضافة إلى تعزيز العدالة في قضايا الحضانة والميراث، مؤكدة على أن التعديلات يجب أن تحقق المساواة وتحمي حقوق الأفراد دون التأثير على القيم الاجتماعية والدينية لضمان التوازن بين الحقوق القانونية والدينية.

من جانبها لفتت الدكتورة نضال جهاد إلى أن تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق كان يجب أن يكون حذراً ومتوازناً، بحيث يراعي متطلبات العصر وحقوق الإنسان ويضمن وحدة المجتمع العراقي، وأن تكون الأولوية لتعزيز العدالة الاجتماعية وحماية الفئات المستضعفة، لا لتمرير تعديلات قد تزيد من الانقسامات المجتمعية وتضر بحقوق المواطنين.

وأضافت "القانون النافذ كان يمثل حقبة زمنية معينة لكنه مع ذلك كان منصفاً ومراعياً لحقوق النساء، فاذا أردنا الاقتداء بالدول المتقدمة علينا تغيير قانون الأحوال الشخصية بشكل عام وتكون فقراته تنصف النساء وتعزز من ثقتهم بنفسهم وبالمجتمع لإعطائهم حقوقهم لا لتحجيم أدوارهم وإعطائهم شعور بأنهم عبئ مجتمعي أو عار يجب التخلص منه".

الناشطة انتصار جبار تؤكد أن تعديل قانون الأحوال الشخصية "باطل"، معتبرة أن قانون الأحوال الشخصية الحالي، الذي عمره 65 سنة، يعد الأفضل في المنطقة وملائم لجميع مكونات المجتمع العراقي، ولم يشكُ منه أحد، موضحة أن التعديل المقترح سيضر بالنساء والأطفال، خاصة في قضايا زواج القاصرات وتعدد الزوجات، مما يعزز جرائم اغتصاب الأطفال ونشر الزواج غير الرسمي، مشيرة إلى أن هذا التعديل يهدد حقوق النساء في الإرث ويجعل الأطفال ضحايا في حالة الطلاق.

وشددت أن العراق صادق على اتفاقية حقوق الطفل منذ 1994، ما يفرض عليه توفير الحماية للأطفال وضمان حقوقهم، داعية إلى السعي إلى إقرار قانون يحترم المساواة بين المرأة والرجل ويضمن حقوق الأطفال، ويمنع زواج القاصرات وتعدد الزوجات والزواج خارج المحاكم الرسمية.

وأصدرت رابطة المرأة العراقية بياناً في 22 كانون الثاني/يناير الجاري تحت عنوان "برلمان الشعب يشرع قوانين تنتهك حقوق المواطنين"، أعلنت فيه بأن رابطة المرأة العراقية ومعها مختلف النساء والناشطات، عدم الموافقة ورفض التعديل الذي اتفقت عليه قوى المحاصصة الطائفية "لن نقبل بوأد المستحقات والانتصارات التي تحققت خلال المسيرة الباسلة لنساء العراق، ونعلن عن انضمامنا إلى كافة الجهود الرامية إلى اسقاط هذا التعديل المجحف"، بحسب البيان.