"اليوم العالمي لحرية الصحافة" فرصة لدعم العمل الصحفي وتخطي العوائق

حرية واستقلال الصحافة وتمتعها بالتعددية في جميع أنحاء العالم ضروري في أي نظام ديمقراطي، لأن ذلك جزء أساسي من حقوق الإنسان.

مركز الأخبار ـ يصادف الاحتفال باليوم العالمي للصحافة الثالث من أيار/مايو ويحتفي العالم بهذا اليوم بحرية الصحافة كونها السلطة الرابعة أو هذا ما يجب أن تكون عليه، لأنها تحمل مهمة سامية في إظهار الحقائق ونصرة المظلوم وكشف الحقائق.

 

35 عاماً من النضال من أجل الحقيقة

تم تحديد اليوم العالمي لحرية الصحافة من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، لإحياء ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحفيين الأفارقة في الثالث من أيار/مايو عام 1991، وهذا اليوم فرصة لتذكير السلطات في أي بلد كان بضرورة احترام حرية الصحافة، استناداً إلى الإعلان الذي أكد ضرورة ضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة لمن يعملون في المجال الصحفي، من جهة أخرى هو فرصة أيضاً لتذكير الصحفيين أنفسهم بأخلاقيات الصحافة.

وإعلان ويندهوك عبارة عن بيان شمل مبادئ حرية الصحافة التي حددها الصحفيون الأفارقة عام 1991، وجرت مناقشة وتحديد هذه المبادئ خلال فترة استمرت من 29 نيسان/أبريل حتى الإعلان في الثالث من أيار/مايو، ضمن حلقة دراسية نظمتها اليونسكو تحت عنوان "تنمية صحافة إفريقية مستقلة وتعددية"، وسمي بـ "ويندهوك" نسبة لعاصمة جمهورية ناميبيا الإفريقية.

وينادي الإعلان بحرية واستقلال الصحافة وتمتعها بالتعددية في جميع أنحاء العالم باعتبار أن حرية الصحافة لا غنى عنها للديمقراطية وأنها من حقوق الإنسان الأساسية.

 

كشف الانتهاكات

تشمل الفعاليات سواء من قبل الأمم المتحدة أو المنظمات والمؤسسات المعنية بالصحافة والحقوق، كشف الانتهاكات بحق الصحفيين والصحفيات وما أكثرها خلال الأزمات والحروب والانسداد السياسي في العديد من البلدان كتونس وتركيا وسوريا، والسودان وغزة واليمن وغيرها، وكذلك تشمل الفعاليات التأكيد على حرية الرأي والتعبير وحماية من يعملون في هذه المهنة الشاقة والمقدسة.

وهذا الإعلان أصلاً جاء عقب الأزمات المختلفة التي واجهتها إفريقيا في الثمانينيات، وكونه استلهم من حركة التحول للديمقراطية في المنطقة فهو يعبر عن رؤية جديدة للحياة المتمثلة بضرورة عدم إخفاء شيء عن المجتمع أو محاولة إيهامه بما ليس حقيقي.

 

أخلاقيات المهنة

دوماً يتم الحديث عن ضرورة حماية العاملين والعاملات في مجال الصحافة ولكن بالمقابل يجب أن يتمتع هؤلاء أو المؤسسات المسؤولة عن عملهم بالعديد من أخلاقيات المهنة حتى لو اختلفت الفلسفات أو التوجهات، فعليها أن تتحرى الحقيقة والدقة والموضوعية والحياد والتسامح والمسؤولية تجاه المجتمع.

ومن حق المجتمع أن يحصل على الحقيقة ولا شيء غيرها، حتى وإن تعرضت الوسيلة الإعلامية أو الصحفي شخصياً لضغوط داخلية أو خارجية تتعلق بمحتوى الأخبار وتوجيهها، فهذه مسؤولية أخلاقية، والسبب في أهمية ذلك يعود لضرورة "درء الفتنة" فكم من خبر ذا توجه معين تسبب بإشعال حرب قتل وأصيب فيها الآلاف، وشُرد بسببها الملايين، فهنالك أخبار تسببت بتدمير بلدان بأكملها أو أدت لاضطهاد شعوب، وطمس الهويات، ومنها ما ساهم في دعم الإرهاب والعنف ضد المرأة والطفل وحتى الطبيعة.

 

كشف الحقائق

لا يمكن بالطبع معرفة متى نُقل أول خبر في التاريخ فالعمل الصحفي قبل أن تتم مأسسته كان حالة طبيعية في أي مجتمع مبني على إيصال المعلومة وتعريف مجتمع ما بها، قبل أن يصبح مهنة قوية لها حضورها وأهميتها في حياة الجميع، وهي مهنة تُعرف نفسها بنفسها "صحافة يعني نقل الأخبار"، والتعريف الموسع لها هو أنها "المهنة التي تقوم على جمع الأخبار وتحليلها، والتحقق من مصداقيتها ثم تقديمها للمجتمع، ويمكن أن تتعلق بالسياسة أو الاقتصاد والفن والثقافة والرياضة ومختلف المجالات التي تهم الرأي العام".

