المغرب... حقوقيات وسياسيات تطالبن بالمساواة في الإرث

طالبت العديد من الحقوقيات والسياسيات المغربيات خلال ندوة، بضرورة تعديل مدونة الأسرة بشكل يضمن للمرأة المغربية حقوقاً متساوية مع الرجال في الإرث.

حنان حارت

المغرب ـ نظمت جمعية النساء المغربيات للبحث والتنمية بالشراكة مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ندوة في مدينة الرباط بالمغرب، تحت شعار "نظام الإرث في المغرب... ماهي آراء المغاربة؟"، أمس الثلاثاء 14حزيران/يونيو، تم خلالها الإعلان عن نتائج دراسة حول آراء المغاربة في نظام الإرث المعتمد في البلد.

كشفت الدراسة الميدانية التي أعدتها جمعية النساء المغربيات حول نظام الإرث في المغرب، عن رفض 44 % من عينة البحث المكونة من 1200مشاركاً، أي تعديل في مدونة الأسرة المتعلقة بنظام الإرث، فيما تبلغ نسبة المؤيدين 36 %، بينما لم تعبر نسبة 20 % من المستجوبين عن أي رأي.

وتهدف الدراسة إلى المساهمة في النقاش حول إصلاح مدونة الأسرة، التي أصبحت مطلباً للحركة النسائية ومنظمات حقوق الإنسان المغربية منذ اعتماد دستور 2011، ورفع التحفظات على اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بها.

وتفيد نتائج الدراسة، المعنونة بـ "نظام الإرث في المغرب... ما هي آراء المغاربة"، بأن 86.6 % من المستجوبين أكدوا أنهم يعرفون قواعد نظام الميراث؛ 90.4% منهم في الوسط الحضري، و79.5% الوسط القروي.

وبخصوص التصورات السائدة لدى المغاربة حول قواعد الإرث التي تثير جدلاً، عبر 82 % من المستجوبين عن أنهم يؤيدون قاعدة نصف النصيب للفتاة، ويؤيد 73.6 % هذه القاعدة حتى داخل الأسر التي ليس لها رجال، ويبرر 89.7 % موقفهم لكون هذه القاعدة لها مرجعية دينية.

وخلال الندوة قالت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، إن مدونة الأسرة أكدت على مجموعة من المبادئ التي تمت فيها المساواة بين المرأة والرجل في الواجبات، كواجب الرعاية المشتركة للأسرة، مضيفة "هذه المساواة لم تصل للحقوق المكفولة للمرأة في الجانب المتعلق بالإرث".

وأشارت أمينة بوعياش إلى أن نظام الإرث المعتمد في المغرب، الذي ما زال يحمل العديد من مظاهر التمييز وعدم المساواة تجاه المرأة، هو ما يحد من ولوج النساء والفتيات إلى الأرض والثروات، وجعلهن أكثر عرضة للفقر والهشاشة.

واعتبرت أن نظام الإرث المعمول به في المغرب، الذي يستمد قواعده من الشريعة الإسلامية، يتمتع فيه الرجال بامتيازات وإمكانيات للحصول على العقارات والصناعات والأعمال التجارية، بشكل يؤدي إلى تأنيث الفقر.

وأوضحت "الكثير من الأسر تلجأ بشكل متزايد إلى القيام بإجراءات قانونية كبديل عن القواعد الحالية لنظام الإرث، من قبيل البيع أو الصدقة أو الهبة، وذلك بهدف حماية بناتهن من قاعدة التعصيب، وما قد يواجهنه من حرمان من حقوقهن بعد وفاة الأب، ولتحقيق المساواة بين الجنسين".

وأضافت "لكن يبقى اللجوء إلى هذه الإجراءات ليس هو الحل الذي يمكن من خلاله إنصاف النساء المغربيات، بالنظر إلى المساطر التي تتطلبها، والنزاعات التي قد تنشأ عن ذلك".

وأوضحت أمينة بوعياش أن الإجراءات التي تلجأ إليها بعض الأسر لتحقيق المساواة بين أبنائها لا يمكن أن تكون بديلة عن منظومة قانونية عادلة ومنصفة ومتاحة الولوج لكل الأسر المغربية، وكفيلة بتوفير الحلول الملائمة، تأخذ بعين الاعتبار الوضعيات والتحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي.

وتطرقت الحقوقية إلى التحولات البنيوية التي شهدتها الأسرة المغربية، ومنها خروج المرأة إلى العمل ومشاركتها في اقتصاد البيت، ما حولها من كائن معال إلى معيل تعتمد عليه الكثير من الأسر المغربية وعلى مساهمتها المادية، موضحة أن أكثر من 16% من الأسر المغربية تعيلها نساء.

