"التدبير الثقافي ومقاربة النوع" محور نقاش في ملتقى مبدعات المسرح الدولي بمراكش
أكدت مشاركات في الندوة التي نظمت على هامش ملتقى مبدعات المسرح الدولي بمراكش، أن المجال الثقافي لا يزال حكراً على الرجال، رغم وجود نساء كفؤات، كما أن المرأة لا تزال محرومة من فرص الوصول إلى مناصب صنع القرار في ذلك المجال.
رجاء خيرات
مراكش ـ نظمت فرقة "فانوراميك لفنون المسرح"، أمس الجمعة 25 تشرين الثاني/نوفمبر، ندوة فكرية حول موضوع "المرأة والتدبير الثقافي من مقاربة النوع إلى تنزيل الحكامة"، كما تم توقيع كتاب للكاتبة إيمان الشباني "نقطة حوار" على هامش الدورة الرابعة لملتقى مبدعات المسرح الدولي الذي يستمر إلى غاية 27 من الشهر.
المداخلات خلال الندوة التي نظمت على هامش النسخة الرابعة من ملتقى مبدعات المسرح الدولي، اعتبرت أن المجال الثقافي لازال حكراً على الرجال، رغم وجود نساء من ذوات الكفاءات والخبرات العالية في المجال، وأن المرأة مازالت محرومة من الفرص في الوصول إلى مناصب صنع القرار فيما يتعلق بالشأن الثقافي عامة والمسرحي خاصة.
وقالت أستاذة بالقسم الثقافي بجامعة القاهرة المسرح ومديرة مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة رشا عبد المنعم إن "تنظيم ملتقى ثقافي من هذا النوع في حد ذاته يعتبر تحدياً كبيراً في مجتمعاتنا العربية، لأن الثقافة ليست أولوية، فما بالك إذا تعلق الأمر بالمسرح".
وأشارت إلى أن المجتمعات الغربية نفسها لازالت تعاني من عدم تكافؤ الفرص في المجال الثقافي، وهو ما يشير له كتاب "المرأة الثالثة" للمفكر الفرنسي جيل ليبوفيتسكي الذي تطرق لما يسمى بـ "الحائط الشفاف"، والذي يقصد به أن هناك جدران شفافة تمنع المرأة من الوصول إلى مناصب قيادية، ووصفها الكاتب بـ "الشفافة"، لانعدام وجود قوانين أو تشريعات تمنع المرأة من تقلد المناصب الرفيعة، لكن مع ذلك فهي لا تحظى بالفرص كما هو الشأن بالنسبة للرجال، وهذا يقع في المجتمعات الغربية وينطبق على المجتمعات العربية.
وأضافت أن المرأة هي أكثر قدرة على التخطيط ووضع استراتيجيات مستقبلية مقارنة بالرجل، حيث هذا الأخير ينجح فقط في التنفيذ، ورغم ذلك فإننا لا نجد نساء في مناصب قيادية أو مراكز قرار.
وحول تمكين المرأة في العديد من المجالات أوضحت أن التجارب أثبتت أن ذلك لا يمكن أن يتحقق بالعمل على توعية وتثقيف المرأة وحدها في غياب الرجل.
وفي مجال المسرح وتحديداً في المجال المتعلق بصانعات المسرح، أكدت رشا عبد المنعم أن شعار الملتقى "الإخراج النسائي والتمكين الإبداعي للمرأة" لامس هذا الشق، حيث تعتبر النساء المخرجات أكثر معاناة من غيرهن، وقد يكون ذلك سببه أن أغلب العاملين في المسرح من ممثلين وتقنيين وغيرهم لازالوا لا يتقبلون فكرة أن تكون قيادة العمل بيد مخرجة.
كما أبدت أسفها على كون الرجال هم أولى بالفرص مقارنة بالنساء، وهو ما أرجعته المتحدثة إلى كون المقررون أحياناً هم رجال وبالتالي فهم يتعاطفون أكثر مع بني جنسهم.
