العنف المبني على النوع الاجتماعي محور جلسة نقاش في لبنان

نظمت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات بالتعاون مع سفارة كندا في لبنان جلسة نقاش عن العنف المبني على النوع الاجتماعي، مساء أمس الأربعاء 12كانون الثاني/يناير

كارولين بزي
بيروت ـ .
 
"العنف أقصى درجات إلغاء الآخر"
في البداية عرّفت المختصة في الشؤون الجندرية والإدماج الاجتماعي جوليا بو كروم العنف، وقالت "العنف هو فعل يمارس من أجل إلغاء الآخر أو إقصاء من هو بالمقابل وهذا ما نشهده بالمعارك والحروب، العنف أقصى درجات محاولة إلغاء الآخر، إذ قمنا بإسقاط لهذا المفهوم على المستوى الجندري عندها نتحدث عن العنف القائم على النوع الاجتماعي والذي في صلبه إلغائي لأي هوية جندرية أخرى، لا تتمتع بالامتيازات التي وُجدت في مجتمعنا وخاصة للذكور".
وأوضحت "من هنا يمكننا أن نفتح نقاشاً على مجتمعنا ككل، فإن مجتمعنا اللبناني قائم على مجموعات متقاتلة وأهداف مختلفة وهدفها إلغاء الآخر، وبالتالي النساء والفئات المهمشة الأخرى هي العنصر الأضعف بهذا المجال، ويقع عليها عنف ممارس بشكل يومي من خلال الممارسات اليومية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتشريعية".
وأضافت جوليا بو كروم "لذلك عندما تطالب المؤسسات الحقوقية بإشراك النساء في صناعة القرار هي تنطلق من أننا لا يمكن أن نصدّر أي قانون إذا لم تكن الفئة التي تم إلغاؤها من صناعة القرار موجودة، فوجود النساء ضروري لتصحيح هذا المسار وتصحيح هذه التشريعات، ولوقف العنف الذي سيطال حكماً الفئات المهمشة".
 
"يهدد العنف وجودنا كمواطنين ومواطنات"
كما تعرّف جوليا بو كروم العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتقول "هو أي فعل أو سلوك يُمارس من جهة معنية ينتج عنه أذى للمرأة أو لأي فرد من أي هوية جندرية مختلفة، وهذا النوع من العنف يمكن أن يكون جسدي، مادي، اجتماعي ونفسي، وخاص وعام ويهدد وجودنا ويهدد ممارستنا كمواطنين ومواطنات بشكل صحيح، ويؤدي إلى الحرمان من عدة مستويات سواءً حرمان حقوقي أو اقتصادي أو اجتماعي".
وتشير إلى أن النساء كانوا في الطليعة بممارسة التصعيد تجاه هذا العنف، وهناك مسار تاريخي من العمل النضالي الذي قضته النساء من أجل إبراز هذا الموضوع ووضعه تحت المجهر.  
وتضيف "طالما أن بنية المجتمع اللبناني قائمة على العنف وإلغاء الآخر، بالتالي سنشهد ازدياد للعنف على الفئات المهمشة وسيكون أكثر وقعاً وأشد صعوبة عليهم". وتعتبر أن العنف الممارس هو إسقاط لممارسات السلطة نفسها على المواطنين، الذي تتم ممارسته بقنوات متعددة منها القوانين والتشريعات والممارسات المؤسساتية إلى الفساد وهو العنصر البارز بعدم إحداث التغيير". 
وتطرقت جوليا بو كروم إلى قانوني العنف الأسري وقانون تجريم التحرش، ولفتت إلى أن إقرار القوانين هو لتنظيم حياتنا اليومية كمواطنين ومواطنات، والقانون ليس منزلاً وتطور القوانين يكون وفق تطور المجتمعات والحاجة إليها. 
وتعتبر أن "إقرار القانونان جاء متأخراً، إذ تم إقرارهما بعد نضال عمره سنوات، طالبت المنظمات والمؤسسات النسائية منذ فترة طويلة بوضع هذه القوانين وتطويرها، من الجيد أنهما أقرا علماً أن هناك بعض الشوائب، التي لا تتناسب مع التزامات الدولة اللبنانية تجاه الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها ولاسيما سيداو".
 
"المشكلة ليست في القانون بل بآلية تطبيقه"
وتتابع "المشكلة ليست مع القانون بل بكيفية تطبيقها ووضع الآليات التي تسمح بتطبيقها بشكل جيد وتتجاوب مع احتياجات العالم ولاسيما النساء".
وتطرقت جوليا بو كروم إلى حادثة المتحرش مروان حبيب الذي اتهمته 20 امرأة بالتحرش ولكن تم الإفراج عنه بفعل علاقاته مع القوى السياسية وعدم استقلالية القضاء.وتلفت إلى أن وجود القانون لا يكفي فهو ليس للزينة، بل للقانون مفاعيل وتنفيذ ومراقبة وتقييم لعملية تنفيذه. وسألت أن كانت القوانين المتعلقة بقضايا المرأة والالتزام بالاتفاقيات الدولية ذات طابع حقوقي أم فقط تلبيةً لمطالب المجتمع الدولي؟
وتشير إلى أنها تؤيد فكرة قانون الكوتا النسائية ولكن ضمن ضوابط وآليات معينة، وتعتبر أن الكوتا هو ضرورة من أجل تشجيع النساء اللواتي لا يمتلكن الامتيازات الاقتصادية والعائلية والشخصية على الترشح للانتخابات النيابية والمشاركة في الحياة السياسية.
وأكدت جوليا بو كروم أنه "يجب أن نعمل على كل شيء في الوقت نفسه، إذ لا يوجد قطاع واحد هو مفتاح الحل، يجب أن نبدأ من كل الأماكن وبوتيرة أسرع، ولن نصل إلى العدالة الاجتماعية إلا إذا اقتنعنا وشاركنا جميعاً بأنها خدمة للجميع وليست لفرد أو فئة أو مجموعة".      
 