من جهتها قالت رئيسة جمعية النساء المغربيات للبحث والتنمية مليكة بن الراضي، إن دوافع البحث الميداني المنجز حول آراء المغاربة إزاء نظام الإرث متعددة؛ وفي مقدمتها التحولات التي شهدها المجتمع المغربي، وأيضاً التغييرات التي طرأت على المنظومة القانونية المغربية، والتي توجت بدستور 2011، الذي أكد على مبدأ المساواة وعدم التمييز على أساس الجنس، إضافة إلى مصادقة المغرب على كل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة.

وطالبت بضرورة تعديل مدونة الأسرة بشكل يضمن للمرأة المغربية حقوقاً متساوية مع الرجل في الإرث، وفقاً للفصل 19 من الدستور والمادة 16 من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وطبقاً للمعايير الدولية.

وبدروها قالت النائبة البرلمانية عن فدرالية اليسار، فاطمة التامني، في مداخلة لها خلال الإعلان عن نتائج الدراسة التي تتعلق بنظام الإرث في المغرب، أن هناك حاجة إلى تحرير العقل المغربي من الجمود، من أجل الارتقاء بالوعي العام خدمة للمصلحة العامة.

وطالبت فاطمة التامني بضرورة صياغة إجراءات تخدم المصلحة العامة للأمة، من خلال إعمال العقل للتفكير وللإجتهاد لغاية تأويل النص وفق الأسس والقواعد التي يقوم عليها لمعاجلة القضايا المعاصرة التي يعيشها الإنسان اليوم.

وأضافت "العقل الإنساني الذي اجتهد وابتكر وفتح المجالات من خلال قوانين وضعية، وقوانين بديلة، ولا يقيم الحدود ولا يقطع يد السارق ولا يقطع الرقاب، هو نفسه العقل الذي يجب أن يجتهد اليوم من أجل الإنصاف والمساواة".

ولفتت إلى أن القوانين بطبيعتها وضعية، وكل ما هو وضعي يفتح المجال للإجتهاد بما يتناسب مع الشرط التاريخي، بروح المسؤولية والوعي".

ومن جانبها أكدت النائبة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، على أن المساواة بين الجنسين، وحقوق النساء عامة، ترتبط بالديمقراطية، مبرزة أنه ينبغي التحلي بالشجاعة في الطرح للمساهمة في التغيير في اتجاه دمقرطة المجتمع وتكريس الحقوق والحريات للجميع.

وأضافت "هناك معوقات كثيرة تحول دون ضمان حقوق النساء وتفعيل ما جاء في الدستور، وهذه المعوقات تتعلق بطبيعة النظام المغربي؛ لأنه لا يمكن تطبيق الحقوق إلا في نظام ديمقراطي ووسط مجتمعي تسود فيه الحرية".

وقالت إن "التخلف الثقافي المعتمد على النظام الأبوي"؛ يعيق تحقيق مبدأ المناصفة وتمتيع الناس بكافة حقوقهم.

وترى نبيلة منيب أن عدداً من المقتضيات توجب مراجعة مدونة الأسرة، مثل استمرار التعدد، وتزويج القاصرات الذي ارتفع من 7% إلى 14%.

ومن جهتها قالت النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مليكة الزخنيني، إن "منظومة الإرث في المغرب تقتضي فتح نقاش، لأن الأمر يتعلق بحقوق اقتصادية، وبمطلب عدالة اجتماعية يمثل ركناً أساسياً من أركان توجهنا الديمقراطي".

وبينت مليكة الزخنيني، في مداخلتها أن حزب الإتحاد الاشتراكي يرى أن شروط الحوار الوطني حول نظام الإرث أضحت أكثر نضجاً، وتقتضي انخراط كافة القوى المجتمعية فيه، بعيداً عن كل استغلال للمزاج السياسي لعامة الناس، وحفظ الأصالة واصطناع الثنائيات بين نحن الخير وهم الشر، وعلى أساسي نزوع شعبوي لا يتحمله المناخ السياسي للبلد لما يشكله من خطر على الديمقراطية.

ومن خلال الدراسة تم الاعتماد على التصورات والمواقف والتطلعات المستقبلية للمغاربة، فيما يتعلق بنظام الإرث بالمغرب، وخاصة القواعد الثلاثة التي تعتبرها جمعية النساء المغربيات للبحث والتنمية والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان قواعد تمييزية تجاه المرأة، والتي تحصرها الهيئتان في قاعدة للفتاة نصف حصة أخيها، وقاعدة الإرث بالتعصيب التي لا تسمح لفتاة واحدة أو فتاة دون أخ أن يتمتعن بكل تركة والديهم، وقاعدة منع التوارث على أساس الاختلاف في العقيدة.

يشار إلى أن نظام الإرث، كان قد أثار جدلاً كبيراً في المغرب سنة 2015، حينما أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريراً يتضمن توصية حول المناصفة بين الرجل والمرأة في نظام الإرث.