وفي مجال بناء القدرات وتأهيل المرأة أكدت على ضرورة خلق ما يسمى بالإرشاد الوظيفي للمرأة وتقديم تدريبات التواصل في مجال العمل، بالإضافة إلى توفير إمكانية الاطلاع على التجارب الدولية المهمة التي مكنت من تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين "لأننا بحاجة لكي ننفتح عليها ونستفيد منها".
كما دعت إلى خلق استراتيجيات جديدة لفائدة الفئات الناشئة وكذلك النساء، ليكونوا قادرين على مراعاة التطور التكنولوجي للعصر، مع اتخاذ التدابير اللازمة للحد من مخاطره.
من جهتها أكدت الأستاذة بكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر عزيزة عكيدة أن تمكين المرأة يحتاج لشرطين أساسيين هما الإرادة والإدارة.
وذكرت أن الإرادة المجتمعية شرط أساسي لتحقيق تمكين النساء، لأن ذلك من شأنه أن يمنحهن ثقة الآخرين في قدراتهن وإمكاناتهن، وهو ما تحقق لدى المجتمع الصحراوي الذي منح المرأة مكانة متميزة، حتى في مرحلة البداوة.
وأشادت بموقف الرجل الصحراوي الذي منح المرأة مكانة متميزة، والتي تظهر حتى في القاموس الصحراوي، حيث يطلق على النساء "العلايات" (من العلو والسمو)، كما أن المرأة هي سيدة الخيمة تفعل فيها ما تشاء، والرجل ليس إلا مجرد ضيف في خيمته.
ومن الأمثلة المتداولة في المجتمع الصحراوي، تضيف عزيزة عكيدة "المرأة كشافة" أي أنها تكشف كل ما يقع داخل البيت، حتى وإن أخفاه الرجل فهي تعمل على تعرية واقعها دون خوف، كما أنها في فترات بعيدة، كانت حاضرة في حلقات التدريس والتأليف كذلك ولها مؤلفات عديدة في عدة مجالات، وحتى في الشعر الفصيح، هناك نساء صحراويات تضاهين الخنساء شعراً.
وعن اهتمام نساء الصحراء وشغفهن بالعلوم والفلسفة، أوضحت إن هناك امرأة بدوية استعارت كتاباً من شخص كان ضمن قافلة مرت بديارها في الصحراء، وكان عن المنطق لابن حجر العسقلاني وقضت المرأة الليل كله تقرأه، ولما حل الصباح أعادته لصاحبه، وفي نفسها حسرة، لأن القافلة التي كانت تحمل صاحب الكتاب همت بالرحيل، فما كان من زوج والدها إلا أن أرسل بعشرين ناقة لتعقب صاحب الكتاب الذي منحه لها مقابل النوق، حتى أنها أصبحت معلمة للمنطق، تقيم حلقات للتدريس وتخرج على يديها العديد من العلماء.
وأكدت أن النساء الصحراويات كن ذوات إرادة وصاحبات علم وفكر، حتى في مراحل البداوة، وكن تحظين بمكانة مشرفة، كما كان لهن رأي سديد يُأْخَذ به، رغم ما يرتبط بالبداوة من معتقدات بكونها تتسم بالجهل والتعصب، إلا أن المرأة ساهمت بشكل كبير في خلق مجتمع متعلم ومتحضر.
وشددت على أن الإرادة المجتمعية ضرورية لإعطاء المرأة المكانة التي تستحقها وتفتح أمامها الفرص للتعلم والانخراط في كل مجالات الحياة، كما أن الإرادة الفردية للمرأة نفسها مهمة لكي تكسر جميع التابوهات والمعتقدات السائدة حتى تساهم في تقدم مجتمعها.