عربياً أول من استعمل لفظ الصحافة، بمعناها الحالي، هو الشيخ نجيب الحداد، الذي أسس جريدة "لسان العرب" في مدينة الإسكندرية المصرية، التي بدأت نشرها لأول مرة عام 1921، وقبل ذلك سميت الصحافة بـ "وقائع"، أو "غازته"، أو "جورنال" وهي كلمة فرنسية بالمعنى العربي "جريدة"، وهي الكلمة التي استخدمها خليل الخوري، عام 1858، عندما أسس جريدة "حديقة الأخبار" في العاصمة اللبنانية بيروت.

تاريخ الصحافة حافل والأسماء للصحف كثيرة بسبب غنى اللغة العربية بالمفردات وتنوعها ما بين شمال أفريقيا وشبه الجزيرة وبلاد الشام، واسم "المجلة" تم استخدامه لأول مرة في البلدان العربية عندما أصدر الشيخ إبراهيم اليازجي مجلة الطبيب عام 1884، ولفظة المجلة أصلها الفعل "جل"، أي علا وسما مقاماً، أو وضح وظهر، ويعني أيضاً إيضاح الحقائق.

 

من الكنيسة إلى العالم

ظهرت الصحافة في أوروبا أثناء حرب الثلاثين بين أعوام (1618 ـ 1648)، عندما ظهر ما يسمى بـ "الوريقات الإخبارية"، وهي تطور عما قام به البابا في العصور الوسطى والذي كان يسجل أحداث العام على سبورة بيضاء ويعرضها في منزله، ويحضر الناس للإحاطة بما فيها.

وساهم ازدياد النفوذ البابوي، بأن نشأت النشرة العامة، حيث تكتب الأخبار على أوراق ويعتقد أنها أصل الجريدة، وبذلك شكلت الرسائل الإخبارية المنسوخة، أو المخطوطة باليد، المظاهر الأولى للصحافة الأوروبية، خلال القرن الرابع عشر، ويعتبر إخوان فوجرز في ذلك الوقت أشهر الصحفيين بعد أن اتخذوا من مدينة أوغسبورغ الألمانية مقراً لهم، إلى جانب مكاتب إخبارية فرعية، في لندن، وباريس وغيرها، من العواصم الأوروبية، ومدنها الكبرى، وتنوعت أخبارهم بين السياسة والاقتصاد.

 

الصحافة في مناطق النزاع

العمل الصحفي يتنوع بين المرئي والمقروء والمسموع مع تراجع المقروء بطبيعة التطور التكنلوجي الحاصل، وتنقسم الصحافة تبعاً للتمويل بين أطراف الصراع وبذلك تفقد أهم خصائصها وهي المصداقية، لتبدأ إشكالية جديدة نتيجة لتلك الذهنية، وهي تحديات العمل الصحفي في ظل النزاعات المسلحة، وهي حالة تعيشها الصحافة في البلدان المشتعلة بالحروب والصراعات، فيتم استهداف الصحفيين لطمس الحقيقة وهو ما حدث فعلاً في العديد من مناطق الصراع.

في غزة ارتفع عدد الضحايا من الصحفيين إلى أكثر من 207 صحفيين، خلال الصراع الأخير فقط، حتى أن الأمم المتحدة حذرت مما وصفته بـ "ارتفاع هائل" في استهداف الصحفيين في الأرض الفلسطينية، وهذا الاستهداف ليس بالقتل فقط وإنما بالاعتقال والرقابة أيضاً.

والاحتلال التركي لا يتوقف عن استهداف الكرد أينما كانوا سواء في الداخل التركي أو في إقليم شمال وشرق سوريا وإقليم كردستان، وهذا العام أحيا الشعب الكردي في إقليم شمال وشرق سوريا يوم الصحافة الكردية الذي يصادف 22نيسان/أبريل، باستذكار الصحفيين والصحفيات الذين واللواتي تم استهدافهم من قبل الاحتلال التركي ومنهم الصحفي عزيز كويلو أوغلو في غارة جوية في 27 كانون الثاني/يناير في قضاء رانيا التابع لمدينة السليمانية بإقليم كردستان، كما تعرض خمسة من الصحفيين الكرد خلال الأشهر الأخيرة من عام 2024 للاستهداف بالطائرات المسيّرة وهم إضافة لعزيز أوغلو الصحفيتين كلستان تارا وهيرو بهاء الدين في السليمانية في 23 تموز/يوليو 2024، والصحفيين جيهان بلكين وناظم داشتان على الطريق الواصل بين صرين وجسر قرقوزاق بإقليم شمال وشرق سوريا جراء غارة جوية بطائرة مسيّرة في 19 كانون الأول/ديسمبر 2024، ثم تم استهداف عكيد روج على سد تشرين.