"الحرب الأهلية والعنف المبني على النوع الاجتماعي"
من جهتها ربطت الأخصائية في الشؤون الجندرية والتنمية هند حمدان بين العنف القائم على النوع الاجتماعي والحرب الأهلية التي امتدت على مدى 15 عاماً. 
انطلقت هند حمدان مما قالته جوليا حول إسقاط السلطة للعنف على المواطنين وفكرة إلغاء الآخر، وقالت "الحرب الأهلية كانت دموية جداً، وكانت قائمة على سياسة الترهيب والتخريب ومبنية على طوائف ولكنها أيضاً كانت قائمة على مصالح والتنازع على السلطة. عندما انتهت الحرب تسلم زعماء الحرب الأهلية السلطة في لبنان، وأول ما فعلوه أصدروا قانون العفو العام وهذا القانون لم يسمح لأحد بأن يخضع للمحاسبة. وبالتالي أصبحت عادة عدم المحاسبة هي السائدة في البلاد، إذ لم يتم محاسبة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت، ولا يُحاسب الرجل في حال عنّف زوجته وغير ذلك".
وتابعت "بعد الحرب الأهلية بنينا البلد على أسس عنيفة ولم تتم محاسبة أحد على جرائمه، ما يجعل الأقوياء يستقوون أكثر".
ولفتت إلى أن العنف ليس عنفاً جسدياً حصراً، بل نفسي ومعنوي، "العنف النفسي يمكن أن يؤثر على تربية الأولاد وطريقة التعاطي مع الناس، وهذا يورث العنف".
وأشارت إلى أن "مشاركة النساء في القطاع الاقتصادي متدنية جداً في لبنان وهي ما بين 26 إلى 29 %، ومع الأزمة الاقتصادية وإقفال العديد من الشركات والطرد التعسفي أصبح عدد كبير من النساء خارج ميدان العمل، كما قدم بعضهن استقالتهن بسبب تراجع قيمة الراتب، كما أن هناك نساء لا يعملن.. وبالتالي أصبحت الاستقلالية الاقتصادية للمرأة معدومة ما ينعكس على الاستقلالية في اتخاذ القرارات، ما يدفع الرجل لأن يستقوي بما أنه المعيل". ولفتت إلى أن هناك نحو 80 % يعيشون تحت الفقر ولكن نسبة النساء أكثر. 
 
"السلطة الأبوية رسخت العنف"
وتضيف "يوجد قوانين لا تطبق أو تم إقرارها في إطار ترسيخ الأفكار الرجعية عن النوع الاجتماعي، لدينا السلطة الدينية والسلطة الطائفية، الأبوية والذكورية التي تقرّ هذه القوانين، والتي خلقت بيئة حاضنة لبقاء أشكال العنف". 
وتطرقت هند حمدان إلى قانون الأحوال الشخصية الذي يصنّف النساء في الدرجة الثانية. كما اعتبرت أن حالة الخوف الدائمة التي ترافق المرأة مرتبطة دائماً بالعنف، فالخوف من التعرض للتحرش أن كان الجسدي أو النفسي أو غير ذلك هو عنف.
 
"البلاء بالعنف"
وتعتبر هند حمدان بأن البلاء هو بالعنف بكل أشكاله، وبالتأكيد عندما نتحدث عن وضع النساء اليوم في لبنان وليس فقط من منظار مشاركتهن في السياسة بل بشكل عام، لا بد أن نرى أن هناك تقاطع بين سوء الحالة الاقتصادية وسوء الوضع الاجتماعي وعدم وجود قوانين تُنفذ وعدم وجود حملات توعية تستطيع أن تخلق بيئة تفسح المجال للحديث بهذه الأمور بطريقة جدية".
ولفتت إلى أن الإعلام غائب عن توعية الجمهور للعنف القائم على النوع الاجتماعي أو فيما يتعلق بقضايا التحرش، واستشهدت بحادثة مروان حبيب الذي أفسح له الإعلام اللبناني المجال ليبرئ نفسه.
وعن الحلول، تقول هند حمدان "التاريخ أظهر لنا أننا لا نستطيع أن نعمل على خط واحد، ونأمل بأن نصل إلى العدالة الاجتماعية في لبنان، عدالة تحمي كل المواطنين والمقيمين وتتعامل معهم بشكل متساوٍ. لكي نصل إلى العدالة الاجتماعية هناك طرق متعددة ولكنها تصب في المكان نفسه، هناك شق الأجندة الحقوقية والقضاء المستقل وقوانين تشرّع وتنفذ، التعليم والتربية، التوعية عبر الإعلام والتعليم. والشق الآخر هو تحفيز وجود المرأة في الاقتصاد، الوصول إلى الخدمات الصحية.. والتكافل والتضامن من أجل أن نصل إلى العدالة الاجتماعية".