وعن تدبير المجال الثقافي التي يتم اتخاذها في القطاع العام والخاص، أشارت أستاذة اللغات والفنون والعلوم الإنسانية المغربية بالقطب الجامعي أيت ملول، رتيبة ركلمة إلى أن المغرب انخرط منذ سنوات في ورش إصلاحية من بينها تمكين المرأة عبر خلق آليات لتعزيز مكانتها.
وحول حضور المرأة في القطاع العام قالت إن نسبة النساء قبل عام 1960 لم تكن تتجاوز مليون عاملة، في حين ارتفع الرقم إلى 2.4 مليون عاملة في القطاع العام بحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، لتصل النسبة اليوم إلى 3 ملايين ونصف عاملة، ومع ذلك، فالبطالة في صفوف النساء تفوق بكثير تلك التي يعاني منها الرجال.
وفيما يتعلق بالمجال الثقافي فبالرجوع لوزارة الثقافة باعتبارها المهتمة بتدبير المجال الثقافي بالبلاد، فلفتت إلى أنه منذ فجر الاستقلال عام 1956 وإلى غاية 2022، لم ترأس وزارة الثقافة إلا وزيرة واحدة هي ثريا جبران، ولم تمكث في هذا المنصب إلا سنة ونصف فقط، علماً أنها عملت على الرفع من الميزانية المخصصة للوزارة، كما لم تعين في منصب كاتبة الدولة إلا امرأة واحدة فقط هي عزيزة بناني، وهي نفسها لم تشغل هذا المنصب إلا مدة 6 أشهر فقط في ظل حكومة انتقالية، أما منصب "كاتب عام" الذي يعتبر القائد التنفيذي لبرامج الوزارة فقد ظل حكراً على الرجال.
وأكدت أن ذلك لا يعني غياب نساء ذوات الكفاءة والخبرة المطلوبة في المجال، لكنه يجسد سياسة التمييز والإقصاء تجاه العاملات في القطاع العام، ليبقى تدبير المجال الثقافي حكراً على الرجال بامتياز.
وأشارت إلى نتائج دراسة سبقت وأنجزتها برفقة الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب، باعتبارها مسؤولة عن قسم المسرح بالوزارة، وذلك في الفترة ما بين سنة 2014 و 2016، موضحة أن هذه الدراسة أظهرت من خلال استطلاع رأي أن 98% من الأشخاص الذين أخذت آرائهم أكدوا أن النساء تفتقرن للثقة في النفس، وهو ما أرجعته بالأساس للتمثلات الثقافية السائدة والتي تحصرهن في الأدوار التقليدية فقط.
وأوضحت أن العوامل الذاتية التي تحول دون تمكين المرأة ترتبط بتعدد المسؤوليات التي تقع على عاتقها، حيث تجد نفسها غير قادرة على حضور لقاءات واجتماعات ليلية أو حضور عروض ثقافية بحكم ضرورة تواجدها بالمنزل برفقة الأبناء، وهو ما يؤدي إلى حرمانها من مواكبة العديد من المستجدات على الساحة الثقافية، كما يساهم في إبعادها من مناصب المسؤولية.
ودعا المشاركون في الندوة إلى ضرورة الرفع من مستوى التعليم في صفوف النساء والرجال على حد سواء، وإدراج ثقافة المساواة وحقوق الإنسان في مناهج التعليم باعتبارها المدخل الأساسي للتغيير المنشود.
وقالت الكاتبة والخبيرة في الاستشارة الأسرية، خلال حفل توقيع كتابها "نقطة حوار" إيمان الشباني، إن مؤلفها هو حصيلة تجربة لعشرين سنة من العلاقات التي جمعتها بالأسر وأولياء التلاميذ والتلميذات، من خلال تدخلها كخبيرة استشارية في حل مشاكل الأطفال داخل الأسر، أو تدخلها لدى المؤسسات التعليمية لإعادة إدماج هؤلاء الأطفال.
