المغرب... جمعية "ندى" ترافق النساء في رحلة كسر الهشاشة وصناعة الأمل
في كنف جمعية "ندى" وبين الإبرة والخيط، وجلسات الدعم النفسي والتكوين المهني، تنسج نساء اللواتي تعشن وضعية هشاشة مشاريع صغيرة بحلم كبير، أحدثت تحولات تتجاوز الُمعاش إلى استعادة الثقة والكرامة.

حنان حارت
المغرب ـ "التمكين الاقتصادي ليس فقط هدفاً في حد ذاته، بل أداة للتحرر الذاتي والاجتماعي" بهذه الكلمات أكدت المشاركات في الملتقى أن جمعية "ندى" فتحت أمامهن آفاق جديدة من خلال ورشات الخياطة والتصميم، لأنه نموذج حي على أهمية المقاربات التقاطعية في التمكين.
في حي جنان زناتة أحد الأحياء الشعبية بعين حرودة الواقعة على أطراف مدينة المحمدية، اجتمعت نساء من أعمار وتجارب مختلفة، توحدهن الرغبة في التغيير واستعادة زمام حياتهن، كان ذلك بمناسبة الملتقى الأول للتمكين الاقتصادي للنساء اللواتي تعشن في وضعية صعبة، نظمته جمعية "ندى" لتأهيل واستقبال النساء مساء أمس الثلاثاء 17حزيران/يونيو الجاري.
ولم يكن الملتقى فقط لحظة احتفاء بإنجازات الجمعية، بل فضاء لسرد حكايات نساء تجاوزن الهشاشة واليأس وسلكن طريقاً نحو الاستقلال الاقتصادي والانبعاث الذاتي، عبر ورشات مهنية ونفسية مرافقة.
من فشل دراسي إلى مشروع حياة
تقول بشرى برموشي، شابة عشرينية، اعتقدت أن تعثرها في امتحان الباكالوريا قد طمس مستقبلها للأبد، "شعرت حينها أن كل شيء انتهى، فشل الباكلوريا كان بالنسبة لي مثل حكم بالإقصاء من الحياة"، لكن التحاقها بجمعية "ندى" غير مجرى الأمور، حيث فتحت أمامها آفاق جديدة من خلال ورشات في الخياطة والتصميم، ومرافقة نفسية ساعدتها على استعادة ثقتها بنفسها، التحول الأكبر بدأ حينما انخرطت في ورشة "الكوتشينغ" في التنمية الذاتية التي مكنتها من التصالح مع ذاتها وإعادة بناء أهدافها "اليوم لم أعد أرى نفسي ضحية فشل، بل امرأة تمتلك مشروعاً لحياتها".
"بحرية" حين يعود الحلم المؤجل إلى الواجهة
الزوهرة بهيج، المعروفة في حيّها بلقب "بحرية" كانت تقتات من بيع المحار الذي تجمعه من البحر، امرأة خمسينية حملت في قلبها منذ الطفولة حلماً بأن تصبح خياطة، لكن الحياة لم تمنحها الفرصة ذلك إلى أن قادتها الصدفة إلى جمعية ندى "كنت أظن أنني كبرت على الحلم، لكن داخل الجمعية وجدت من يصدقني ويقول لي لم يفتك شيء".
اليوم الزوهرة بهيج تخطو بثقة في ورشة "التصميم والخياطة"، وتعمل على تأسيس مشروعها الخاص، مؤكدةً على أن "الكرامة تبدأ حين تمتلك المرأة وسيلة لكسب قوتها بيدها".
الاكتئاب لم ينه القصة
أما مريم صنبود فكانت تعيش حالة نفسية حرجة بعد أزمة صحية قادتها إلى العزلة وفقدان الرغبة في الحياة، وتقول "لم أكن أرغب في رؤية أحد شعرت أن لا شيء يستحق، لكن جمعية ندى فتحت أمامي باباً جديداً، بين دعم نفسي مستمر واندماج في ورشة الخياطة".
واستعادت مريم توازنها الداخلي واليوم تحلم بإطلاق مشروع يتيح لنساء أخريات فرصة التعافي والعمل "أريد أن تعمل جميع النساء مثلما تشجعت وعملت، لأننا نستحق أكثر من النجاة نستحق الحياة".
التمكين الاقتصادي ليس مجرد تدريب مهني
سميرة لبيض، رئيسة جمعية "ندى" لتأهيل واستقبال النساء، ترى أن ما تحقق هو ثمرة عمل قائمة على مرافقة النساء في أوضاع الهشاشة بشكل يحترم كرامتهن ويؤمن بإمكاناتهن وتوضح قائلة إن "النساء اللواتي التحقن بنا فقط برغبة بسيطة في التعلم أصبحن اليوم صاحبات أفكار ومشاريع، وهذا يعكس روح الجمعية القائمة على الشفافية والمرافقة والثقة المتبادلة"، مؤكدةً أن التمكين الاقتصادي ليس فقط هدفاً في حد ذاته، بل أداة للتحرر الذاتي والاجتماعي.
سياسات التقاطع من أرض الواقع
من جهتها، اعتبرت رئيسة المركز الدولي الدبلوماسي كريمة غانم، أن ما تقوم به جمعية "ندى" يمثل نموذجاً حياً على أهمية المقاربات التقاطعية في التمكين، مشددة على أن "الفقر والهشاشة لا يعالجان فقط بالتكوين بل بالدعم النفسي وبالمرافقة المستمرة "اليوم رأينا نساء كن تعشن تحت الظلم ومع انضمامهن للجمعية أصبحن تفكرن في خلق مشاريع عمل لنساء أخريات لمساعدتهن على تكوين أنفسهن".
وترى كريمة غانم، أن التمكين لا يمكن فصله عن التحولات الرقمية والاقتصادية الكبرى، وأن السياسات العمومية يجب أن تواكب هذه الديناميات الجديدة، معتبرةً أن التمكين الاقتصادي ليست رفاها تنموياً، بل ركيزة لأي مشاركة سياسية أو مدنية فعالة للنساء".