ولا يمكن لأحد أن يفتح فمه بالاعتراض فالسلطات التركية لا تتساهل أبداً مع الصحفيين، فمن استنكر شيء من ممارساتها إما تعرض للاعتقال أو الاحتجاز، وكانت أخرهم الصحفية أوزنور دكر التي اعتُقلت في 7 كانون الثاني/يناير بسبب نشرها صور ناظم وجيهان.

في السودان عدا عن القتل على يدي طرفي الصراع يتعرض الصحفيين لحملات تحريضية، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا تهدد سلامة الصحفيين فحسب، بل تكرّس مناخ الإفلات من العقاب، ومنها حملات ممنهجة ضد الصحفيات مها التلب، ولينا يعقوب وزمزم خاطر، وغيرهن.

وكذلك تم توثيق 110حالة انتهاك ضد الصحفيين خلال العام الماضي، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان 509 حالات، من بينها 28 حالة تهديد، 11 منها استهدفت صحفيات، ليصل العدد الإجمالي لحالات التهديد الموثقة إلى 71 حالة، من بينها 27 حالة موجهة لصحفيات.

أما في إيران فالعقوبة إعدام، وتستهدف السلطات الإيرانية الصحفيين الكرد من شرق كردستان، ومنها ما أثار الرأي العام كحكم الإعدام الذي صدر بحق الصحفية والناشطة المدنية بخشان عزيزي. وفي أحسن الأحوال يتم استدعاء الصحفيين للتحقيق وأكثرهم صحفيات ففي شباط/فبراير الماضي تم استدعاء 7 صحفيين وصحفيات منهم جيلا بني يعقوب، مريم شكراني، علياء زاده.

واختتمت نقابة الصحفيين اليمنيين عام 2024 بتقريرها السنوي الذي رصد 101 حالة انتهاك طالت حرية الصحافة، وهذا الرقم يؤكد تضاعف المخاطر التي تهدد الحريات الصحفية في البلاد التي تشهد نزاعاً مسلحاً مستمراً منذ عام 2015. وفي الشهر الأول فقط من العام الحالي وقعت 9 انتهاكات، ما بين اعتقال واعتداء واستجواب ومحاكمة على خلفية النشاط الإعلامي لهؤلاء، و19 حالة انتهاك ضد الحريات الإعلامية خلال شهر شباط/فبراير 2025 وبذلك زادت حالات الانتهاك ضد الحريات الإعلامية بنسبة 111% .

احتجاز تعسفي، محاكمات، مصادرة أو تدمير المعدات، هذا هو الواقع الصحفي في ليبيا، إذ أنه لا يزال القمع الذي استهدف الصحفيين خلال سنة 2024 مستمراً حتى الأشهر الأولى من هذا العام، حتى أن منظمة "مراسلون بلا حدود" عبرت عن قلقها من هذه الممارسات.

وفي الجزائر تستغل السلطات قوانين فضفاضة للتضييق على العمل الإعلامي، وتقدرهم مصادر حقوقية محلية بنحو 240 معتقلاً للرأي في الجزائر حالياً.

 

إعلام المرأة آلية للحماية

ينقسم الإعلام حسب المواضيع التي يتناولها إلى العديد من الفروع بيئي سياسي اقتصادي وفني ولكن الإعلام النسوي يعد ضعيفاً مقارنة بتلك الأفرع، لذلك أدركت العديد من الحركات النسائية أهمية تخصيص وسائل إعلامية لدعم قضايا المرأة والتغلب على النظرة النمطية للمرأة من قبل الإعلام، فالإعلام المتخصص خلق فضاء واسع للمرأة في التعبير عن قضاياها ومشاكلها كونه يتطرق إلى ما لا تعيره وسائل الإعلام العامة ذات الأهمية.

هناك العديد من الراديوهات وصفحات التواصل الاجتماعي المحلية تهتم بالمرأة ولكن على رأس قائمة القنوات التلفزيونية التي خصصت بثها كاملاً للمرأة قناة JIN TV التي تأسست قبل سبع سنوات، وأثبتت حضورها من خلال العمل بلون وفلسفة المرأة الحرة، ووثقت مقاومة وقضايا النساء، إلى جانب توعيتهن وتطويرهن لتصبح مرآة لواقع المرأة في المنطقة.

وكالتنا أيضاً هي أول وكالة على مستوى الشرق الأوسط تهتم بتوعية المرأة ونقل معاناتها وكذلك نجاحاتها، وطموحاتها، وتغطي معظم بلدان الشرق الأوسط.

ختاماً لابد من الإشارة إلى التقرير السنوي الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود لأعداد الصحفيين المحتجزين والقتلى والرهائن والمفقودين عبر العالم خلال عام 2024، والذي شهد زيادة مقلقة في وتيرة الهجمات على الصحفيين، وكانت خلالها غزة أخطر منطقة على حياة الصحفيين في العالم، كما يقبع حالياً 550 صحفياً في مختلف سجون العالم، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 7% مقارنة مع حصيلة العام المنصرم.