أعمال كونفرانس التحالف النسائي مستمرة... نضال متجدد ورؤية تتعمّق
تتواصل أعمال كونفرانس "التحالف النسائي أساس لبناء العدالة والديمقراطية في سوريا لا مركزية موحدة" في مدينة الحسكة، وسط زخم فكري ونضالي يعكس عمق التجربة النسوية السورية وتنوعها.

الحسكة ـ أكدت المشاركات في الكونفرانس على أن نضال النساء السوريات مستمر لانتزاع حقوقهن، ويصغن مستقبلاً ديمقراطياً لا مركزياً تكون فيه المرأة شريكة في القرار والبناء.
تتواصل أعمال كونفرانس "التحالف النسائي أساس لبناء العدالة والديمقراطية في سوريا لا مركزية موحدة" الذي انطلق اليوم السبت 20 أيلول/سبتمبر في مدينة الحسكة بإقليم شمال وشرق سوريا، الذي ينظم من قبل مؤتمر ستار وتجمع نساء زنوبيا، وسط حضور نسائي واسع ومداخلات غنية تعكس تنوع الرؤى والخبرات.
"النساء يصغن مستقبل سوريا من وجعهن وصمودهن نحو عدالة جندرية"
في كلمتها خلال الكونفراس أكدت ريحان لوقو أن هذا اللقاء التاريخي يأتي في لحظة مفصلية، حيث تتعرض النساء في سوريا لانتهاكات ممنهجة، وعمليات قتل وتهميش متصاعدة، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة القوى الجهادية والسلطوية "نجتمع اليوم تحت سقف واحد، لا لنرث الخراب، بل لنؤسس لسوريا جديدة، سوريا تُبنى بأيدي النساء، وتُصاغ ملامحها من وجعهن وصمودهن".
وأكدت أن سقوط نظام البعث لم يكن نهاية الاستبداد، بل بداية شكل جديد منه، أعاد إنتاج الذهنية الذكورية بأقنعة سلطوية جديدة، وأن ما يحدث في الساحل والسويداء، وما يمارسه جهاديي هيئة تحرير الشام، ليس سوى دليل على أن القمع لم ينتهِ. مؤكدةً أن النساء لن يقبلن بنظام يقمعهن باسم الدين، ولا بآخر يقتلهن باسم السلطة.
واستعرضت تاريخ نضال المرأة السورية، مشيرة إلى دورها المحوري في مقاومة الاستعمار والمشاركة في النضالات الاجتماعية والسياسية قبل استيلاء حزب البعث على الحكم. ومع صعود البعث، بدأت عقود من التهميش الممنهج، واحتكار القرار السياسي، وقمع الحريات، بما فيها حرية النساء. واليوم، رغم انهيار النظام المركزي، لا تزال النساء يواجهن أشكالًا جديدة من القمع، أكثر عنفًا وعلنية.
وعن تجربة مؤتمر ستار، الذي تأسس قبل عشرين عاماً كمبادرة لتحرير المرأة، انطلاقاً من أن تحررها هو مفتاح تحرر المجتمع قالت "هذه المبادرة تحولت إلى ثورة نسوية حقيقية، مستلهمة من فلسفة "المرأة، الحياة، الحرية"، حيث شاركت آلاف النساء في السياسة، الإدارة، الدفاع، والاقتصاد، وحققن مكتسبات تاريخية في الشرق الأوسط، واليوم، تطالب هذه الثورة بالاعتراف بالمرأة كقوة قيادية في بناء المجتمع".
ولفتت إلى أنه "في قلب هذه الثورة، برزت وحدات حماية المرأة في شمال وشرق سوريا، التي تحولت إلى جيش نسوي مقاوم، تصدى للاحتلال التركي، لتنظيم داعش، وللذهنيات القومية المتعصبة، أثبتت هذه الوحدات أن المرأة ليست فقط ضحية، بل هي خط الدفاع الأول عن الحرية والمكتسبات".
وأكدت ريحان لوقو على أن سوريا المستقبل يجب أن يكون له نظام ديمقراطي، لا مركزي، تعددي، يبنى على أساس الإرادة الحرة لكل الشعوب والمكونات، بما فيها النساء، مشددةً على أن أي عملية سياسية لا تضم النساء بنسبة لا تقل عن 50% هي عملية فاقدة للشرعية، لا دستور يُكتب دون النساء، ولا سلام يُبنى دون أصواتهن، ولا مستقبل لسوريا دون عدالة جندرية.
