التنشئة الخاطئة والجهل أحد أسباب قتل النساء

أثار إقدام رجل من حي بكيرة في قسنطينة على قتل ابنتيه وزوجته غضب الشارع الجزائري، وأكدت ناشطات أن جرائم قتل النساء تصب في قالب واحد هو التنشئة الخاطئة.

سارة جقريف

الجزائر ـ أكدت المختصات في علم النفس أن جميع الأسباب الكامنة وراء ارتكاب جرائم قتل النساء والفتيات في الجزائر، تصب في قالب واحد هو التنشئة الخاطئة التي تعتمد على القيم الدينية المغلوطة والتعصب لها، وكذلك التشبث بالقوانين الاجتماعية التي في معظمها ناتجة عن الجهل والوعي المحدود كالتمييز بين الجنسين.

أثار إقدام رجل من حي بكيرة في قسنطينة على قتل ابنتيه البالغتين من العمر 18 ـ 26 عاماً، منذ يومين بعدما قام بقتل زوجته في عام 2009 ودخل على إثر ذلك السجن، غضب الشارع الجزائري.

وتعليقاً على الجريمة تقول الخبيرة المختصة في علم النفس آسية بودخانة أن "أسباب العنف الأسري الذي تشهده العائلات الجزائرية، عديدة متداخلة فيما بينها دينياً واجتماعياً ونفسياً، وكلها تصب في قالب واحد هو التنشئة الخاطئة التي تعتمد على القيم الدينية المغلوطة والتعصب لها، وكذلك التشبث بالقوانين الاجتماعية التي سنتها العادات والتقاليد التي أغلبها ناتجة عن الجهل والوعي المحدود كالتمييز بين المرأة والرجل ومنح الامتياز للرجل دون المرأة التي يتم التضييق على حريتها وكيانها وتهميش دورها أو حصره فيما يخدم المجتمع الذكوري لا غير، دون مشاركتها أو الاهتمام بحقها في التعبير واتخاذ القرارات".

ولفتت إلى أنه بالإضافة إلى الأسباب السابقة "نجد تدني مستوى التعليم الذي يجعل أغلب أساليب التربية تعتمد على الردع والعنف وسحب مجال الحرية للطفل، بحيث يكبر وهو يحمل تصور وقناعة أن التعنيف بأشكاله سواء النفسي أو الجسدي أمر طبيعي في تقويم أي سلوك أو حل مشكلة وقد أثبتت الدراسات أن الطفل الذي يتعرض للعنف داخل أسرته يكون أكثر ميلاً للعنف مستقبلاً".

وعلى هذا الأساس يمكن القول إن حالات التعنيف ضد المرأة في الجزائر وحوادث القتل، هي نتيجة عقد نفسية لدى الرجال على حد قول آسية بودخانة، التي أشارت إلى أن الطفل الذي يكبر في وسط عنيف سيلجأ إليه في حياته كلما شعر بالعجز والدونية خاصةً إذا كانت الظروف الاجتماعية قاسية كالفقر، البطالة والطلاق.

وأضافت "المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الجزائريون، هي بؤرة لمختلف الانحرافات كالإدمان والاضطرابات النفسية كاضطرابات الشخصية وغيرها من الاضطرابات الناتجة عن الحرمان العاطفي وغياب الصحة النفسية التي تنتج شخصية هشة بالنسبة للمرأة التي نشأت مضطهدة ومهضومة الحقوق فتلجأ للخوف والسكوت والخضوع للعنف الممارس ضدها وعدم اللجوء للقضاء مما يمنح الرجل شعوراً بالحصانة معها فيتمادى في تعنيفه لها".

وشددت على ضرورة حرص الأسرة على تقديم تنشئة صحية للأطفال والانفتاح على السبل الصحيحة للتربية والتفريق بين مفهومين أساسيين هما التربية والرعاية من أجل تفادي تفاقم ظاهرة قتل النساء في المجتمع الجزائري مستقبلاً "لا يمكن حماية النساء الجزائريات من العنف الممارس ضدهن والحد منه إلا ببناء مجتمع واعي وصحي على المدى البعيد، إلى جانب فرض قوانين صارمة ورادعة من قبل السلطات، لأن الردع القانوني الفوري فعال في محاصرة الظاهرة والتقليل منها، وتطبيق القانون سيردع المعتدين وسيحرر المرأة من الخوف".

 

"على المعنفات طلب الدعم من الجهات المختصة"

من جهتها قالت المستشارة الأسرية حياة غناي، أنها شهدت على الكثير من حالات العنف الأسري التي تتعرض لها النساء الجزائريات، ووصفت هذا السلوك العدواني الذي يحدث داخل إطار الأسرة، بأنه يشمل الاعتداء الجسدي، النفسي، والعاطفي وحتى الجنسي "من أكثر أشكال العنف الأسري شيوعاً هو اعتداء الزوج على الزوجة أو الأبناء، وهو مشكلة اجتماعية لها تأثيرات سلبية خطيرة على الأفراد والأسرة والمجتمع".

ولفتت إلى أنه من خبرتها كمستشارة، أدركت أن العديد من النساء تتعرضن لعنف بدني سواء بالضرب، الركل، الصفع، أو أي شكل آخر، إلى جانب التعنيف النفسي الذي يشمل التهديد، الترهيب، والتحكم في تصرفات الزوجة والأبناء أيضاً، ناهيك عن العنف العاطفي الذي لا يقل شأناً عن العنف الجسدي، ويشمل الإهانة، العزل الاجتماعي، أو التلاعب العاطفي. وكل هذا يتطور ويمكن أن يصل إلى جرائم قتل كما حصل أول أمس مع الأب الذي قتل ابنتيه وزوجته".

وأوضحت أن "المرأة الجزائرية ضحية مشكلات نفسية لدى الزوج مثل الغضب المفرط، اضطرابات الشخصية، أو الاكتئاب، بالإضافة إلى الضغوطات الاجتماعية والثقافية التي يعاني منها، والعوامل الاقتصادية من فقر، والبطالة، أو التوترات المادية التي تزيد من حدة العنف"، مشددةً على أن جهل المرأة الجزائرية بالقوانين يعزز الشعور بالسيطرة لدى الزوج المعتدي.

ودعت المستشارة الأسرية حياة غناي، النساء في حالة التعرض للعنف إلى طلب الدعم، والتواصل مع جهات متخصصة مثل مراكز حماية الأسرة أو الجهات القانونية، وتقديم بلاغات عن أي اعتداءات، وختمت حديثها بالتأكيد على ضرورة تقديم جلسات العلاج النفسي للضحايا والمعتدين إذا لزم الأمر حتى لا تتكرر الجرائم، وتفعيل القوانين التي تجرم العنف الأسري وفرض العقوبات المناسبة.