وأشارت إلى أن عنوان الكتاب لم يكن اعتباطياً، بل جاء نتيجة الحاجة لنقط حوار ينبغي أن تصبح تقليداً لدى الأسر التي ينبغي أن تفتح قنوات للتواصل مع أبنائها.
كما أكدت أنه في بعض فصول الكتاب تحدثت عن حوادث الاغتصاب التي يتعرض لها بعض الأطفال والتي غالباً ما تكون نتيجة التفكك الأسري، لكن الأسر تفضل الصمت وعدم تقديم شكاوى خوفاً من العار الذي قد يلحق بها، وهو ما عايشته الكاتبة خلال مرافقة العديد من الأسر داخل المؤسسات التعليمية، كما أن هناك أطفال لا يبوحون بما تعرضوا له لأولياء أمورهم خوفاً من العقاب، وهو ما يجعلهم عرضة للاكتئاب والانطواء الذي ينتج عنه الإخفاق الدراسي.
وكذلك ظاهرة زواج القاصرات، والذي قالت إنه يشكل موضوعاً اجتماعياً، حيث أنها دونت كل الاستنتاجات والأسباب التي وقفت عليها من خلال مواكبة العديد من الأسر التي تزوج بناتها في سن مبكر.
وعن بعض أسباب الإخفاقات الدراسية في صفوف بعض التلاميذ، أكدت أنها تحدثت عنها بإسهاب من خلال كتابها، حيث خصصت فصلاً كاملاً للهاتف النقال الذي أصبح ظاهرة غريبة ومدمرة للأبناء، لأنه وضع حداً للحوار داخل الأسر، وساهم إلى حد كبير في التباعد بين الأهل والأبناء.
ولفتت إلى وجود بعض الأمهات والآباء الذين يلجؤون إلى تعويض غيابهم بمنح أبنائهم الهواتف، ظناً منهم أن هذا الجهاز من شأنه أن يلهي أطفالهم ويخلصهم من عبء المتابعة والمواكبة.
وأوضحت أن الهاتف يساهم بشكل كبير في إحداث فراغ عاطفي لدى الطفل، كما أنه يدخله في عزلة ويبعده بشكل كبير عن الانخراط في الحياة الاجتماعية، حتى أنها وقفت على عدم قدرة بعض الأطفال على التحدث بشكل سوي مع الآخرين، بسبب أن الهاتف لا يحتاج إلا إلى الكتابة والمشاهدة، وهو ما يفقد الطفل القدرة على التواصل.
وعن علاقة الفرد بالآخر، اعتبرت أن العلاقات الاجتماعية ينبغي أن تبنى على الصدق والشفافية والاحترام المتبادل، وهي قيم ينبغي تمريرها للأبناء من خلال سلوك الآباء تجاه الآخرين، سواء كانوا جيراناً أو أقارب، حيث أن بعض الآباء ينكرون وجودهم بالبيت على بعض أصدقائهم أثناء التحدث بالهاتف، أمام دهشة الأبناء الذين غالباً ما يحاكون سلوكيات الأهل، ويصبح الكذب وتزييف الحقائق مسألة مستساغة لديهم.
وتحدثت كذلك في جزء من كتابها عن المقارنة الهدامة، التي يلجأ إليها بعض الآباء حين يقارنون أبناءهم بالأقارب في مثل سنهم، وهم بذلك يدفعون الطفل إلى الانعزال والنفور من ملاقاة أقربائه خوفاً من المقارنة، كما أن ذلك يفقده الثقة في نفسه ويجعله يحتقر ذاته لأنها لا ترقى لانتظارات أهله.
ودعت إلى ضرورة تبني لغة الحوار داخل الأسر، لأنها الوسيلة الوحيدة لتجاوز المشاكل التي قد تعاني منها أية أسرة كيفما كانت، لافتةً إلى أهمية التواصل بين جميع أفراد الأسرة، وإشراك الأبناء في اتخاذ بعض القرارات، لإشعارهم بأهميتهم وتحفيزهم على تحمل المسؤولية.