أشكال العنف والتمييز ممارسات مشتركة بحق المرأة اللبنانية والفلسطينية

برعاية وزيرة العمل اللبنانية لميا يمين الدويهي وتحت عنوان "ضمان عدالة النوع الاجتماعي في لبنان أقوياء معاً"، أقام الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان وجمعية مساواة- وردة بطرس للعمل النسائي، ورشة عمل في فندق الكومودور في بيروت

كارولين بزي
بيروت ـ ، وتأتي ورشة العمل ضمن مشروع ينفذ بالتعاون مع جمعية "السلم والتضامن" في كتالونيا FPS، وبدعم من بلديتَي تاراغونا وسان فيليو ليوبريغات في برشلونة من أجل إبرام الاتفاقية الدولية رقم 190 للقضاء على العنف والتحرش في العمل.
 
"وزارة العمل تعمل على تحديث القوانين التي تتلاءم مع العدالة الجندرية"
أكدت وزيرة العمل اللبنانية في كلمتها التي ألقتها ممثلتها في الورشة رنا جريجيري، أن وزارة العمل ممثلة في كل اللجان التي تعمل على تحديث القوانين لتتلاءم مع العدالة الجندرية وذلك بالتعاون الوثيق مع منظمة العمل الدولية والهيئة الوطنية لشؤون المرأة بهدف بناء القدرات وصقل المهارات لينعكس مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة في كل السياسات المعتمدة.
وانطلقت الجلسات بمداخلة من القاضي جون قزي الذي تحدث عن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وقانون الجنسية اللبناني.
 
"هذه الأسباب التي تحول دون إعطاء المرأة اللبنانية الحق بمنح أولادها الجنسية"
على الرغم من مصادقة لبنان على اتفاقية "سيداو" إلا أنه تحفظ على المادتين 9 و16، ورداً على سؤالنا حول ذلك قال القاضي جون قزي لوكالتنا "المشكلة أن قانون الجنسية اللبنانية صدر في 19 كانون الثاني/يناير 1925، أي خلال أيام الانتداب الفرنسي على لبنان، لا زال سارياً حتى الآن، تم إدخال بعض التعديلات عليه في الستينات ولكنه لا يزال نفسه لغاية اليوم، هذا القانون حالياً يخضع لإعادة دراسة من عدة مراجع حقوقية قانونية"، مضيفاً "أنا على ثقة بالنهاية أنه سيكون هناك تعديل يلاءم ويواءم التطور والواقع الإنساني وفي الوقت نفسه يلتزم بضوابط معينة كي يضمن ألا يأخذ جنسية من لا يستحقها أي وضع ضوابط معينة تضبط حسن تنفيذ القانون". 
وعن سبب عدم إعطاء المرأة اللبنانية حق منح جنسيتها لأولادها، وصل القاضي قزي إلى نتيجة قام بإدراجها والتحدث عنها في كتابه "رحلة العمر إلى الجنسية" وذلك على مدى سبع أو ثماني سنوات من العمل كرئيس محكمة الأحوال الشخصية، ويوضح "لقد أجريت استجوابات كثيرة وتعرفت إلى الكثير من الحالات لأعرف ما هي الإشكاليات التي تحصل، راكمت الأسباب التي تحول دون تسهيل منح المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي الحق في إعطاء الجنسية لأولادها، وضبطت هذه الأسباب وناقشتها في الكتاب وأبرزها "الخوف من التوطين، سيطرة النظام البطريركي الأبوي، عدم تشجيع النساء اللبنانيات على الزواج من أجنبي، الخوف من المنافسة في مجال العمل ما يؤدي إلى البطالة، والخوف على التوازن الطائفي".   
وكان القاضي جون قزي قد أثار جدلاً واسعاً في لبنان في العام 2009، بعدما أصدر حكماً يقضي بمنح السيدة سميرة سويدان المتزوجة من أجنبي الجنسية اللبنانية لأولادها القاصرين وذلك بعد وفاة زوجها، ويقول قزي "هي قضية ككل القضايا التي تطلب فيها السيدات الجنسية لأولادهن، المحكمة أعطتها الجنسية وهذا الحكم بات علنياً وجرت نقاشات عدة منها من أيّد الحكم ومنها من عارضه، ولكن الحكم تم فسخه في محكمة الاستئناف واليوم ما زال عالقاً في محكمة التمييز". 
 
"لنضال موحد من أجل بيئة خالية من العنف"
في الجلسة الثانية التي تناولت التمييز في القوانين اللبنانية ولاسيما قانون العمل، كان هناك مداخلتان، مداخلة للدكتورة ماري الدبس رئيسة جمعية وردة بطرس، التي أشارت إلى أننا في لبنان "في أزمة غير مسبوقة، وضعت نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، وأطاحت بعشرات آلاف مؤسسات الإنتاج والخدمات، ورمت ما يقارب ستين بالمئة من الطبقة العاملة والمنتجين في الشارع، كما أطاحت بمؤسسات الرعاية الاجتماعية والصحية، وحوّلت اللبنانيين إلى طوابير من الفقراء.. بينما يتدهور الحد الأدنى للأجور ومعه كل الرواتب والمعاشات التقاعدية التي أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع"، وتابعت "أطلقنا الصرخة، نحن في الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان وجمعية مساواة – وردة بطرس للعمل النسائي، للتنبيه من أشكال العنف المزمنة والمستجدة على شعبنا، وعلى نسائنا بوجه خاص. 
وأضافت أن "كسر الصمت أصبح أكثر من ضروري، وكذلك النضال الموحّد للوصول إلى بيئة لا عنف فيها لا في المنزل ولا في أماكن العمل. وهذا يتطلب إعادة النظر بموقف الحكومة اللبنانية من الاتفاقيات الدولية، بدءاً باتفاقية حقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وصولاً إلى الاتفاقية 190 التي نحن بصدد النضال من أجل إبرامها. كما يتطلب تعديل القوانين التي تعيق مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات".
 