وفي سياق العدالة الانتقالية، شددت على ضرورة أن تكون النساء في مقدمة لجان الحقيقة والمحاسبة، وأن توثق كل الانتهاكات بحقهن، ويحاسب الجناة، من أمثال أبو عمشة، حاتم أبو شقرا، وغيرهم "العدالة ليست انتقاماً، بل حماية لمستقبلنا وضمان لعدم تكرار المآسي، نحن نؤمن بهوية وطنية متعددة الثقافات والمكونات، تستند إلى فلسفة القائد عبد الله أوجلان التي تقول (حرية المرأة هي مقياس حرية المجتمع)، ونرفض القومية الواحدة، والطائفية، والذكورية التي تمزق نسيج مجتمعنا".
وفي ختام كلمتها، أعلنت عن الأهداف الوطنية التي تُجسد الرؤية النسوية لسوريا الجديدة، والتي تشمل بناء سوريا ديمقراطية، تعددية، لا مركزية، تحمي حقوق النساء والمكونات كافة، ضمان تمثيل النساء بنسبة لا تقل عن 50% في جميع مؤسسات الدولة والمجالس المحلية، بالإضافة إلى صياغة دستور جديد يشمل النساء كفاعل أساسي، ويكفل حقوقهن كاملة، ويضمن فصل الدين عن الدولة وسيادة القانون.
وكذلك عقد مؤتمر وطني شامل لنساء سوريا لتوحيد الرؤية النسوية واستكمال بناء التحالف النسائي الوطني، وإشراك النساء في العدالة الانتقالية، من خلال لجان التحقيق، توثيق الانتهاكات، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، إلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة، وتبني تشريعات تحميها من العنف وتكفل حقوقها في كافة المجالات، حماية مكتسبات الثورة في إقليم شمال وشرق سوريا، ودعم تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية كنموذج للتحرر النسائي.
بهذه الرؤية، اختتمت ريحان لوقو كلمتها، مؤكدة أن هذه الأهداف ليست شعارات، بل نبض إرادة نسائية مشتركة، وخريطة طريق نحو سوريا حرة، عادلة، وديمقراطية، تكون فيها المرأة شريكاً رئيسياً في البناء والسلام.
النساء السوريات من الألم إلى القيادة نحو سوريا ديمقراطية
وباسم تجمع نساء زنوبيا قالت خود العلي في كلمة لها أن هذا اللقاء ليس مجرد فعالية تنظيمية، بل لحظة مفصلية في تاريخ النساء السوريات، حيث تتلاقى الرؤى والتطلعات لبناء سوريا جديدة، تُصاغ بإرادة النساء، وتُبنى على أنقاض الألم والصمود.
وشددت على أن نساء الرقة والطبقة ودير الزور يحملن مسؤولية تاريخية في رسم ملامح المستقبل، متطرقة إلى المعاناة التي عاشتها النساء تحت سيطرة داعش، من قتل وخطف واغتصاب ورجم وبيع في أسواق النخاسة، مؤكدة أن هذه الجرائم لم تكن محصورة في منطقة واحدة، بل امتدت لتطال نساء الساحل والسويداء، وإن اختلفت في الشكل، فإن جوهر الانتهاك واحد: إذلال المرأة ومحاولة محو وجودها.
وأكدت أنه رغم هذا الظلام، لم تستسلم المرأة السورية، بل نهضت لتدافع عن نفسها ومجتمعها، وانخرطت في صفوف وحدات حماية المرأة، وقاتلت بشجاعة ضد التنظيمات المتطرفة، لتثبت أن المرأة ليست ضحية، بل مقاومة، وفي هذا السياق، وجهت خود العلي تحية إجلال إلى وحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية، مؤكدة دعم تجمع نساء زنوبيا الكامل لهما في مسعاهما نحو سوريا موحدة، ديمقراطية، لا مركزية، تتجاوز الفتن والانقسامات، وتحتضن جميع مكوناتها عرباً كرداً، أرمن، سريان، علويين، ودروز.
وأضافت أن سوريا تمر اليوم بمرحلة مفصلية تتطلب من الجميع، نساءً ورجالاً، أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن يكتبوا تاريخهم بأيديهم، تاريخاً يليق بتضحيات الشهداء، مشيرةً إلى أن تجربة الإدارة الذاتية أثبتت أن تمكين المرأة ليس شعاراً، بل ضرورة لبناء مجتمع ديمقراطي مزدهر، مطالبة بأن يُمنح هذا الحق لجميع النساء السوريات دون استثناء أو تمييز.
كما طرحت خود العلي الرؤية المستقبلية لسوريا والتي تقوم على العدالة والمساواة، وتكفل للمرأة حقوقها كاملة، الحماية من العنف، المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، والتعليم، والعمل، والقيادة واتخاذ القرار، مشددة على أن بناء سوريا الديمقراطية الحرة ليس مهمة سهلة، لكنه ممكن بإرادة النساء ووحدتهن وتعاونهن، داعية إلى العمل المشترك من أجل بناء مجتمع مدني قوي يحمي حقوق المرأة، تعديل القوانين والتشريعات لتكون منصفة، نشر الوعي بأهمية دور المرأة، ودعم المنظمات النسائية التي تعمل على تمكينها.
وفي ختام كلمتها، وجهت خود العلي نداءً إلى جميع النساء السوريات، من مختلف الخلفيات والتوجهات، للتوحد والعمل معًا من أجل مستقبل أفضل لهن ولأجيالهن القادمة "نحن لسنا ضحايا بل قادة وصانعات تغيير، بإرادتنا، سنبني سوريا الديمقراطية الحرة التي نحلم بها".
المرأة السريانية في قلب النضال
من جانبها ألقت حورو سيلفا الآسيا كلمة باسم اتحاد نساء السريان أكدت خلالها على أن نضال المرأة السريانية لم يكن يوماً هامشياً، بل جزءاً أصيلاً من مسيرة التحرر الوطني والاجتماعي في سوريا، وشأنها شأن نساء سوريا كافة، واجهت محاولات ممنهجة للإقصاء والتهميش، خاصة مع صعود الأنظمة السلطوية التي احتكرت القرار السياسي، وفرضت قيوداً على الحريات، بما فيها حرية النساء "مع انهيار النظام المركزي، لم تنتهِ هذه المعاناة، بل أعادت الذهنية الذكورية إنتاج نفسها بأشكال جديدة، وظهرت انتهاكات صارخة بحق النساء، كما حدث في السويداء والساحل، حيث تحولت أجساد النساء إلى ساحات صراع سياسي وأيديولوجي".
وشددت على إن إرادة النساء السوريات كانت أقوى من القمع، فقد نهضن لبناء مستقبل ديمقراطي لا مركزي، يضمن العدالة الاجتماعية ويعترف بتعددية المكونات الثقافية والسياسية، مؤكدةً أن هذا المشروع لا يمكن أن يتحقق دون مشاركة النساء الفاعلة، ودون الاعتراف بدورهن القيادي في صياغة سوريا الجديدة.
وعن مفهوم العدالة الاجتماعية، قالت أنه يقوم على المساواة والإنصاف في توزيع الحقوق والفرص والموارد بين جميع أفراد المجتمع، دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، مشيرةً إلى أن هذا المفهوم بدأ يتبلور في القرن التاسع عشر، حين استخدمه الكاهن الإيطالي لويجي تاباريلي عام 1840 للدفاع عن حقوق الفقراء، ثم انتشر مع تطور الصناعة وظهور النظريات الفلسفية والقانونية التي ناقشت عدم المساواة الاقتصادية والسياسية، وصولاً إلى تبني منظمة العمل الدولية له عام 1919.
لكن جذور العدالة الاجتماعية، كما أوضحت، تعود إلى العصور القديمة، حيث ظهرت أولى مفاهيمها في حضارات ما بين النهرين، مع إصلاحات الملك الأكادي أورُكاجينا في الألفية الثالثة قبل الميلاد، والتي هدفت إلى مكافحة الفساد وحماية الضعفاء. ثم جاءت قوانين أور-نامو سنة 2010 ق. م، وشريعة حمورابي سنة 1760 ق.م، لتؤسس أولى القواعد القانونية المنظمة للمجتمع، رغم أنها عكست أيضًا التفاوت الطبقي في الحقوق والواجبات.
وسلطت حورو سيلفا الآسيا الضوء على بعض القوانين القديمة التي تناولت وضع المرأة، مثل معاقبة من يعتدي على امرأة قزمة بقطع أصابعه، أو تغريم من يتسبب في إجهاض امرأة حامل، ومنح الأم حقاً في ميراث الزوج يعادل حصة ولد، وحقها في التصرف بها حتى بعد الزواج مجددًا، إضافة إلى ضمان حقوقها في حال الطلاق ورعاية الأبناء.
وفي ختام كلمتها، أكدت على أن الجميع مسؤولون عن تحقيق العدالة الاجتماعية، التي تُعد حجر الأساس لبناء مجتمعات مستقرة وعادلة، تكفل حياة كريمة للمواطنين، وتدفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال التوزيع العادل للموارد، واحترام كرامة وحقوق كل فرد، داعيةً إلى اعتماد سياسات وتشريعات عادلة، وتعزيز التعليم كمدخل لتكافؤ الفرص، وتشجيع العمل التطوعي، وتطبيق الضرائب التصاعدية كأداة لإعادة توزيع الثروة، وتمكين الفئات المهمشة، ودعم المنظمات غير الربحية كمحرك للتغيير الاجتماعي.
كما تخلل الكونفرانس عرض سنفزيون من قبل مؤتمر ستار حول ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، ولا تزال فعاليات الكونفرانس مستمرة.