"اللاجئات الفلسطينيات يعانين من تمييز مزدوج"
أما المداخلة الثانية فكانت من قبل عضوة الأمانة العامة لاتحاد المرأة الفلسطينية خالدات حسين التي قسمت مداخلتها إلى شقين، في الأول تحدثت عن الفلسطينيات اللواتي يرزحن تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتطرقت إلى أعداد الشهيدات اللواتي سقطن جرّاء العدوان الإسرائيلي ولاسيما في العدوان الأخير على قطاع غزة الذي أدى إلى استشهاد 39 امرأة وفتاة، بالإضافة إلى حملات الاعتقال والتعذيب التي تتعرض لها آلاف النساء.
أما في الشق الثاني، فتحدثت عن أوضاع اللاجئات الفلسطينيات في لبنان، وقالت خالدات حسين لوكالتنا "تعاني اللاجئات الفلسطينيات في لبنان تمييزاً مزدوجاً، أولاً بما أنهن لاجئات فهن يعانين كسائر اللاجئين من السياسات التمييزية التي مارستها الدولة اللبنانية تاريخياً ولا تزال تمارسها بحقنا كلاجئين فلسطينيين، والتمييز الآخر كونهن نساء يعانين من التمييز المبني على النوع الاجتماعي على غرار ما تتعرض له المرأة اللبنانية". 
وأوضحت "فيما يتعلق بالتمييز اتجاه اللاجئين، أولاً لبنان لم يصادق على اتفاقية جنيف التي تتعلق باللاجئين وتعود إلى العام 1951، كما تحفظ على بعص بنود البروتوكول الصادر في العام 1965 الذي يسعى لتنظيم أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وتم إقراره في القمة العربية في الدار البيضاء، وبناءً عليه لا يوجد قانون ينظم أحوال الفلسطينيين في لبنان سوى القوانين التمييزية التي تحرم اللاجئين من الحقوق المدنية والاجتماعية وخاصة الحرمان من حق العمل، الحرمان من امتلاك مسكن وبالتأكيد هناك أوجه تمييز أخرى عديدة، مثلاً: قامت وزارة الصحة اللبنانية في مرحلة معينة بإجراء فحوصات مبكرة لسرطان الثدي ولكن تم استثناء اللاجئات منه، ومؤخراً يتم الحديث عن البطاقة التمويلية بعد رفع الدعم عن المواد الغذائية ولكنها أيضاً تستثني اللاجئين"، وأضافت "هناك العديد من أوجه التمييز ولكن التمييز الأهم هو الحرمان من حق العمل، نحن محرومون حتى الآن من مزاولة 36 مهنة منها الطب، الهندسة، الحارس والسائق وغيرها من المهن".
تتأثر الفلسطينيات من القيود المفروضة على اللاجئين الفلسطينيين، إذ أن نحو21.5% من الأسر الفلسطينية في لبنان تعيلها نساء، ولكن لا تتجاوز نسبة النساء المنخرطات بالنشاط الاقتصادي ما بين 13 و16%، كما تؤثر التقاليد الاجتماعية على عملهن بالإضافة إلى أنهن يتمتعن بمؤهلات مهنية أقل تمنع عملهن وبالتالي هن الأكثر تأثراً بالسياسة التمييزية على صعيد العمل".
وتتابع "معظم العاملات الفلسطينيات يزاولن مهنهن بدون تصاريح عمل، و83% منهن من دون عقد عمل، وبالتالي ينعكس ذلك على الانعدام الأمان الوظيفي واستغلال أرباب العمل لذلك عبر تخفيض أجورهن وتعريضهن للصرف الكيفي غالباً من دون الحصول على أجورهن أو استغلالهن بساعات عمل إضافية غير مدفوعة".
وأشارت إلى أنهن يتعرضن أيضاً لكل أشكال العنف الأخرى مثل التحرش الجنسي، العنف المبني على النوع الاجتماعي ضد النساء وهو أهم شكل من أشكال التمييز. 
وأضافت "نحن ينطبق علينا كل القوانين التي تنظم أحوال النساء اللبنانيات بما فيها قانون الأحوال الشخصية وقانون العنف الأسري وقانون الاتجار بالبشر، وبالتالي أينما يكون هناك تمييز يُمارس بحق النساء اللبنانيات نحن نعاني منه كنساء فلسطينيات أيضاً، ولذلك نشارك مع النساء اللبنانيات في كل التحركات التي تناهض التمييز ضد المرأة". 
ولفتت إلى أن القوانين التي تحمي النساء وتطبق ولو بجزء منها على النساء اللبنانيات هي غير فاعلة ولا تطبق داخل المخيمات لأن هناك شكل من أشكال الحوكمة المحلية التي لا تأخذ بالاعتبار حاجة النساء للحماية.
أما الجلسة الأخيرة فتمحورت حول اتفاقية منظمة العمل الدولية 190، ودور النقابات والمجتمع المدني والأهلي في الضغط للتصديق على اتفاقية 190 وتطبيقها.